Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 15-23)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المتقين لله عزّ وجلّ ، أنهم يوم معادهم يكونون في جنات وعيون ، بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال ، وقوله تعالى : { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } ، قال ابن جرير : أي عاملين بما آتاهم الله من الفرائض ، { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي قبل أن يفرض عليهم الفرائض كانوا محسنين في الأعمال أيضاً ، والذي فسر به ابن جرير فيه نظر ، لأن قوله تبارك وتعالى { آخِذِينَ } حال من قوله { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } فالمتقون في حال كونهم في الجنان والعيون آخذين ما آتاهم ربهم ، أي من النعيم والسرور والغبطة . وقوله عزّ وجلّ : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } أي في الدار الدنيا ، { مُحْسِنِينَ } كقوله تعالى : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] ، ثم إنه تعالى بيّن إحسانهم في العمل فقال جلّ وعلا : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } . اختلف المفسرون في ذلك على قولين : أحدهما : أن ( ما ) نافية تقديره : كانوا قليلاً من الليل لا يهجعونه . قال ابن عباس : لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً ، وقال قتادة : قلّ ليلة تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عزّ وجلّ ، إما من أولها أو من وسطها ، وقال مجاهد : قلَّ ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون ، والقول الثاني : أن ( ما ) مصدرية تقديره : كانوا قليلاً من الليل هجوعهم ونومهم ، واختاره ابن جرير ، وقال الحسن البصري : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } ، كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله ، ونشطوا فمدوا إلى السحر حتى كان الاستغفار بسحر ، وقال الأحنف بن قيس : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } كانوا لا ينامون إلا قليلاً ، ثم يقول : لست من أهل هذه الآية ، وقال عبد الرحمٰن بن زيد بن أسلم : قال رجل من بني تميم لأبي : يا أبا أسامة صفةٌ لا أجدها فينا ذكر الله تعالى قوماً فقال : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } ونحن والله قليلاً من الليل ما نقوم . فقال له أبي : " طوبى لمن رقد إذا نعس ، واتقى الله إذا استيقظ " . وقال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول ما سمعته صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس أطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وأفشوا السلام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " وروى الإمام أحمد ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها " فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : لمن هي يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " لمن ألان الكلام ، وأطعم الطعام ، وبات لله قائماً والناس نيام " " . وقوله عزّ وجلّ : { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال مجاهد : يصلون ، وقال آخرون : قاموا الليل وأخروا الاستغفار إلى الأسحار ، كما قال تبارك وتعالى : { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } [ آل عمران : 17 ] ، وقد ثبت في الصحاح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر " وقوله تعالى : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } لما وصفهم بالصلاة ، ثنى بوصفهم بالزكاة والبر والصلة ، فقال { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ } أي جزء مقسوم قد أفرزوه للسائل والمحروم ، أما السائل فمعروف وهو الذي يبتدىء بالسؤال وله حق ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للسائل حق وإن جاء على فرس " وأما المحروم فقال ابن عباس ومجاهد : هو المحارب الذي ليس له في الإسلام سهم ، يعني لا سهم له في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها ، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : هو المحارب الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه ، وقال الضحاك : هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب ، قضى الله تعالى له ذلك ، وقال ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء : المحروم المحارف ، وقال قتادة والزهري : المحروم الذي لا يسأل الناس شيئاً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه " وقال سعيد بن جبير : هو الذي يجيء وقد قسم المغنم فيرضخ له ، وقال الشعبي : أعياني أن أعلم ما المحروم ، واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان وقد ذهب ماله ، سواء كان لا يقدر على الكسب ، أو قد هلك ماله بآفة أو نحوها . وقوله عزّ وجلّ : { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } أي فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة ، مما فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد ، والجبال والقفار والأنهار والبحار ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم ، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والسعادة والشقاوة ، وما في تركيبهم من الحكم ، في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ، ولهذا قال عزّ وجلّ : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } ؟ قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة ، ثم قال تعالى : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } يعني المطر { وَمَا تُوعَدُونَ } يعني الجنة ، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد ، وقوله تعالى : { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } ، يقسم تعالى بنفسه الكريمة : أن ما وعدهم به من أمر القيامة ، والبعث والجزاء كائن لا محالة ، وهو حق لا مرية فيه ، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون ، وكان معاذ رضي الله عنه إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه إن هذا لحقٌ كما أنك هٰهنا . وعن الحسن البصري قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قاتل الله أقواماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا " .