Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 123-124)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : وكما جعلنا في قريتك يا محمد أكابر من المجرمين ، ورؤساء ودعاة إلى الكفر والصد عن سبيل الله وإلى مخالفتك وعداوتك ، كذلك كانت الرسل من قبلك يبتلون بذلك ثم تكون لهم العاقبة ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ الفرقان : 31 ] الآية ، وقوله تعالى : { أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } ، قال ابن عباس : سلطنا شرارهم فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب . وقال مجاهد وقتادة : { أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا } عظماؤها ، قلت : وهكذا قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ سبأ : 34 ] ، وقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] والمراد بالمكر هٰهنا دعاؤهم إلى الضلالة بزخرف من المقال والفعال ، كقوله تعالى إخباراً عن قوم نوح : { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } [ نوح : 22 ] ، وقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [ سبأ : 31 ] ، قال سفيان : كل مكر في القرآن فهو عمل ، وقوله تعالى : { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } أي وما يعود وبال مكرهم وإضلالهم إلاّ على أنفسهم ، كما قال تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] ، وقال : { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [ النحل : 25 ] . وقوله تعالى : { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } أي إذا جاءتهم آية وبرهان وحجة قاطعة { قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } أي حتى تأتينا الملائكة من الله بالرسالة كما تأتي إلى الرسل ، كقوله جلَّ وعلا : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] الآية . وقوله تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } أي هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه ، كقوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 31 - 32 ] الآية ، يعنون لو نزل هذا القرآن على رجل عظيم كبير جليل مبجل في أعينهم { مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ } أي من مكة والطائف ، وذلك أنهم قبحهم الله كانوا يزدرون بالرسول صلوات الله وسلامه عليه بغياً وحسداً ، وعناداً واستكباراً ، كقوله تعالى مخبراً عنه : { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } [ الأنبياء : 36 ] ، وقال تعالى : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } [ الفرقان : 41 ] ، وقال تعالى : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الأنبياء : 41 ] ، هذا وهم معترفون بفضله وشرفه ونسبه ، وطهارة بيته ومرباه ، ومنشئه صلى الله وملائكته والمؤمنون عليه ، حتى إنهم كانوا يسمونه بينهم قبل أن يوحى إليه " الأمين " ، وقد اعترف بذلك رئيس الكفار ( أبو سفيان ) حين سأله هرقل ملك الروم : وكيف نسبه فيكم ؟ قال : هو فينا ذو نسب ، قال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا . . الحديث بطوله الذي استدل ملك الروم بطهارة صفاته عليه السلام على صدق نبوته وصحة ما جاء به ، وقال الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " ، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه " وقال الإمام أحمد قال العباس : " بلغه صلى الله عليه وسلم بعض ما يقول الناس فصعد المنبر فقال : " من أنا ؟ " قالوا أنت رسول الله ، فقال : " أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً " صدق صلوات الله وسلامه عليه . وفي الحديث أيضاً المروي عن عائشة رضي الله عنها قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبريل قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد ، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم " ، وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه ، فبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه ، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء . وأبصر رجل ابن عباس وهو داخل من باب المسجد ، فلما نظر إليه راعه فقال : من هذا ؟ قالوا : ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } . وقوله تعالى : { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ } الآية ، هذا وعيد شديد من الله وتهديد أكيد لمن تكبر عن اتباع رسله والانقياد لهم فيما جاءوا به ، فإنه سيصيبه يوم القيامة بين يدي الله { صَغَارٌ } وهو الذلة الدائمة كما أنهم استكبروا فأعقبهم ذلك ذلاً يوم القيامة لما استكبروا في الدنيا ، كقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] أي صاغرين ذليلين حقيرين . وقوله تعالى : { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } لما كان المكر غالباً إنما يكون خفياً وهو التلطف في التحيل والخديعة قوبلوا بالعذاب الشديد من الله يوم القيامة جزاء وفاقاً { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [ الطارق : 9 ] أي تظهر المستترات والمكنونات والضمائر ، وجاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان " ، والحكمة في هذا أنه لما كان الغدر خفياً لا يطلع عليه الناس فيوم القيامة يصير علماً منشوراً على صاحبه بما فعل .