Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 2-3)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : فإذا بلغت المعتدات أجلهن ، أي شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك ، ولكن لم تفرغ العدة بالكلية ، فحينئذٍ إما أن يعزم الزوج على إمساكها ، وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده { بِمَعْرُوفٍ } أي محسناً إليها في صحبتها ، وإما أن يعزم على مفارقتها { بِمَعْرُوفٍ } أي من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف ، بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن ، وقوله تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } أي على الرجعة إذا عزمتم عليها ، كما روي عن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ، ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها ، فقال : طلّقت لغير سنة ، ورجعت لغير سنة ، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد ، وقال ابن جريج : كان عطاء يقول : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } قال : لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل ، كما قال الله عزّ وجلّ إلا أن يكون من عذر ، وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة ، إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر ، ومن يخاف عقاب الله في الدار الآخرة ، وقوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي ومن يتق الله فيما أمره به ، وترك ما نهاه عنه ، يجعل له من أمره مخرجاً { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي من جهة لا تخطر بباله . عن عبد الله بن مسعود قال : إن أجمع آية في القرآن : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ } [ النحل : 90 ] ، وإن أكبر آية في القرآن فرجاً : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } . وفي المسند ، عن عبد الله بن عباس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب " وقال ابن عباس : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } يقول : ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة ، { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } ، وقال الربيع من خيثم : { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } أي من كل شيء ضاق على الناس ، { مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي من حيث لا يدري ، وقال قتادة { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } أي من شبهات الأمور والكرب عند الموت ، { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } من حيث يرجو ولا يأمل ، وقال السدي : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } يطلق للسنة ، ويراجع للسنة ، وزعم " أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عوف بن مالك الأشجعي ، كان له ابن وأن المشركين أسروه فكان فيهم ، وكان أبوه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ، ويقول له : " إن الله سيجعل لك فرجاً " ، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً أن انفلت ابنه من أيدي العدوّ ، فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها ، فجاء بها إلى أبيه وجاء معه بغنم قد أصابه من المغنم " ، فنزلت فيه هذه الآية : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } . وروى الإمام أحمد ، عن ثوبان قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " وعن عمران بن حصين قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها " . وقوله تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } روى الإمام أحمد ، عن ابن عباس : " أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام إني معلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " " وقال الإمام أحمد ، عن ابن مسعود ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نزل به حاجة فأنزلها بالناس كان قمناً أن لا تسهل حاجته ، ومن أنزلها بالله تعالى أتاه الله برزق عاجل أو بموت آجل " وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } أي منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } كقوله تعالى : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [ الرعد : 8 ] .