Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 11-30)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى متوعداً لهذا الخبيث ، الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا ، فكفر بأنعم الله وبدلها كفراً ، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها ، وقد عدّد الله عليه نعمه حيث قال تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } أي خرج من بطن أمه وحده لا مال له ولا ولد ، ثم رزقه الله تعالى : { مَالاً مَّمْدُوداً } أي واسعاً كثيراً ، قيل : ألف دينار ، وقيل : مائة ألف دينار ، وقيل أرضاً يستغلها ، وقيل غير ذلك ، وجعل له { وَبَنِينَ شُهُوداً } قال مجاهد : لا يغيبون ، أي حضوراً عنده لا يسافرون ، وهم قعود عند أبيهم يتمتع بهم ويتملى بهم ، وكانوا فيما ذكره السدي ثلاثة عشر ، وقال ابن عباس ومجاهد : كانوا عشرة ، وهذا أبلغ في النعمة ، وهو إقامتهم عنده ، { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أي مكنته من صنوف المال والأثاث وغير ذلك ، { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } أي معانداً وهو الكفر على نعمه بعد العلم . قال الله تعالى : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } . روى ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وسلم { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } قال : " هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده ، فإذا وضع يده ذابت ، وإذا رفعها عادت " ، وقال ابن عباس { صَعُوداً } صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه ، وقال السدي : { صَعُوداً } : صخرة ملساء في جهنم يكلف أن يصعدها ، وقال مجاهد : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } أي مشقة من العذاب ، وقال قتادة : عذاباً لا راحة فيه ، واختاره ابن جرير ، وقوله تعالى : { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } أي إنما أرهقناه صعوداً لبعده عن الإيمان لأنه فكّر { وَقَدَّرَ } أي تروّى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن ففكّر ماذا يختلق من المقال { وَقَدَّرَ } أي تروّى { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } دعاء عليه { ثُمَّ نَظَرَ } أي أعاد النظرة والتروي { ثُمَّ عَبَسَ } أي قبض بين عينيه وقطّب { وَبَسَرَ } أي كلح وكره ، ومنه قول توبة بن حمير : @ وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبُسُورها @@ وقوله تعالى : { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } أي صرف عن الحق ، ورجع القهقرى مستكبراً عن الانقياد للقرآن { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } أي هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله ويحكيه عنهم ، ولهذا قال : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } أي ليس بكلام الله ، وهذا المذكور في هذا السياق هو ( الوليد بن المغيرة ) المخزومي ، أحد رؤساء قريش لعنه الله ، قال ابن عباس : " دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر " ، فسأله عن القرآن ، فلما أخبره خرج على قريش فقال : يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة فوالله ما هو بشعر ، ولا بسحر ، ولا بهذي من الجنون ، وإن قوله لمن كلام الله ، فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا ، وقالوا : والله لئن صبا الوليد لتصبو قريش ، فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال : أنا والله أكفيكم شأنه ، فانطلق حتى دخل عليه بيته ، فقال الوليد : ألم تر إلى قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ فقال : ألست أكثرهم مالاً وولداً ؟ فقال له أبو جهل : يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه ، فقال الوليد : أقد تحدث به عشيرتي ؟ فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ولا عمر ولا ابن أبي كبشة ، وما قوله إلا سحر يؤثر ، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } إلى قوله : { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } وقال قتادة : زعموا أنه قال : والله لقد نظرت فيما قال الرجل ، فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو وما يعلى عليه وما أشك أنه سحر فأنزل الله : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } الآية ، { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } قبض ما بين عينيه وكلح ، وروى ابن جرير عن عكرمة : " أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام ، فأتاه فقال : أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً . قال : لم ؟ قال : يعطونكه ، فإنك أتيت محمداً تعرض لما قبله ، قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالاً ، قال : فقل فيه قولاً يعلم قومك أنك منكر لما قال ، وأنك كاره له . قال : فماذا أقول فيه ؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا ، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة . وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو وما يعلى قال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أتفكر فيه ، فلما فكر قال : إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره ، فنزلت : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } حتى بلغ { تِسْعَةَ عَشَرَ } " وقد زعم السدي أنهم لما اجتمعوا في دار الندوة ليجمعوا رأيهم على قول يقولونه فيه قبل أن يقدم عليهم وفود العرب للحج ليصدوهم عنه ، فقال قائلون : شاعر . وقال آخرون : ساحر ، وقال آخرون : كاهن ، وقال آخرون : مجنون ، كما قال تعالى : { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 48 ، الفرقان : 9 ] ، كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه ، ففكر وقدر ، ونظر عبس وبسر ، فقال : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } قال الله تعالى : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } أي سأغمره فيها من جميع جهاته ، ثم قال تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } ؟ وهذا تهويل لأمرها وتفخيم ، ثم فسر ذلك بقوله تعالى : { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } أي تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم . ثم تبدل غير ذلك وهم في ذلك لا يموتون ولا يحيون . وقوله تعالى : { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } قال مجاهد : أي للجلد ، وقال أبو رزين : تلفح الجلد لفحة فتدعه أسود من الليل ، وقال ابن عباس : تحرق بشرة الإنسان ، وقوله تعالى : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } أي من مقدمي الزبانية ، عظيم خلقهم ، غليظ خلقهم ، روى ابن أبي حاتم ، عن البراء في قوله تعالى : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قال : " إن رهطاً من اليهود سألوا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم ، فقال : الله ورسوله أعلم ، فجاء رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى عليه ساعتئذٍ { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فأخبر أصحابه " وروى الحافظ البزار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، غلب أصحابك اليوم ، فقال : " بأي شيء " ؟ قال : سألتهم يهود : هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار ؟ قالوا : لا نعلم حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفغلب قوم يسألون عما لا يعلمون فقالوا : لا نعلم ، حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ عليَّ بأعداء الله ، لكنهم قد سألوا نبيهم أن يريهم الله جهرة " ، فأرسل إليهم فدعاهم ، قالوا : يا أبا القاسم كم عدة خزنة أهل النار ؟ قال : " هكذا " وطبّق كفيه ، ثم طبق كفيه مرتين وعقد واحدة ، وقال لأصحابه : " إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدرمك " فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل النار ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تربة الجنة " فنظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : خبزة يا أبا القاسم ، فقال : " الخبز من الدرمك " " .