Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 31-33)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن كفار قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم ، ودعواهم الباطل عند سماع آياته ، إذا تتلى عليهم أنهم يقولون : { قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } وهذا منهم قول بلا فعل ، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً ، وقد قيل : إن القائل لذلك هو ( النضر بن الحارث ) ، فإنه لعنه الله كان قد ذهب إلى بلاد فارس ، وتعلم من أخبار ملوكهم رستم وأسفنديار ، ولما قدم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله ، وهو يتلو على الناس القرآن ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا قام من مجلس ، جلس فيه النضر فحدثهم من أخبار أولئك ، ثم يقول : بالله أينا أحسن قصصاً أنا أو محمد ؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب رقبته صبراً بين يديه ، ففعل ذلك ولله الحمد ، وكان الذي أسره ( المقداد بن الأسود ) رضي الله عنه كما قال ابن جرير . ومعنى { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } جمع أسطورة : أي كتبهم ، اقتبسها فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس ، وهذا هو الكذب البحت ، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى : { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] إلى { إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان : 6 ] أي لمن تاب إليه وأناب فإنه يتقبل منه ويصفح عنه . وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم وعتوهم ، وهذا مما عيبوا به ، وكان الأولى لهم أن يقولوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه ، ولكن استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب وتقديم العقوبة ، كقوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [ العنكبوت : 53 ] ، { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ ص : 16 ] ، وقوله : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] ، وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة كما قال قوم شعيب له : { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 187 ] . عن أنس بن مالك قال أبو جهل ابن هشام : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، فنزلت : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وقال الأعمش عن ابن عباس في قوله { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ } الآية ، قال : هو النضر بن الحارث بن كلدة قال : فأنزل الله : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } [ المعارج : 1 - 2 ] . وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، قال ابن عباس : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك ، ويقولون : غفرانك غفرانك ، فأنزل الله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } الآية . قال ابن عباس : كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار ، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار . وعن ابن عباس : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } يقول ما كان الله ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ، ثم قال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يقول : وفيهم ممن قد سبق له من الله الدخول في الإيمان ، وهو الاستغفار ، يستغفرون يعني يصلون ، يعني بهذا أهل مكة ، وقال الضحاك : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يعني المؤمنين الذين كانوا بمكة . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنزل الله عليّ أمانين لأمتي : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة " ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " .