Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 34-35)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم ، ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ، ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر فقتل صناديدهم ، وأسر سراتهم ، وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد ، قال قتادة والسدي : لم يكن القوم يستغفرون ولو كانوا يستغفرون ما عذبوا . قال ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا ، قال في الأنفال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] فنسختها الآية التي تليها { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } إلى قوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } فقاتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والضر ، وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] ، ثم استثنى أهل الشرك فقال : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ، وقوله : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي وكيف لا يعذبهم وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي بمكة ، يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة فيه والطواف به ، ولهذا قال : { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كما قال تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } [ التوبة : 17 - 18 ] ، وقال تعالى : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 217 ] الآية . وقال الحافظ ابن مردويه في تفسير هذه الآية عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولياؤك ؟ قال : " كل تقي " ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } " وقال الحاكم في مستدركه . جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فقال : " " هل فيكم من غيركم " فقالوا : فينا ابن أختنا وفينا حليفنا وفينا مولانا ، فقال : " حليفنا منا وابن أختنا منا ومولانا إن أوليائي منكم المتقون " " . وقال عروة والسدي في قوله تعالى : { أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } قال : هم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، وقال مجاهد : هم المجاهدون من كانوا حيث كانوا ، ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام وما كانوا يعاملونه به ، فقال : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } المكاء هو الصفير ، وزاد مجاهد : وكانوا يدخلون أصابعهم في أفواههم . وقال السدي : المكاء الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء ويكون بأرض الحجاز . عن ابن عباس قال : كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق ، والمكاء الصفير ، والتصدية التصفيق . وقال ابن جرير عن ابن عمر في قوله : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } قال : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق ، وعن ابن عمر أيضاً أنه قال : إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفقون ويصفرون ، ويصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته ، وقال الزهري : يستهزئون بالمؤمنين . وعن سعيد بن جبير { وَتَصْدِيَةً } قال : صدهم الناس عن سبيل الله عزَّ وجلَّ ، قوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } قال الضحّاك وابن جريج ومحمد بن إسحاق هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والسبي ، واختاره ابن جرير عن مجاهد قال : عذاب أهل الإقرار بالسيف ، وعذاب أهل التكذيب بالصيحة والزلزلة .