Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 36-37)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال محمد بن إسحاق : لما أصيب قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيره ، مشى ( عبد الله بن أبي ربيعة ) و ( عكرمة بن أبي جهل ) و ( صفوان بن أمية ) في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا ، ففعلوا ، قال : ففيهم أنزل الله عزَّ وجلَّ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } إلى قوله { هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . وقال الضحاك : نزلت في أهل بدر ، وعلى كل تقدير فهي عامة ، وإن كان سبب نزولها خاصاً ، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع الحق ، فسيفعلون ذلك ، ثم تذهب أموالهم ، ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة ، حيث لم تجد شيئاً لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق ، والله متم نوره ولو كره الكافرون ، فهذا الخزي لهم في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب النار ، فمن عاش منهم رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوؤه ، ومن قتل منهم أو مات فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي ، ولهذا قال : { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } ، وقوله تعالى : { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } قال ابن عباس : يميز أهل السعادة من أهل الشقاء ، وقال السدي : يميز المؤمن من الكافر ؛ وهذا يحتمل أن يكون هذا التميز في الآخرة ، كقوله : { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [ يونس : 28 ] الآية ، وقوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، وقال في الآية الأخرى : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] ، وقال تعالى : { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [ يس : 59 ] ، ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين ، أي : إنما أقدرناهم على ذلك { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } أي من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين ، أو يعصيه بالنكول عن ذلك ، كقوله : { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } [ آل عمران : 166 - 167 ] الآية ، وقال تعالى : { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } [ آل عمران : 179 ] الآية ، فمعنى الآية على هذا إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ } أي يجمعه كله ، وهو جمع الشيء بعضه على بعض كما قال تعالى في السحاب { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } [ النور : 43 ] أي متراكماً متراكباً ، { فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أي هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة .