Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 38-40)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ } أي عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة يغفر لهم ما قد سلف : أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم ، كما جاء في " الصحيح " : " من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالاول والآخر " وفي الصحيح أيضاً ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الإسلام يجبُّ ما قبله والتوبة تجبُّ ما كان قبلها " وقوله : { وَإِنْ يَعُودُواْ } أي يستمروا على ما هم فيه ، { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } : أي فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة ، قال مجاهد في قوله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } أي في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم ، وقوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } ، قال البخاري عن ابن عمر : أن رجلاً جاء فقال : يا أبا عبد الرحمٰن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [ الحجرات : 9 ] الآية ، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه ؟ فقال : يا ابن أخي أعيَّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليّ من أن أعيّر بالآية التي يقول الله ، قال عزَّ وجلَّ : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] إلى آخر الآية . قال فإن الله تعالى يقول : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ، قال ابن عمر : قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً ، وكان الرجل يفتن في دينه ، إما أن يقتلوه وإما أن يوثقوه ، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة ، فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد ، قال : فما قولكم في علي وعثمان ؟ قال ابن عمر : أما عثمان فكان الله قد عفا عنه وكرهتم أن يعفو الله عنه ، وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده ، وهذه ابنته أو بنته حيث ترون . وأتى رجلان في فتنة ابن الزبير إلى ابن عمر فقالا : إن الناس قد صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ قال : يمنعني الله أن حرم عليَّ دم المسلم ، قالوا : أولم يقل الله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } قال : قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ، ويكون الدين لغير الله . وقال الضحاك عن ابن عباس : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } يعني لا يكون شرك . وقال عروة بن الزبير : { حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } حتى لا يفتن مسلم عن دينه ، وقوله : { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } ، وقال الضحاك عن ابن عباس : يخلص التوحيد لله ؛ وقال الحسن وقتادة : أن يقال لا إله إلا الله ، أن يكون التوحيد خالصاً لله فليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد ، وقال عبد الرحمٰن بن أسلم : { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } لا يكون مع دينكم كفر ، ويشهد لهذا ما ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عزَّ وجلَّ " وقوله : { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه ، وإن لم تعلموا بواطنهم { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ، كقوله : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] الآية . وفي الآية الأخرى : { فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } [ التوبة : 11 ] ، وقال : { فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 193 ] . وفي الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف ، فقال لا إله إلا الله فضربه فقتله ، فذكر ذلك لرسول الله صلى عليه وسلم ، فقال لأسامة : " أقتلته بعدما قال لا إلا إلا الله ؟ وكيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة " ؟ فقال : يا رسول الله إنما قالها تعوذاً ، قال : " هلا شققت عن قلبه " ، وجعل يقول ويكرر عليه : " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة " ؟ قال أسامة : حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ " ، وقوله : { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ } سيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى ونعم النصير .