Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 47-49)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله وكثرة ذكره ، ناهياً لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم بطراً ، أي دفعاً للحق ، { وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } وهو المفاخرة والتكبر عليهم ، كما قال أبو جهل : لا والله ، لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزر ، ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان ، فانعكس ذلك عليه أجمع . لأنهم وردوا به الحمام ، وركموا في أطواء بدر مهانين أذلاء . في عذاب سرمدي أبدي ، ولهذا قال : { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } أي عالم بما جاءوا به ، ولهذا جازاهم عليه شر الجزاء لهم : قال ابن عباس ومجاهد : هم المشركون الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقال محمد بن كعب ، لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل الله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } ، وقوله تعالى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } الآية ؛ حسَّن لهم لعنه الله ما جاءوا له وما هموا به ، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم ، كما قال تعالى عنه : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [ النساء : 120 ] ، قال ابن عباس في هذه الآية : لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين أن أحداً لن يغلبكم ، وإني جار لكم ، فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } قال : رجع مدبراً ، وقال : { إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } الآية . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جندٍ من الشياطين معه رايته ، في صورة رجل من بني مدلج في صورة ( سراقة بن مالك بن جعشم ) فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ، فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين ، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس ، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين ، انتزع يده ثم ولى مدبراً وشيعته ، فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال : إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ، وذلك حين رأى الملائكة ، وقال قتادة : وذكر لنا أنه رأى جبريل عليه السلام تنزل معه الملائكة ، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة فقال : إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ، وكذب عدو الله ، والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة ، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم وتبرأ منهم عند ذلك . قال تعالى : { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الحشر : 16 ] ، وقوله تعالى : { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } [ إبراهيم : 22 ] الآية . وقوله تعالى : { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ } ، وقال ابن عباس : لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين ، وقلل المشركين في أعين المسلمين ، فقال المشركون : غرَّ هؤلاء دينهم ، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم ، فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك ، فقال الله : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، قال قتادة : وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال : والله لا يعبد الله بعد اليوم قسوة وعتواً ، وقال ابن جريج : هم قوم كانوا من المنافقين بمكة قالوه يوم بدر ، وقال الشعبي : كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالإسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : غرَّ هؤلاء دينهم ، وقال مجاهد : هم فئة من قريش خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : غرَّ هؤلاء دينهم ، حتى قدموا على ما قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم . وهكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار سواء . وقال ابن جرير عن الحسن في هذه الآية قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين ، وقوله : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي يعتمد على جنابه { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } أي لا يضام من التجأ إليه ، فإن الله عزيز منيع الجناب عظيم السلطان { حَكِيمٌ } في أفعاله لا يضعها إلا في مواضعها ، فينصر من يستحق النصر ، ويخذل من هو أهل لذلك .