Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 34-35)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال السدي : الأحبار من اليهود ، والرهبان من النصارى ، وهو كما قال : فإن الأحبار هم علماء اليهود كما قال تعالى : { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } [ المائدة : 63 ] والرهبان : عباد النصارى ، والقسيسون : علماؤهم ، كما قال تعالى : { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً } [ المائدة : 82 ] والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال ، قال سفيان بن عيينة : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبّادنا كان فيه شبه من النصارى ، وفي الحديث الصحيح : " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة " قالو : اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن " ؟ ، وفي رواية فارس والروم ؟ قال : " فمن الناس إلا هؤلاء " ؟ . والحاصل التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم ، ولهذا قال تعالى : { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ، ومناصبهم ورياستهم في الناس يأكلون أموالهم بذلك ، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية خراج وهدايا وضرائب تجيء إليهم ، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعاً منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات ، فأطفاها الله بنور النبوة وسلبهم إياها ، وعوضهم الذل والصغار ، وباؤوا بغضب من الله تعالى . وقوله تعالى : { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي وهم مع أكلهم الحرام ، يصدون الناس عن اتباع الحق ، ويلبسون الحق بالباطل ، ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير وليسوا كما يزعمون ، بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، وقوله : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية ، هؤلاء هم القسم الثالث من رؤوس الناس ، فإن الناس عالة على العلماء وعلى العبّاد ، وعلى أرباب الأموال ، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس كما قال ابن المبارك : @ وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها @@ وأما الكنز ، فقال ابن عمر : هو المال الذي لا تؤدي زكاته ، وعنه قال : ما أُودي زكاته فليس بكنز ، وإن كان تحت سبع أرضين ، وما كان ظاهراً لا تؤدي زكاته فهو كنز ، وقال عمر بن الخطاب : أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأرض ، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض . وروى البخاري عن خالد بن أسلم قال خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال : هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت جعلها الله طهرة للأموال ، وكذا قال عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك نسخها قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [ التوبة : 103 ] الآية . قال الإمام أحمد عن ثوبان قال : لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قالوا : فأي المال نتخذ ؟ قال عمر : فأنا أعلم لكم ذلك ، فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره ، فقال : " يا رسول الله أي المال نتخذ ؟ قال : " قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة تعين أحدكم على أمر الآخرة " ( حديث آخر ) : روي ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : " لما نزلت هذه الآية : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ } الآية ، كبر ذلك على المسلمين وقالوا : ما يستطيع أحد منا يدع لولده مالاً يبقى بعده ، فقال عمر : أنا أفرّج عنكم ، فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم ، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم " ، قال فكبر عمر ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته " " . وقوله تعالى : { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } أي يقال لهم هذا الكلام تبكيتاً وتقريعاً وتهكماً ، كما في قوله تعالى : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] أي هذا بذاك وهذا الذي كنتم تكنزون لأنفسكم ، ولهذا يقال من أحب شيئاً وقدمه على طاعة الله عُذّب به ، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذبوا بها ، وكانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة ، فيحمى عليها في نار جهنم ، وناهيك بحرها ، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، قال عبد الله بن مسعود : والذي لا إله غيره لا يكون عبد يكنز فيمس دينار ديناراً ولا درهم درهماً ، ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته ؛ وقال طاووس : بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعاً يتبع صاحبه وهو يفر منه ويقول : أنا كنزك لا يدرك منه شيئاً إلا أخذه . وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار ، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله ، إما إلى الجنة وإما إلى النار " .