Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 224-227)
Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ 15 ] النهي عن كثرة الحلف التحليل اللفظي { عُرْضَةً } : بضم العين أي مانعاً ، وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو ( عُرْضة ) ولهذا يقال للسحاب : عارضٌ ، لأنه يمنع رؤية السماء والشمس ، واعترض فلانٌ فلاناً أي منعه من فعل ما يريد . والمعنى : لا تجعلوا الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر والتقوى ، إذا دعي أحدكم لبرٍ أو إصلاح يقول : قد حلفت أن لا أفعله فيتعلّل باليمين . قال الرازي : المراد النهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به ، لأن من أكثر من ذكر شيء فقد جعله عُرْضة له ، يقول الرجل : قد جعلتني عُرْضة للومك ، وقال الشاعر : @ فلا تجعلني عُرْضة للَّوائم @@ قال الجصاص : المعنى لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شيء حقاً كان أو باطلاً ، فالله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى ، وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح . { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ } : قال الراغب : اللغو في الكلام ما لا يُعتد به ، وهو الذي يُورد لا عن روية وفكر ، فيجري مجرى ( الّلغا ) وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ، وأنشد أبو عبيدة : @ عن الّلغا ورفث التكلم @@ قال الإمام الفخر : " اللغو : الساقط الذي لا يعتد به ، سواء كان كلاماً أو غيره ، ولغو الطائر : تصويته ، ويقال لما لا يعتد به من أولاد الإبل : لغو " . { يُؤْلُونَ } : أي يحلفون ، والمصدر ( إيلاء ) والاسم منه ( أليّة ) والأليّة ، والقسم واليمين ، والحلف ، كلها عبارات عن معنى واحد ، قال الشاعر : @ فآليتُ لا أنفكّ أحْدو قصيدةً تكون وإيّاها بها مثلاً بعدي @@ هذا هو المعنى اللغوي ، وأما في عرف الشرع فهو اليمين على ترك وطء الزوجة . { تَرَبُّصُ } : التربص في اللغة الانتظار ومنه قوله تعالى : { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [ الطور : 31 ] أي انتظروا فأنا من المنتظرين معكم قال الشاعر : @ تربّصْ بها ريب المنون لعلّها تُطلّقُ يوماً أو يموت حليلها @@ وإضافة التربص إلى الأشهر من إضافة المصدر إلى الظرف . { فَآءُو } : أي رجعوا ومنه قوله تعالى : { حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ } [ الحجرات : 9 ] أي ترجع ، ومنه قيل للظل بعد الزوال ( فيء ) لأنه رجع بعد أن تقلص . قال الفراء : العرب تقول : فلان سريع الفيء والفيئة أي سريع الرجوع عن الغضب إلى الحالة المتقدمة . قال الشاعر : @ ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضياً @@ ومعنى الآية : فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك معاشرة نسائهم فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم . المعنى الإجمالي لا تجعلوا - أيها المؤمنون - الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير ، فإذا سئل أحدكم عن أمرٍ فيه برٌّ ، وخير ، وإصلاح ، قال : قد حلفت بالله ألاّ أفعله ، وأريد أن أبرّ بيميني ، فلا تتعللوا باليمين بل افعلوا الخير وكفّروا عن أيمانكم ، ولا تكثروا الحلف فتجعلوا الله هدفاً لأيمانكم تبتذلون اسمه المعظم في أمور دنياكم ، فإن الحلاّف مجترئ على ربه فلا يكون براً ولا تقياً . لا يؤاخذكم الله بما يجري على ألسنتكم من ذكر اسم الله من غير قصد الحلف ، ولكن يؤاخذكم بما قصدتم إليه وعقدتم القلب عليه من الأيمان ، والله واسع المغفرة ، حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة . للذين يحلفون منكم على اعتزال نسائهم ، ويقسمون على ألاّ يقربوهن للإضرار بهن ، على نسوة هؤلاء الحالفين انتظار مدة أقصاها أربعة أشهر ، فإن رجعوا إلى عشرة أزواجهن بالمعروف كما أمر الله ، فالله يغفر لهم ما صدر منهم من إساءة ، وإن صمّموا على الإيلاء من الأزواج ، فقد وقعت الفرقة والطلاق بمضي تلك المدة ، والله سميع لأقوالكم ، عليم بنواياكم وأعمالكم . سبب النزول روي أنها نزلت في ( عبد الله بن رواحة ) كان بينه وبين ختنه ( بشير بن النعمان ) شيء فحلف عبد الله لا يدخل عليه ، ولا يكلمه ، ولا يصلح بينه وبين خصم له ، فكان إذا قيل له فيه يقول : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، فلا يحل لي أن لا أبر بيميني ، فأنزل الله { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : ذمّ الله تعالى من أكثر الحلف بقوله : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [ القلم : 10 ] وكان العرب يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف كما قال كثير : @ قليلُ الألايا حافظٌ ليمينه وإن سبقتْ منه الأليّةُ برّت @@ قال الإمام الفخر : " والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان ، أنّ من حلف في كل قليل وكثير بالله ، انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع ، فلا يُؤمنُ إقدامه على اليمين الكاذبة ، ومن كمال التعظيم لله أن يكون ذكر الله أجل وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية " . اللطيفة الثانية : ذكر الله العلة في هذا النهي بقوله : { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ } أي إرادة أن تبروا وتتقوا ، فإن قيل : كيف يلزم من ترك الحلف حصول البر والتقوى ؟ فالجواب : أن من ترك الحلف لاعتقاده أن الله تعالى أجل وأعظم من أن يستشهد باسمه العظيم في مطالب الدنيا ، والخسائس من أمور الحياة ، فلا شك أن هذا من أعظم أبواب البر والتقوى . اللطيفة الثالثة : قال الإمام الجصاص : " قد ذكر الله تعالى اللغو في مواضع من كتابه العزيز ، فكان المراد به معاني مختلفة على حسب الأحوال التي خرج عليها الكلام فقال تعالى : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [ الغاشية : 11 ] يعني كلمة فاحشة قبيحة وقال : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } [ الواقعة : 25 ] على هذا المعنى ، وقال : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [ القصص : 55 ] يعني الكفر والكلام القبيح ، وقال { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] يعني الكلام الذي لا يفيد شيئاً ، وقال : { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [ الفرقان : 72 ] يعني الباطل ، ويقال : لغا في كلامه يلغو إذا أتى بكلام لا فائدة فيه " . اللطيفة الرابعة : الحكمة في تحديد مدة الإيلاء بأربعة أشهر ، هي أن التأديب بالهجر ينبغي ألا يتجاوز هذه المدة ، فالمرأة ينفد صبرها عن غياب بعلها هذه المدة ، ولا تستطيع أن تصبر أكثر منها . روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد هذه الأبيات : @ تطاول هذه الليلُ واسودّ جانبُه وأرّقني ألاّ حبيب ألاعبُه فوا اللهِ لولا الله لا شيء غيرهُ لزُعْزع من هذا السرير جوانبُه مخافة ربي والحياءُ يكفّّني وإكرام بعلي أن تُنال مراكبُه @@ فلما كان من الغد سأل عن المرأة أين زوجها ؟ فقالوا يا أمير المؤمنين : بعثت به إلى العراق ، فاستدعى نساءً فسألهن عن المرأة كم تصبر عن زوجها ؟ فقلن شهراً ، وشهرين ، ويقلّ صبرها في ثلاثة أشهر ، وينفذ صبرها في أربعة أشهر ، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر ، فإذا مضت المدة استردّ الغازين ووجّه بقومٍ آخرين . قال القرطبي : " وهذا يقوّي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر والله أعلم " . اللطيفة الخامسة : روي أن الإيلاء في الجاهلية كان طلاقاً ، قال سعيد بن المسيب : " كان الرجل لا يريد المرأة ، ولا يحب أن يتزوجها غيره ، فيحلف ألا يقربها فكان يتركها لا أيّما ولا ذات بعل ، والغرض منه مضارة المرأة ، فأزال الله تعالى ذلك الظلم ، وأمهل الزوج مدة حتى يتروّى ويتأمل ، فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها ، وإن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها " . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما المراد باليمين اللغو ، وهل فيه كفارة ؟ دل قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } على أن اليمين اللغو لا إثم فيه ولا كفارة ، وقد اختلف الفقهاء في تعريف هذه اليمين على أقوال : أ - قال الشافعي وأحمد : اللغو في اليمين هو : ما يجري على اللسان من غير قصد الحلف ، كقول الرجل في كلامه : لا والله ، وبلى والله دون قصد لليمين ، وهذا التأويل منقول عن بعض السلف كعائشة ، والشعبي ، وعكرمة . ب - وقال أبو حنيفة ومالك : اللغو في اليمين هو : أن يحلف على شيء يظنه كما يعتقد فيكون بخلافه ، وهذا التأويل منقول عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد . قال مالك رحمه الله في " الموطأ " : " أحسنُ ما سمعت في هذه أنّ اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد الأمر بخلافه فلا كفارة فيه " . وفي البخاري : عن عائشة رضي الله عنها قالت : " نزل قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله " . والصحيح أن اللغو : يشمل النوعين وهو اختيار ابن جرير الطبري فقد قال رحمه الله : " واللغو في كلام العرب : كلّ كلام كان مذموماً ، وفعلٍ لا معنى له مهجوراً ، فإذا كان اللغو ما وصفتُ ، وكان الحالف بالله ما فعلت كذا وقد فعل ، ولقد فعلت كذا وما فعل ، على سبيل سبق لسانه ، والقائل : والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال ، أو والله ما هذا فلان وهو يراه ليس به ، والقائل : لا يفعل كذا والله على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام ، وسبوق اللسان ، على غير تعمد حلفٍ على باطل ، جميعهم حالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الإثم قلوبُهم ، كان معلوماً أنهم لغاةٌ في أيمانهم لا تلزمهم كفارة " . الحكم الثاني : ما هو الإيلاء ، وما هو حكمه ؟ تقدم معنا تعريف الإيلاء لغة ، وأمّا شرعاً : فهو أن يحلف الرجل على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر ، كأن يقول : والله لا أقربك ، أو لا أجامعك ، أو أمثال هذه الكلمات . قال ابن عباس : " كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة ، فوقّت الله لهم أربعة أشهر ، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي " . واتفق العلماء على أنه لو هجرها مدة تزيد على أربعة أشهر لا يكون مؤلياً حتى يحلف لقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } أي يحلفون ، وهجرانها ليس بيمين فلا يتعلق به وجوب الكفارة ، ولا تطلق منه زوجته بالهجر . واختلفوا في المدة التي تَبِيْنُ فيها المرأة من زوجها ، فقال ابن عباس : إذا مضت أربعة أشهر قبل أن يفئ بانت بتطليقة ، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله . وقال مالك والشافعي وأحمد : لا تطلق بمضي المدة وإنما يؤمر الزوج بالفيئة ( الرجوع عن يمينه ) أو بالطلاق ، فإذا امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه . حجة أبي حنيفة : أن الله تعالى حدّد المدة للفيء بأربعة أشهر ، فإذا لم يرجع عن يمينه في هذه المدة فكأنه أراد طلاقها وعزم عليه ، والعزيمة في الحقيقة إنما هي عقد القلب على الشيء تقول : عزمت على كذا أي عقدت قلبي على فعله فهذا هو المراد من قوله تعالى : { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَق } أي عقدوا عليه قلوبهم ، ولم تشترط الآية أن يطلق بالفعل . حجة الجمهور : أن قوله تعالى : { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَق } صريح في أنّ وقوع الطلاق إنما يكون بإيقاع الزوج ، فلا يكفي مضي المدة بل لا بدّ بعدها من الفيء أو الطلاق . قال الشوكاني في تفسيره " فتح القدير " : " واعلم أن أهل كل مذهب قد فسّروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم ، وتكلفوا بما لم يدّل عليه اللفظ ، ومعناها ظاهر واضح ، وهو أن الله جعل الأجل لمن يؤلي : أي يحلف من امرأته أربعة أشهر ، ثم قال مخبراً عباده بحكم هذا ( المؤلي ) بعد هذه المدة ( فإن فاءوا ) أي رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لا يؤخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَق } أي وقع العزم منهم عليه والقصد له { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لذلك منهم { عَلِيمٌ } به ، فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة " . الحكم الثالث : هل يشترط في اليمين أن تكون للإضرار ؟ قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد : يصح الإيلاء في حال الرضا والغضب . وقال مالك : لا يكون إيلاءً إلا إذا حلف عليها في حال غضب على وجه الإضرار . حجة مالك : ما روي عن ( علي كرّم الله وجهه ) أنه سئل عن رجلٍ حلف ألاّ يطأ امرأته حتى تفطم ولدها ، ولم يرد الإضرار بها وإنما قصد مصلحة الولد فقال له : إنما أردتَ الخير ، وإنما الإيلاء في الغضب . وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لا إيلاء إلاّ بغضب . حجة الجمهور : أن الآية عامة { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } فهي تشمل من حلف بقصد الإضرار ، أو حلف بقصد المصلحة لولده ، فالكل يشمله لفظ ( الإيلاء ) . قال الشعبي : كل يمين مَنعتْ جِماعاً حتى تمضي أربعة أشهر فهي إيلاء . وقد رجّح ابن جرير الطبري الرأي الأول ( رأي الجمهور ) فقال : والصواب قول من قال : " كل يمين مَنعتْ الجماع أكثر من المدة التي جعل الله للمؤلي التربص بها قائلاً في غضب كان ذلك أو رضى فهو إيلاء " . الحكم الرابع : ما المراد بالفيء في الآية الكريمة ؟ اختلف الفقهاء في الفيء الذي عناه الله تعالى بقوله : { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . فقال بعضهم : المراد بالفيء الجماع لا فيء غيره ، فإذا لم يغشها وانقضت المدة بانت منه ، وهو قول ( سعيد بن جبير ) و ( الشعبي ) . وقال آخرون : الفيء : الجماع لمن لا عذر له ، فإن كان مريضاً أو مسافراً أو مسجوناً فيكفي المراجعة باللسان أو القلب ، وهذا مذهب جمهور العلماء . وقال آخرون : الفيء : المراجعة باللسان على كل حال فيكفي أن يقول : قد فئت إليها وهو قول النخعي . وأعدل الأقوال القول الثاني : وهو قول جمهور الفقهاء والله أعلم . ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - عدم جواز الحلف على المنع من فعل البر والخير . 2 - من حلف على يمين ورأى الخير في خلافها فليفعل الخير وليكفّر . 3 - اليمين اللغو التي لا يقصد بها اليمين لا مؤاخذة عليها ولا كفارة فيها . 4 - الإيلاء من الزوجة بقصد الإضرار يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف . 5 - إذا لم يرجع الزوج عن يمينه في مدة أربعة شهور تطلق عليه زوجته . خاتمة البحث : حكمة التشريع أمرت الشريعة الغرّاء بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف ، وحرّمت إيذاءها والإضرار بها بشتى الصور والأشكال { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [ النساء : 19 ] . ولمّا كان الإيلاء من الزوجة ، وهجرها في المضاجع مدة طويلة من الزمن ، لا يقصد منه إلا الإساءة إلى الزوجة والإضرار بها ، بحيث تصبح المرأة معلقة ، ليست بذات زوج ولا مطلّقة ، وكان هذا مما يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف ولا يتفق مع تعاليم الإسلام الرشيدة ، لذلك فقد أمر الباري جل وعلا بإمهال هذا الزوج مدة من الزمن أقصاها أربعة شهور ، فإن عاد إلى رشده فكفّر عن يمينه ، وأحسن معاملة زوجته فعاشرها بالمعروف ، ودفع عنها الإساءة والظلم فهي زوجته ، وإلاّ فقد طلقت منه بذلك الإصرار ، وهذا من محاسن الشريعة الغراء ، حيث دفعت عن كاهل المرأة الظلم ودعت إلى البر بها والإحسان ، وجعلتها شريكة الرجل في الحياة السعيدة الكريمة .