Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 228-232)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 16 ] مشروعية الطلاق في الإسلام التحليل اللفظي { قُرُوۤءٍ } : جمع قُرء بالفتح والضم ، ويطلق في كلام العرب على ( الحيض ) وعلى ( الطهر ) فهو من الأضداد . قال في " القاموس " : " والقَرْءُ بالفتح ويُضم : الحيض ، والطهر والوقت ، وأقرأت حاضت وطهرت ، وجمع الطهر : قروء ، وجمع الحيض : أقراء " . وأصل القرء : الاجتماع وسمي الحيض قرءاً لاجتماع الدم في الرحم . قال الأخفش : " أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلت : قرأت " ومن مجيء القرء بمعنى ( الحيض ) قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : " دعي الصلاة أيام أقرائك " أي أيام حيضك ، وقول الشاعر : @ له قروء كقروء الحائض @@ ومن مجيئه بمعنى ( الطهر ) قول الأعشى : @ مورثة عزّاً وفي الحيّ رفعةً لما ضاع فيها من قروء نسائكا @@ { وَبُعُولَتُهُنَّ } : أي أزواجهن جمع بعل بمعنى الزوج قال تعالى : { وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [ هود : 72 ] والمرأة بعلة ويقال لها : بعل أيضاً أفاده صاحب " القاموس " . وأصل البعل : السيّد المالك ، يقال : من بعل هذه الناقة ؟ أي من ربها ؟ ومن سيّدها ؟ والمعنى : أزواج المطلقات أحق برجعتهن في مدة التربص بالعدة . { دَرَجَةٌ } : الدرجة في اللغة المنزلة الرفيعة قال تعالى : { هُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 163 ] وسميت درجة تشبيها لها بالدرج الذي يرتقى به إلى السطح ، ويقال لقارعة الطريق مدرجة لأنها تطوي منزلاً بعد منزل ، وأصل ( درج ) بمعنى طوى يقال : درج القوم أي طَووا عمرهم وفنوا وفي الأمثال ( هو أكذب من دبّ ودرج ) أي أكذب الأحياء والأموات . { عَزِيزٌ حَكِيمٌ } : أي منيع السلطان غالبٌ لا يُغلَب ، حكيم في أحكامه وأفعاله . { ٱلطَّلَٰقُ } : الطلاق حلّ عقدة النكاح ، وأصله الانطلاق والتخلية ، يقال : ناقة طالق أي مهملة قد تركت في المرعى بلا قيد ولا راعي ، فسميت المرأة المخلّى سبيلها طالقاً لهذا المعنى . قال الراغب : أصل الطلاق التخليةُ من الوِثاق يقال : أطلقتُ البعير من عقاله وطلّقته إذا تركته بلا قيد ، ومنه استعير : طلّقتُ المرأة نحو خلّيتها فهي طالق أي مخلاّة عن حِبالَة النكاح ، وطلّقه المريض أي خلاه قال الشاعر : @ تطلّقه طوراً وطوراً تراجع @@ { تَسْرِيحٌ } : التسريح : إرسال الشيء ، ومنه تسريح الشعر ليخلص البعض من البعض ، وسرّح الماشية : أرسلها لترعى السرح وهو شجر له ثمر ، ثم جعل لكل إرسالٍ في الرعي . قال الراغب : " والتسريح في الطلاق مستعار من تسريح الإبل ، كالطلاق في كونه مستعاراً من إطلاق الإبل " . { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } : أي قاربن إنهاء العدة ، لأنه بعد انقضاء العدة لا سلطان للرجل عليها ، والعرب تقول : بلغ البلد إذا شارف الوصول إليها . قال الشوكاني : " البلوغ إلى الشيء : معناه الحقيقي الوصول إليه ، ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلاّ مجازاً لعلاقة مع القرينة كما هنا ، لأن المرأة إذا خرجت من العدة لم يبق للزوج عليها سبيل " . { ضِرَاراً } : أي بقصد الإضرار ، قال القفال : الضّرار هو المضارّة قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً } [ التوبة : 107 ] أي ليضارّوا المؤمنين ومعنى المضارة الرجوع إلى إثارة العداوة ، وإزالة الألفة . { تَعْضُلُوهُنَّ } : العضل : المنع والتضييق ، يقال : أعضل الأمر : إذا ضاقت عليك فيه الحيل ، وداء عُضال أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء ، وكل مشكلٍ عند العرب فهو معضل ، ومنه قول الشافعي رضي الله عنه : @ إذا المعضلاتُ تصدَّيْنني كشفت حقائقها بالنظر @@ قال الأزهري : " أصل العضل من قولهم : عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه ، وعضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج " . والمعنى : فلا تمنعوهن من الزواج بمن أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن . { زْكَىٰ لَكُمْ } : أي أنمى وأنفع يقال : زكا الزرع إذا نما بكثرة وبركة . { وَأَطْهَرُ } : من الطهارة وهي التنزه عن الدنس وعن الذنوب والمعاصي . المعنى الإجمالي يقول الله تعالى ما معناه : الأزواج المطلقات اللواتي طلقهن أزواجهن لسبب من الأسباب على هؤلاء انتظار مدة من الزمن هي مدة ( ثلاثة أطهار ) أو ( ثلاث حيَض ) لمعرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب ، وأزواجهن أحق بهنّ في الرجعة من الأجانب إذا لم تنقض عدتهن ، وكان الغرض من هذه الرجعة ( الإصلاح ) لا ( الإضرار ) ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن ، مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أمر الله عز وجل ، وللرجال عليهن درجة القوامة ، والإنفاق والإمرة والطاعة . ثم بين تعالى أن الطلاق الذي تجوز به الرجعة مرتان ، فإن طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تتزوج بعده بزوج آخر ، أما إذا لم يكن الطلاق ثلاثاً فله أن يراجعها إلى عصمة نكاحة ، فإما أن يمسكها بالمعروف فيحسن معاشرتها وصحبتها وإمّا أن يطلق سراحها لتتزوج بمن تشاء لعلّها تسعد بالزواج الثاني { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] . ولا يحل الله لكم أيها الرجال أن تأخذوا ممّا دفعتم إليهن من المهور شيئاً ، لأنكم قد استمتعتم بهن إلا إذا خفتم سوء العشرة بين الزوجين ، وأرادت الزوجة أن تختلع بالنزول عن مهرها أو بدفع شيء من المال لزوجها حتى يطلّقها فليس هناك جناح من أخذ الفداء . ثم بيّن تعالى أنه إذا طلّقها الثالثة بعد أن راجعها مرتين ، فلا تحلّ له إلاّ بالزواج بزوج آخر ، بعد أن يذوق عُسيلتها وتذوق عُسيلته ، فإن طلقها الزوج الثاني فلا بأس أن تعود إلى زوجها الأول إن كان ثمة دلائل تدل على الوفاق والتلاق . ثم أمر تعالى الرجال بالإحسان في معاملة الأزواج وعدم الإضرار بهن ، كما أمر الأولياء بألاّ يمنعوا المرأة من العودة إلى زوجها إذا رغبت في العودة ، لا سيما إذا صلحت الأحوال وظهرت أمارات الندم على الزوجين في استئناف الحياة الفاضلة ، والعيشة الكريمة . سبب النزول أولاً : روي أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد ، وكان يطلّق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق ، فإذا كادت تحل راجعها ، فعمد رجلٌ لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : لا آويك ولا أدعك تحلّين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضيُّ عدتك راجعتك ، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } الآية . ثانياً : وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان الرجل يطلّق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها ، يفعل بها ذلك يضارّها ويعضلها فأنزل الله تعالى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ … } الآية . ثالثاً : وأخرج البخاري والترمذي عن ( مَعْقل بن يسار ) رضي الله عنه أنه زوّج أخته رجلاً من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت ثم طلّقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخُطَّاب فقال له : يا لكع أكرمتك بها وزوّجتك فلطّقتها ! والله لا ترجع إليك أبداً قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ … } الآية فلما سمعها ( معقل ) قال : سمعاً لربي وطاعة ثم دعاه فقال : أزوّجك وأكرمك . وجوه القراءات 1 - قرأ الجمهور { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } بالهمزة وقرأ نافع ( ثلاثة قرُوّ ) بكسر الواو وشدها من غير همز ، وقرأ الحسن ( قَرْء ) بفتح القاف وسكون الراء . 2 - قرأ الجمهور { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } وقرأ حمزة ( إلا أن يُخافا ) بضم الياء مبنياً للمجهول ، وقرئ يظنّا . 3 - قرأ الجمهور { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا } بالياء أي يبينها الله ، وقرأ عاصم ( نبينها ) بالنون وهي نون التعظيم . وجوه الإعراب 1 - قوله تعالى : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } المطلقات مبتدأ والجملة الفعلية خبر ، و { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } منصوب على الظرفية ، والمفعول به محذوف أي يتربصن الزوج . 2 - قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ } أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل لـ ( يحل ) والتقدير : لا يحل لهن كتمان ، و ( ما ) اسم موصول بمعنى الذي مفعول لـ ( يكتمن ) . 3 - قوله تعالى : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } للرجال خبر مقدم و ( درجة ) مبتدأ مؤخر ، وجاز الابتداء بالنكرة لتقدم الجار والمجرور عليها . 4 - قوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } ضراراً مفعول لأجله أي من أجل الضرار ، وجوّز بعضهم أن يكون منصوباً على الحال أي ( مضارين ) و ( لتعتدوا ) متعلق بـ ( ضراراً ) . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : قوله تعالى : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } خبرٌ والمراد منه الأمر أي ( ليتربّصْن ) وفائدته التنبيه إلى أنه ممّا ينبغي أن يتلّقى بالقبول والمسارعة إلى الإتيان به . قال صاحب " الكشاف " : " التعبير عن الأمر بصيغة الخبر يفيد تأكيد الأمر ، إشعاراً بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ، فكأنهن امتثلن الأمر فهو يخبر عنه موجوداً ، ونظيره قولهم في الدعاء : رحمك الله ، أخرج في صورة الخبر ثقة بالإجابة ، كأنها وجدت الرحمة فهو يخبر عنها " . اللطيفة الثانية : قيّد الله التربص في هذه الآية بذكر الأنفس بقوله : { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } ولم يذكره في الآية السابقة { تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } [ البقرة : 226 ] فما هي الحكمة ؟ والجواب ؟ أنّ في ذكر الأنفس هنا تهييجاً لهنّ على التربص وزيادة بعث لهنّ على قمع نفوسهن عن هواها وحملها على الانتظار ، لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأراد الله تعالى أن يقمعن أنفسهن ، ويغالبن الهوى بامتثال أمر الله لهن بالتربص ، والمخاطب في الآية السابقة الرجال فلم يوجد ذلك الداعي إلى التقييد فتدبر ذلك السرّ الدقيق . اللطيفة الثالثة : قوله تعالى : { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } شرطٌ جوابه محذوف دلّ عليه ما سبق ، وليس الغرض منه التقييد بالإيمان حتى يخرج الكتابيات بل هو للتهييج وتهويل الأمر في نفوسهن ، وهذه طريقة متعارفة في الخطاب ، تقول : إن كنت مؤمناً فلا تؤذ أباك ، وإن كنت مسلماً فلا تغشّ الناس ، فهذه هي النكتة في التعبير . اللطيفة الرابعة : قوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ … } الآية أي أحق برجعتهن . قال الإمام الفخر : الحكمة في إثبات حق الرجعة أن الإنسان ما دام مع صاحبه لا يدري هل تشق عليه المفارقة أو لا ؟ فإذا فارقه فعند ذلك يظهر ، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعةً من الرجوع لعظمت المشقة على الإنسان ، إذ قد تظهر المحبة بعد المفارقة ، ثم لمّا كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة ، أثبت تعالى حق المراجعة بعد المفارقة مرتين ، وهذا التدريج والترتيب يدل على كمال رحمته تعالى ورأفته بعباده . اللطيفة الخامسة : قوله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } فيه إيجاز وإبداع ، لا يخفى على المتمكن من علوم البيان ، فقد حذف من الأول بقرينة الثاني ، ومن الثاني بقرينة الأول ، كأنه قيل : لهنّ على الرجال من الحقوق ، مثل الذي للرجال عليهن من الحقوق والواجبات ، وفيه من علم البديع ما يسمى بـ ( الطباق ) بين لفظَيْ ( لهنّ ) و ( عليهن ) وهو طباق بين حرفين ، وقد وضّح عليه السلام بعض هذه الحقوق في ( حجة الوداع ) بقوله : " ألا إنّ لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ، فحقكم عليهن ألاّ يوطئن فرشكم مَن تكرهون ، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهن وطعامهن " . وعن ابن عباس أنه قال : " إني لأحبّ أن أتزين لامرأتي كما تتزين لي ، لأن الله تعالى يقول : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ } " . اللطيفة السادسة : الدرجة التي أشارت إليها الآية الكريمة { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } ليست درجة ( تشريف ) وإنما هي درجة ( تكليف ) وقد بينتها الآية الثانية في سورة النساء وهي القوامة والمسؤولية والإنفاق { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 34 ] الآية والله تعالى قد وضع ميزاناً دقيقاً للتفاضل هو التقوى والعمل الصالح { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] فقد تكون المرأة أفضل عند الله من ألف رجل ، وهذا هو المبدأ العادل الكريم . اللطيفة السابعة : قال ابن عباس رضي الله عنهما : أول خلع كان في الإسلام في " امرأة ثابت بن قيس أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبداً ، والله ما أعيب عليه في خلُق ولا دين ، ولكن أكره الكفر بعد الإسلام ، ما أطيقه بغضاً ، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سواداً ، وأقصرهم قامة ، وأقبحهم وجهاً ، فقال زوجها يا رسول الله : أعطيتها أفضل ما لي ( حديقة ) لي ، فإن ردّت عليّ حديقتي طلقتها ، فقال لها عليه السلام ما تقولين ؟ قالت : نعم ، وإن شاء زدته ، قال ففرق بينهما " . اللطيفة الثامنة : قال العلامة أبو السعود : وضع الاسم الجليل في المواقع الثلاثة { أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ } موضع الضمير لتربية المهابة وإدخال الروعة في النفوس ، وتعقيب النهي بالوعيد للمبالغة في التهديد . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما هي عدة المطلقة ، والحامل ، والتي لا تحيض ؟ أوجب الله تعالى العدة على المطلقة { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } والمراد بالمطلّقات هنا ( المدخول بهن ) البالغات من غير الحوامل ، أو اليائسات ، لأن غير المدخول بها لا عدة عليها لقوله تعالى : { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } [ الأحزاب : 49 ] . وعدة الحامل وضع الحمل لقوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ الطلاق : 4 ] . والمرأة التي لا تحيض وكذا اليائسة عدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } [ الطلاق : 4 ] الآية . فتبيّن من هذا أن الآية قد دخلها التخصيص ، وأنّ العدة المذكورة في الآية الكريمة هي للمطلّقة المدخول بها إذا لم تكن صغيرة أو يائسة أو حاملاً . الحكم الثاني : ما المراد بالأقراء في الآية الكريمة ؟ تقدّم معناه أن ( القرء ) في اللغة يطلق على الحيض وعلى الطهر ، وقد اختلف الفقهاء في تعيين المراد به هنا في الآية الكريمة على قولين : أ - فذهب مالك والشافعي : إلى أن المراد بالأقراء : الأطهار ، وهو مروي عن ( ابن عمر ) و ( عائشة ) و ( زيد بن ثابت ) ، وهو أحد القولين عند الإمام أحمد رحمه الله . ب - وذهب أبو حنيفة وأحمد ( في الرواية الأخرى عنه ) إلى أن المراد بالأقراء : الحيض ، وهو مروي عن ( عمر ) و ( ابن مسعود ) و ( أبي موسى ) و ( أبي الدرداء ) وغيرهم . حجة مالك والشافعي : احتج الفريق الأول لترجيح مذهبهم بحجج نذكرها بإيجاز : الحجة الأولى : إثبات التاء في العدد ( ثلاثة قروء ) وهو يدل على أن المعدود مذكر وأن المراد به الطهر ، ولو كان المراد به الحيضة لجاء اللفظ ( ثلاث قروء ) لأن الحيضة مؤنث والعدد يذكر مع المؤنث ، ويؤنث مع المذكر كما هو معلوم . الحجة الثانية : ما روي عن عائشة أنها قالت : " هل تدرون الأقراء ؟ الأقراء : الأطهار " . قال الشافعي : والنساء بهذا أعلم . لأن هذا إنما يُبتلى به النساء . الحجة الثالثة : قوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] قالوا : ومعناه : فطلقوهن في وقت عدتهن ، ولما كان الطلاق وقت الحيض محظوراً ، دلّ على أن المراد به وقت الطهر ، فيكون المراد من القروء الأطهار . حجة أبي حنيفة وأحمد : واحتج الفريق الثاني على ترجيح مذهبهم بما يأتي : أولاً : إن العدة شرعت لمعرفة براءة الرحم ، والذي يدل على براءة الرحم إنما هو الحيض لا الطهر . قال الإمام أحمد : قد كنت أقول : القروء : الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض . ثانياً : واستدلوا بقوله عليه السلام لفاطمة بنت حُبيش : " دعي الصلاة أيام أقرائك " والمراد أيام حيضك ، لأن الصلاة تحرم في الحيض . ثالثاً : قوله عليه السلام : " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " فأمر بالاستبراء بالحيضة ، وقد أجمع العلماء على أن الاستبراء في شراء الجواري يكون بالحيض ، فكذا العدة ينبغي أن تكون بالحيض ، لأن الغرض واحد وهو براءة الرحم . رابعاً : أقام الله تعالى الأشهر مقام الحيض في العدة في قوله : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ } [ الطلاق : 4 ] فدلّ على أن العدة تعتبر بالحيض لا بالطهر . وهذا من أقوى أدلة الأحناف . خامساً : إذا اعتبرنا العدة بالحيض فيمكن معه استيفاء ثلاثة أقراء بكمالها ، لأن المطلّقة إنما تخرج من العدة بزوال الحيضة الثالثة ، بخلاف ما إذا اعتبرناها بالأطهار فإنه إذا طلقها في آخر الطهر يكون قد مر عليها طهران وبعض الثالث ، فيكون ما ذهبنا إليه أقوى . الترجيح : ولعلّ ما ذهب إليه الفريق الثاني يكون أرجح ، فإن الأحاديث الصحيحة تؤيده ، والغرض من العدة في الأظهر معرفة براءة الرحم ، وهو يعرف بالحيض لا بالطهر . وقد رجّح العلامة " ابن القيم " في كتابه " زاد المعاد " هذا القول ونصره وأيده فقال : " إن لفظ ( القرء ) لم يستعمل في كلام الشارع إلاّ للحيض ، ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر ، فحملُه في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى ، بل يتعين ، فإنه عليه السلام قد قال للمستحاضة : " دعي الصلاة أيام أقرائك " وهو صلى الله عليه وسلم المعبّر عن الله ، وبلغة قومه نزل القرآن ، فإذا أورد المشترك في كلامه على أحد معنييه ، وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة ، ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها ، وإن كان له معنى آخر في كلام غيره ، وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته فيتعين حمله عليها في كلامه ، ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين ، وأيضاً فقد قال سبحانه : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ … } [ الطلاق : 4 ] الآية فجعل كل شهر بإزاء حيضة وعلّق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر ، وقال في موضع آخر { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] معناه لاستقبال عدتهن لا فيها ، وإذا كانت العدة التي يطلق لها النساء مستقبلة بعد الطلاق ، فالمستقبل بعدها إنما هو الحيض ، فإن الطاهر لا تستقبل الطهر ، إذ هي فيه وإنما تستقبل الحيض بعد حالها التي هي فيها " . الحكم الثالث : ما معنى قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } ؟ اختلف المفسرون في المراد من هذه الآية على أقوال : فقال بعضهم : المراد بما خلق الله في أرحامهن : ( الحمل ) وهو قول عمر ، وابن عباس ، ومجاهد . وقال بعضهم : المراد به ( الحيض ) وهو قول عكرمة ، والنخعي ، والزهري . وقال آخرون : المراد به ( الحمل والحيض ) معاً ، وهذا قول ابن عمر ، واختاره ابن العربي . قال ابن العربي : " والثالث هو الصحيح لأن الله تعالى جعلها أمينة على رحمها فقولها فيه مقبول إذ لا سبيل إلى علمه إلاّ بخبرها ، ولا خلاف بين الأمة أن العمل على قولها في دعوى الشغل للرحم أو البراءة ما لم يظهر كذبها " . أقول : إنما حرم الله كتمان ما في أرحامهن لأنه يتعلق بذلك حق الرجعة للرجل ، وعدم اختلاط الأنساب ، فربما ادعت انقضاء العدة وهي مشغولة الرحم بالحمل من زوجها ثم تزوجت فأدى ذلك إلى اختلاط الأنساب ، وربما حَرَمَت الرجل من حقه في الرجعة فلذلك حرّم الله كتمان ما في الأرحام . الحكم الرابع : هل الآية عامة في كل مطلّقة ؟ الآية الكريمة { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } عامة في المبتوتة ، والرجعية ، وقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } خاص في الرجعية دون المبتوتة ، لأن المبتوتة قد ملكت نفسها . قال ابن كثير رحمه الله : " وهذا في الرجعيات ، فأما المطلَّقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه الآية ( مطلقة بائن ) وإنما كان ذلك لما حصروا في الطلقات الثلاث ، فأما حال نزول هذه الآية فكان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلّقها مائة مرة ، فلما قصروا على ثلاثة تطليقات ، صار للناس مطلّقة بائن ومطلقة غير بائن " . الحكم الخامس : ما هو حكم الطلاق الرجعي ؟ الطلاق الرجعي يبيح للرجل حق الرجعة بدون عقد جديد ، وبدون مهر جديد ، وبدون رضا الزوجة ما دامت المرأة في العدة ، فإذا انقضت العدة ولم يراجعها بانت منه ، وقد أثبت الشارع له حق الرجعة بقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أي أحق بإرجاعهن في وقت التربص بالعدة ، وإذا كانت الرجعة حقاً للرجل فلا يشترط رضا الزوجة ولا علمها ، ولا تحتاج إلى ولي ، كما لا يشترط الإشهاد عليها وإن كان ذلك مستحباً خشية إنكار الزوجة فيه بعد أنه راجعها . وتصح المراجعة بالقول مثل قوله : راجعتُ زوجتي إلى عصمة نكاحي ، وبالفعل مثل التقبيل ، والمباشرة بشهوة ، والجماع عند أبي حنيفة ومالك ، وقال الشافعي : لا رجعة إلا بالقول الصريح ولا تصح بالوطء ودواعيه ، لأن الطلاق يزيل النكاح . قال الشوكاني : " والظاهر ما ذهب إليه الأولون ، لأن العدة مدة خيار ، والاختيار يصح بالقول وبالفعل ، وظاهر قوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } وقوله صلى الله عليه وسلم : " مُره فليراجعها " أنها تجوز المراجعة بالفعل لأنه لم يخص قولاً من فعل ، ومن ادّعى الاختصاص فعليه الدليل " . الحكم السادس : هل الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع ثلاثاً أم واحدة ؟ . دل قوله تعالى : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ } على أن الطلاق ينبغي أن يكون مفرقاً مرة بعد مرة وقد اختلف العلماء في الطلاق الثلاث بلفظٍ واحدٍ هل يقع ثلاثاً أو واحدة ؟ . فذهب جمهور الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة إلى أنه يقع ثلاثاً ، إمّا مع الحرمة ، وإما مع الكراهة على حسب اختلافهم في فهم الآية الكريمة . وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة ، وهو قول طاووس ومذهب الإمامية وقول ( ابن تيمية ) وبه أخذ بعض المتأخرين من الفقهاء دفعاً للحرج عن الناس ، وتقليلاً لحوادث الطلاق ، وفراراً من مفاسد التحليل . دليل الجمهور : استدل الجمهور على وقوع الطلاق الثلاث بما يلي : أولاً : إن الله عز وجل جعل للطلاق حداً وأرشد الرجل إلى أن يطلق مرة بعد مرة ، وجعل له فسحة في الأمر حتى لا يضيع حقه في الرجعة ، فإذا تعدى الإنسان هذه الرخصة وطلّق ثلاثاً وقع طلاقه لأن له عليها طلقتين وبالثالثة تبين منه ، فإما أن يجمعها أو يفرقها . والإسلام قد أرشده إلى ما هو الأفضل والأصلح ، فإذا جاوز هذا إلى ما فيه تضييق عليه أخذ بجزيرة نفسه . ثانياً : ما روي أن رجلاً جاء إلى ابن عباس فقال له : إنه طلّق امرأته ثلاثاً ، قال مجاهد : فسكت ابن عباس حتى ظننت أنه رادها إليه ، ثم قال : يطلّق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول : يا ابن عباس ، يا ابن عباس وإن الله تعالى يقول : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [ الطلاق : 2 ] وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجاً عصيت ربك ، وبانت منك امرأتك " . ثالثاً : واستدلوا بإجماع الصحابة حين قضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأقروه عليه ، ولم ينكر أحد من الصحابة وقوع الثلاث بلفظ واحد على عمر بن الخطاب فدل ذلك على الإجماع . وقد ذهب البخاري إلى وقوع الثلاث وترجم على هذه الآية بقوله ( باب من أجاز الطلاق الثلاث ) بقوله تعالى : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } . وهذا إشارة منه رضي الله عنه إلى أنّ هذا التعديد إنما هو فسحة لهم ، فمن ضيّق على نفسه لزمه . حجة الفريق الثاني : واستدل القائلون بوقوع الطلاق الثلاث واحدة بما رواه أحمد ومسلم من حديث طاووس عن ابن عباس أنه قال : " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر طلاقُ الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناةٌ ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم " . وقالوا : إن الله قد فرّق الطلاق بقوله : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ } أي مرة بعد مرة ، وما كان مرة بعد مرة لا يملك المكلف إيقاعه دفعة واحدة ، مثل ( اللعان ) لا بدّ من التفريق فيه ، ولو قال : أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين كان مرة واحدة ، ولو قال المقر بالزنى : أنا أقر أربع مرات أني زنيت كان مرة واحدة ، وقالوا : إن الشارع طلب أن يسبح العبد ربه ويحمده ، ويكبّره دبر كل صلاة ( ثلاثاً وثلاثين ) ولا يكفيه أن يقول : سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ، ولا بدّ من التفريق حتى يكون قد أتى بالأمر المشروع . وقد أطال ابن القيم رحمه الله في كتابه " أعلام الموقعين " القول في المسألة وانتصر لرأي ابن تيمية ، وفعل مثله ( الشوكاني ) في كتابه " نيل الأوطار " وله رسالة خاصة في تفنيد أدلة الجمهور . أقول : كلُّ ما استدل به الفريق الثاني لا يقوى على ردّ أدلة الجمهور وعلى إجماع الصحابة ، وكفى بهذا الإجماع حجة وبرهاناً وهذا ما ندين الله عز وجل به . ونعتقد أنه الصواب ، لأن مخالفة إجماع الصحابة وإجماع الفقهاء ليس بالأمر اليسير . ويحسن بنا أن ننقل ما كتبه العلامة القرطبي في تفسير " الجامع لأحكام القرآن " حيث قال رحمه الله : " واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة ، وهو قول جمهور السلف ، وشذّ طاوس وبعض أهل الظاهر فقالوا : إن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة ، ويحكى عن داود أنه لا يقع ، وجمهور السلف والأئمة أنه لازم واقع ثلاثاً ، ولا فرق بين أن يوقع ثلاثاً مجتمعة في كلمة أو متفرقة في كلمات ، واستدل من قال بوقوعه واحدة بأحاديث ثلاثة : أحدهما : حديث ابن عباس من رواية طاوس ، وأبي الصهباء ، وعكرمة . وثانيها : حديث ابن عمر على رواية من روى أنه طلق امرأته ثلاثاً ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره برجعتها واحتسبت واحدة . وثالثها : أنّ ركانة طلّق امرأته ثلاثاً فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برجعتها ، والرجعة تقتضي وقوع واحدة . والجواب عن الأحاديث ما ذكره الطحاوي عن ( سعيد بن جبير ) و ( مجاهد ) و ( عطاء ) في روايتهم عن ابن عباس فيمن طلّق امرأته ثلاثاً أنه قد عصى ربه ، وبانت منه امرأته ، ولا ينكحها إلا بعد زوج ، وفيما رواه هؤلاء عن ابن عباس مما يوافق الجماعة ، ما يدل على وهْن رواية طاوس وغيره ، وما كان ابن عباس ليخالف الصحابة إلى رأي نفسه . قال ابن عبد البر : " رواية طاوس وهمٌ وغلط ، لم يعرّج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ، والمشرق والمغرب " . قال الباجي : فإن حمل حديث ابن عباس على ما يتأول فيه من لا يعبأ بقوله فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الإجماع ، ودليلنا من جهة القياس أن هذا طلاق أوقعه من يملكه فوجب أن يلزمه . وأما حديث ابن عمر أنه طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض … إلخ فقد ردّه الدارقطني وقال : رواته كلهم من الشيعة ، والمحفوظ أن ابن عمر طلّق امرأته واحدة في الحيض . وأما حديث ( رُكانة ) فقيل : إنه حديث مضطرب منقطع لا يستند من وجه يحتج به ، وهو عن عكرمة عن ابن عباس وفيه " إن رُكانة طلّق امرأته ثلاثاً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجعها " . والثابت أن ركانه طلّق امرأته البتة فاستحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد بها ؟ فحلف ما أراد إلاّ واحدة فردّها إليه . فهذا اضطراب في الاسم والفعل ولا يحتج بشيء من مثل هذا . والخلاصة فإن رأي الجمهور يبقى أقوى دليلاً ، وأمكن حجة ، لا سيما وقد تعزّز بإجماع الصحابة والأئمة المجتهدين والله أعلم . الحكم السابع : ما المراد من قوله تعالى : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ } ؟ اختلف المفسرون في معنى قول الله تعالى : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ } على أقوال عديدة نذكرها بالإجمال : أ - المراد : الطلاق المشروع مرتان ، فما جاء على غير هذا فليس بمشروع ، والآية مستقلة عمّا قبلها ، وهذا قول الحجّاج بن أرطأة ومذهب الرافضة . ب - المراد : الطلاق المسنون مرتان وهذا قول ابن عباس ومجاهد ومذهب مالك رحمه الله . جـ - المراد : الطلاق الذي فيه الرجعة مرتان ، وهذا قول قتادة وعروة واختيار الجمهور . قال الشوكاني في تفسيره " فتح القدير " : المراد بالطلاق المذكور هو الرجعي بدليل ما تقدم من الآية الأولى ، أي الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة للأزواج هو مرتان ، أي الطلقة الأولى والثانية ، إذ لا رجعة بعد الثالثة ، وإنما قال سبحانه ( مرتان ) ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة لا طلقتان دفعة واحدة " . الحكم الثامن : هل يباح للزوج أخذ المال مقابل الطلاق ؟ أمر الله عند تسريح المرأة أن يكون بإحسان ، ونهى الزوج أن يأخذ شيئاً مما أعطى المرأة من المهر إلا في حالة الخوف ألا يقيما حدود الله { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } والمراد عدم إقامة حدود الله التي شرعها للزوجين ، من حسن المعاشرة والطاعة والقيام بحق كلٍ من الزوجين نحو الآخر ، فإن ظهرت بوادر الشقاق والخلاف ، واستحكمت أسباب الكراهية والنفرة جاز للمرأة أن تفتدي ، وجاز للرجل أن يأخذ المال ، وطلاقُ المرأة على هذا الوجه هو المعروف بـ ( الخُلع ) وقد عرّفه الفقهاء بأنه " فراقُ الرجل زوجته على بدلٍ يأخذه منها " . وفي أخذ الزوج الفدية عدلٌ وإنصاف ، فإنه هو الذي أعطاها المهر ، وبذل تكاليف الزواج والزفاف ، وأنفق عليها ، وهي التي قابلت هذا كله بالجحود وطلبت الفراق فكان من الإنصاف أن تردّ عليه ما أخذت منه . والأصل في هذا ما رواه البخاري من قصة امرأة ثابت بن قيس وقد تقدم ، وفيه قال لها عليه السلام : " أتردين عليه حديقته ؟ قالت نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلّقها تطليقة " . وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز أن يأخذ الزوج من الزوجة زيادة على ما أعطاها لقوله تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } وهذا عام يتناول القليل والكثير . وقال الشعبي والزهري والحسن البصري : لا يحل للزوج أن يأخذ زيادة على ما أعطاها ، لأنه من باب أخذ المال بدون حق ، وحجتهم أن الآية في صدد الأخذ مما أعطى الرجال النساء فلا تجوز الزيادة ، والراجح أن الزيادة تجوز ولكنها مكروهة . وقد اختلف الفقهاء هل الخلع فسخ أو طلاق ؟ فذهب الجمهور إلى أنه طلاق ، وقال الشافعي في القديم إنه فسخ ، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا خلعها هل تحسب عليه طلقة أم لا ؟ والأدلة على هذه المسألة تطلب من كتب الفروع . الحكم التاسع : ما هو حكم المطلقة ثلاثاً ، وكيف تحل للزوج الأول ؟ دل قوله تعالى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } على أن المطلقة ثلاثاً تحرم على زوجها الأول حتى تتزوج بزوج آخر ، وهي التي يسميها الفقهاء ( بائنة بينونه كبرى ) وذلك لأن الله تعالى ذكر الطلاق وبيّن أنه مرتان ، ثم ذكر حكم الخلع وأعقبه بقوله : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } فدلّ على أن المراد به الطلاق الثالث . قال القرطبي : " المراد بقوله تعالى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه " . وذهب جمهور العلماء والأئمة المجتهدون إلى أن المراد بالنكاح في قوله تعالى : { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } الوطء لا العقد ، فلا تحل للزوج الأول حتى يطأها الزوج الثاني . وروي عن ( سعيد بن المسيب ) أنه قال : إن المطلقة ثلاثاً تحل للأول بالعقد على الثاني ، وهو ضعيف لمصادمته للحديث الآتي الصحيح . واحتج الجمهور بما رواه ابن جرير عن عائشة قالت : " جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كنت عند رفاعة فطلقني فبتّ طلاقي ، فتزوجت عبد الرحمٰن بن الزبير ، وإنّ ما معه مثل هدبة الثوب فقال لها : " تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى تذوقي عُسيلته ويذوق عسيلتك " " رواه أصحاب السنن . والمراد بالعُسيلة : الجماع ، شبّه اللذة فيه بالعسل . فقد وضّحتْ السنة المطهّرة أنّ المراد من فظ النكاح في الآية الكريمة هو ( الجماع ) لا العقد ، وقال بعض العلماء إن الآية نفسها فيها دلالة على ذلك ، فقد قال ابن جني : سألت أبا علي عن قولهم نكح المرأة ، فقال فرّقت العرب بالاستعمال ، فإذا قالوا : نكح فلانٌ فلانةً أرادوا أنه عقد عليها ، وإذا قالوا : نكح زوجته أرادوا به المجامعة ، وهنا قال تعالى : { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } فالمراد منه المجامعة . الحكم العاشر : نكاح المحلّل وهل هو صحيح أم باطل ؟ المحلِّل : بكسر اللام هو الذي يتزوج المطلّقة ثلاثاً بقصد أن يحلّها للزوج الأول ، وقد سمّاه عليه السلام بالتيس المستعار ففي الحديث الشريف " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هو المحلّل ، لعن الله المحلّل والمحلَّل له " . وقد اختلف العلماء في نكاح المحلّل فذهب الجمهور ( مالك وأحمد والشافعي والثوري ) إلى أن النكاح باطل ، ولا تحل للزوج الأول . وقال الحنفية وبعض فقهاء الشافعية : هو مكروه وليس بباطل ، لأن في تسميته بالمحلّل ما يدل على الصحة لأنها سبب الحل ، وروي عن الأوزاعي أنه قال : بئس ما صنع والنكاحُ جائز . حجة الجمهور : استدل الجمهور على فساد نكاح المحلّل بما يلي : أولاً - حديث " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلّل والمحلّل له " . ثانياً - حديث " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : هو المحلّل … " الحديث . ثالثاً - حديث ابن عباس " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحلّل فقال : ( لا " أي لا يحل " إلاّ نكاح رغبة ، لا نكاح دلسة ، ولا استهزاء بكتاب الله ، ثم يذوق عُسيلتها ) " . رابعاً - ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " لا أوتي بمحلّل ولا بمحلّل له إلاّ رجمتهما " . خامساً - ما روي عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً سأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلّها لأخيه هل تحل للأول ؟ فقال : لا ، إلاّ نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " . الترجيح : والحق ما ذهب إليه الجمهور لأن النكاح يقصد منه الدوام والاستمرار ، والتأقيت يبطله فإذا تزوجها بقصد التحليل ، أو اشترط الزوج عليه أن يطلّقها بعد الدخول فقد فسد النكاح لأنه يشبه ( نكاح المتعة ) حينئذٍ ، وهو باطل باتفاق العلماء . قال العلامة ابن كثير رحمه الله : " والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغباً في المرأة ، قاصداً لدوام عشرتها ، كما هو المشروع من التزويج ، واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأً مباحاً ، فلو وطئها وهي محرمة ، أو صائمة ، أو معتكفة ، لم تحلّ للأول بهذا الوطء ، واشترط الحسن البصري الإنزال وكأنه فهمه من قوله عليه السلام " حتى تذوقي عُسيلته ويذوق عُسيلتك " . ثم قال : فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول فهذا هو ( المحلّل ) الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه ، ومتى صرّح بمقصوده ، في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة … ثم ساق الأحاديث الواردة في ذلك في " تفسيره " وقد أشرنا إلى بعضها فيما ذكرناه . " كلام السيد رشيد رضا في " المنار " " وقال في " تفسير المنار " : " ألا فليعلم كل مسلم أن الآية صريحة في أن النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً هو ما كان زواجاً صحيحاً عن رغبة ، وقد حصل به مقصود النكاح لذاته ، فمن تزوجها بقصد الإحلال كان زواجه ( صورياً ) غير صحيح ، ولا تحل به المرأة للأول ، بل هو معصية لعن الشارع فاعلها ، فإن عادت إليه كانت حراماً ، ومثال ذلك من طهّر الدم بالبول ، وهو رجسٌ على رجس ، ونكاحُ التحليل شرٌّ من نكاح المتعة وأشد فساداً وعاراً … ثم نقل ما أورده ابن حجر المكي في كتابه " الزواجر " من الأخبار والآثار الدالة على التحريم ثم قال : وأنت ترى مع هذا أن رذيلة التحليل قد فشت في الأشرار ، الذين جعلوا رخصة الطلاق عادة ومثابة ، فصار الإسلام نفسه يعاب بهم وما عيبه سواهم ، وقد رأيت في لبنان رجلاً نصرانياً ولع بشراء الكتب الإسلامية ، فاهتدى إلى حقيقة الإسلام مع الميل إلى التصوف فأسلم ، وقال لي : لم أجد في الإسلام غير ثلاثة عيوب لا يمكن أن تكون من الله ، أقبحُها مسألة ( التجحيش ) أي التحليل فبينت له الحق فيها فاقتنع " . أقول : إنَّ في التحليل مفاسد كثيرة نبّه عليها العلماء ، وقد عقد العلامة ( ابن القيم ) في كتابه " أعلام الموقعين " فصولاً في بيانها ، وقد طعن قوم في الشريعة الإسلامية لأنها أجازته ، وقد علمت الرأي الصحيح في الموضوع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين فالصواب ألا ينسب إليها حله والله المستعان . ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - وجوب العدة على المطلّقة رجعية كانت أو بائنة للتعرف على براءة الرحم . 2 - حرمة كتمان ما في الرحم من الحمل ، ووجوب الأمانة في الإخبار عن موضوع العدة . 3 - الزوج أحق بزوجته المطلّقة رجعياً ما دامت العدة لم تنته بعد . 4 - الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات الزوجية سواء ، وله عليها درجة القوامة والإشراف . 5 - الطلاق الرجعي الذي يملك فيه الزوج الرجعة مرتان فقط وفي الثالثة تحرم عليه حتى تنكح زوجاً آخر نكاحاً شرعياً صحيحاً بقصد الدوام والاستمرار . 6 - جواز الخلع والافتداء إذا كان ثمة مصلحة شرعية توجب الفراق . 7 - حرمة الإضرار بالزوجة لتفتدي نفسها من زوجها بالمال على الطلاق . 8 - لا بأس بعودة المطلّقة إلى زوجها الأول إذا طلّقها الزوج الثاني بعد المساس . خاتمة البحث : حكمة التشريع أباح الإسلام الطلاق ، واعتبره أبغض الحلال إلى الله ، وذلك لضرورة قاهرة ، وفي ظروف استثنائية ملحّة ، تجعله دواءً وعلاجاً للتخلص من شقاء محتّم ، قد لا يقتصر على الزوجين بل يمتد إلى الأسرة كلها فيقلب حياتها إلى جحيم لا يطاق . والإسلام يرى أن الطلاق هدم للأسرة ، وتصديع لبنيانها ، وتمزيق لشمل أفرادها ، وضرره يتعدى إلى الأولاد ، فإن الأولاد حينما يكونون في حضن أمهاتهم يكونون موضعاً للرعاية وحسن التربية ، وإذا حرموا عطف الأم وحنانها تعرضوا إلى التمزيق والتشتت ، ومع هذا فقد أجازه الإسلام ، لدفع ضررٍ أكبر ، وتحصيل مصلحة أكثر ، وهي التفريق بين متباغضين من الخير أن يفترقا ، لأن الشقاق والنزاع قد استحكم بينهما ، والحياةُ الزوجية ينبغي أن يكون أساسها الحب ، والوفاء ، والهدوء ، والاستقرار ، لا التناحر ، والخصام ، والبغضاء . فإذا لم تُجْد جميع وسائل الإصلاح للتوفيق بين الزوجين كان الطلاق ضرورة لا مندوحة عنه ، ومن الضرورات التي تبيح الطلاق أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته ، وأن يطلع منها على الخيانة الزوجية باقتراف ( فاحشة الزنى ) فهل يتركها تفسد عليه نسبه ، وتكدّر عليه حياته أم يطلّقها ؟ وهناك أسباب أخرى كالعقم ، والمرض الذي يحول دون الالتقاء الجسدي ، أو المرض المعدي الذي يخشى انتقاله إلى الآخر إلى غير ما هنالك من الأسباب الكثيرة . وقد جعل الله جل ثناؤه الطلاق في تشريعه الحكيم مرتين متفرقتين في طهرين - كما دلت على ذلك السنة المطهرة - فإن شاء أمسك ، وإن شاء طلق وأمضى الطلاق ، فيكون الزوج على بينة مما يأتي وما يذر ، ولن يتفرق بالطلاق بعد هذه الرويّة وهذه الأناة إلا زوجان من الخير ألاّ يجتمعا لصالح الأسرة وصالحهما بالذات . يقول الأستاذ الفاضل ( أحمد محمد جمال ) في كتابه " محاضرات في الثقافة الإسلامية " ما نصه : " ومما ينبغي ملاحظته هنا في حديثنا الموجز عن الطلاق في الإسلام ، أن الشريعة الإسلامية انفردت بنظام ( المراجعة ) في الطلاق دون الشرائع الأخرى ، حرصاً على إعادة الرباط الزوجي بين الزوجين ، وحفاظاً على الذرية من الضياع والتشرد ، واستصلاحاً لما فسد بين الزوجين من مودة وسكن ، ويعتبر الطلاق الرجعي في الإسلام - وهو المرة الأولى والثانية - فترة اختبار للزوجين ، وفرصة تأمل ومراجعة للأخطاء والزلات والندم والتوبة ، ثم العودة إلى بيت الزوجية وما يظلله من مودة ورحمة وسكن وذرية . كما ينبغي أن نلاحظ أيضاً أن الإسلام جاء ليصحّح وضعاً خاطئاً ، ويحفظ للمرأة كرامة كانت مضيعة على عهد الجاهلية الأولى ، إذ كان العرب يطلّقون دون حصر أو عدد ، فكان الرجل يطلق ما شاء ثم يراجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها إضراراً لها ، حيث تظل معلّقة بين طلاق ورجعة في نهاية العدة ، ثم طلاق في بداية الرجعة وهكذا ، فنزل القرآن الكريم يضع لهذه الفوضى حداً ، ولهذا الظلم النازل بالنساء قيداً { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } .