Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 233-233)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 17 ] أحكام الرضاع التحليل اللفظي { وَٱلْوَالِدَاتُ } : جمع والدة بالتاء ، والوالد : الأب ، والوالدة : الأم ، وهما الوالدان كذا في " اللسان " ، قال في " البحر " : وكان القياس أن يقال : والد ، لكن قد أطلق على الأب والد فجاءت التاء في الوالدة للفرق بين المذكر والمؤنث من حيث الإطلاق اللغوي ، وكأنه روعي في الإطلاق أنهما أصلان للولد فأطلق عليهما والدان . { حَوْلَيْنِ } : أي سنتين من حال الشيء إذا انقلب ، فالحول منقلبٌ من الوقت الأول إلى الثاني . قال الراغب : والحول السنة اعتباراً بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها . { ٱلْمَوْلُودِ لَهُ } : أي الأب ، لأن الأولاد ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات قال الشاعر : @ فإنّما أمهاتُ الناسِ أوعيةٌ مستودَعاتٌ وللآباء أبناء @@ { فِصَالاً } : فطاماً عن الرضاع ، والفِصَال والفَصْلُ : الفطام ، وإنما سمي الفطام بالفصال ، لأن الولد ينفصل عن الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات . قال المبرّد : يقال : فصل الولد عن الأم فصلاً وفصالاً ، والفصالُ أحسن ، لأنه إذا انفصل عن أمه فقد انفصلت منه فبينهما فصال نحو القتال ، والضراب ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه . { وَتَشَاوُرٍ } : التشاور في اللغة : استخراج الرأي ومثله المشاورة والمشورة مأخوذ من الشور وهو استخراج العسل . قال الراغب : والتشاور والمشاورة والمشورة : استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم : شِرتُ العسل إذا استخرجته من موضعه . { تَسْتَرْضِعُوۤاْ } : أي تطلبوا الرضاع لأولادكم يقال : استرضع أي طلب الرضاع ، مثل : استفتح طلب الفتح ، واستنصر طلب النصر . والمعنى : إذا أردتم أيها الآباء أن تسترضعوا المراضع لأولادكم أي تطلبوا لهم من يرضعهم فلا إثم عليكم ولا حرج . { بِٱلْمَعْرُوفِ } : أي بالوجه المتعارف المستحسن شرعاً الذي أمركم به الدين . { بَصِيرٌ } : أي مطلع على أعمالكم ، لا تخفى عليه خافية والمراد أنه مجازيكم عليها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . المعنى الإجمالي أمر الله تعالى الوالدات ( المطلّقات ) بإرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين إذا شاء الوالدان إتمام الرضاعة ، وأنّ على الولد كفاية المرضع التي تقوم بإرضاع ولده ، والإنفاق عليها لتقوم بخدمته حق القيام ، وتحفظه من عاديات الأيام ، وأن يكون ذلك الإنفاق بحسب المعروف والقدرة والطاقة لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها . ثم حذّر تعالى كلاً من الوالدين أن يضارّ أحدهما الآخر بسبب الولد ، فلا يحل للأم أن تمتنع عن إرضاع الولد إضراراً بأبيه ، وأن تقول له مثلاً : اطلب له ظئراً غيري ، ولا يحل للأب أن ينزع الولد منها مع رغبتها في إرضاعه ، ليغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد . ثمّ بيّن تعالى أن الوالدين إذا أرادا فطام ولدهما بعد التشاور والتراضي قبل تمام الحولين فلا إثم ولا حرج إذا رأيا استغناء الطفل عن لبن أمه بالغذاء ، فإن هذا التحديد إنما هو لمصلحة الطفل ودفع الضرر عنه ، والوالدان أدرى الناس بمصلحته وأشفقهم عليه وإن أردتم - أيها الآباء - أن تطلبوا مرضعة لولدكم غير الأم بسبب إبائها ، أو عجزها أو إرادتها الزواج ، فلا إثم عليكم في ذلك ، بشرط أن تدفعوا إلى هذه المرضعة ما اتفقتم عليه من الأجر ، ولا تبخسوها حقها ، فإن المرضع إذا لم تكرم لا تهتم بالطفل ولا تُعنى بإرضاعه ولا بسائر شؤونه ، فأحسنوا معاملتهن ليحسنّ أمور أولادكم ، واتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن الله مطلّع عليكم لا تخفى عليه خافية من شؤونكم وأنه مجازيكم عليها يوم الدين { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] . وجوه القراءات 1 - قرأ الجمهور { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } وقرأ مجاهد ( أن تَتمّ الرضاعةُ ) بالتاء وبرفع الرضاعة ، وقرأ أبو رجاء وابن أبي عبلة ( الرّضاعة ) بكسر الراء . قال الزجاج " الرّضاعة " بفتح الراء وكسرها والفتح أكثر . 2 - قرأ الجمهور { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( لا تضارّ ) بالرفع على أن ( لا ) نافية . 3 - قوله تعالى : { إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم } قرأ الجمهور { آتَيْتُم } بالمد ، وقرأ ابن كثير { أتيتم } بالقصر . وجوه الإعراب أولاً - قوله تعالى : { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ } الجار والمجرور خبر مقدم ، و ( رزقهن ) مبتدأ مؤخر وهو مضاف أي رزق المرضعات و ( بالمعروف ) متعلق بـ ( رزقهن ) . ثانياً - قوله تعالى : { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } لا ناهية جازمة و ( تضارّ ) أصلها ( تضارر ) سكنت الراء الأخيرة للجزم والراء الأولى للإدغام فالتقى ساكنان فحرك الأخير منهما بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين و ( والدة ) فاعل والمفعول به محذوف تقديره : لا تضارّ والدة زوجها بسبب ولدها . ثالثاً - قوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ } استرضع يتعدى لمفعولين الثاني بحرف الجر والمعنى : أن تسترضعوا المراضع لأولادكم ، حذف المفعول الأول للاستغناء عنه . قال الواحدي : " أي لأولادكم وحذف اللام اجتزاء بدلالة الاسترضاع لأنه لا يكون إلاّ للأولاد ، ونظيره قوله تعالى : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } [ المطففين : 3 ] أي كالوا لهم أو وزنوا لهم " . وجه الارتباط في الآيات السابقة مناسبة هذه الآية لما قبلها من الآيات ، أنه تعالى لما ذكر جملة من الأحكام المتعلقة بالنكاح ، والطلاق ، والعدة ، والرجعة ، والعضل ، ذكر في هذه الآية الكريمة حكم الرضاع ، لأن الطلاق يحصل به الفراق ، فقد يطلّق الرجل زوجته ويكون لها طفل ترضعه ، وربما أضاعت الطفل أو حرمته الرضاع انتقاماً من الزوج وإيذاءً له ، لذلك وردت هذه الآية لندب الوالدات المطلّقات إلى رعاية جانب الأطفال والاهتمام بشأنهم . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : ورد الأمر بصيغة الخبر للمبالغة أي ليرضعن ، والجملة ظاهرها الخبر وحقيقتها الأمر كقوله : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } [ البقرة : 228 ] والتعبير عنهن بلفظ ( الوالدات ) دون قوله : والمطلقات أو النساء المطلقات لاستعطافهن نحو الأولاد ، فحصول الطلاق لهن لا ينبغي أن يحرمهن عاطفة الأمومة . اللطيفة الثانية : العدول عن قوله : وعلى الوالد إلى قوله : { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ } فيه لطيفة وهي أن الأولاد يتبعون الأب ويلتحقون بنسبه دون الأم ، فالموجب المقتضي للإنفاق على الأمهات والمرضعات كون الأولاد لهم فعليهم تجب النفقة ، واللفظ يشعر بالمنحة وشبه التمليك ولهذا أتى به دون لفظ الوالد . قال الزمخشري : " فإن قلت : لم قيل ( المولود له ) دون الوالد ؟ قلت : ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم ، لأن الأولاد للآباء ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات " . اللطيفة الثالثة : قال أبو حيان : وصف الله تعالى الحولين بالكمال ( حولين كاملين ) دفعاً للمجاز الذي يحتمله ذكر الحولين ، إذ يقال : أقمتُ عند فلان حولين وإن لم يستكملهما ، وهي صفة توكيد كقوله تعالى : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } [ البقرة : 196 ] . اللطيفة الرابعة : قوله تعالى : { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } أضاف الولد في الآية إلى كل من الأبوين { وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } و { مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } وذلك لطلب الاستعطاف والإشفاق ، فالولد ليس أجنبياً عن الوالدين ، هذه أمه وذاك أبوه ، فمن حقهما أن يشفقا عليه ، ولا تكون العداوة بينهما سبباً للإضرار بالولد . قال العلامة أبو السعود : " إضافة الولد إلى كلٍ منهما لاستعطافهما إليه ، وللتنبيه على أنه جدير بأن يتفقا على استصلاحه ، ولا ينبغي أن يضرا به أو يتضارّا بسببه " . اللطيفة الخامسة : في قوله تعالى : { أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ } التفات من الغيبة إلى الخطاب ، وتلوين في التعبير لأن الآية قبله { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً } جاء بضمير التثنية للغائب ، وهنا جاء بضمير الجمع للمخاطب ، وفائدة هذا الالتفات هز مشاعر الآباء إلى امتثال أمر الله في الأبناء . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما المراد بالوالدات في الآية الكريمة ؟ أ - قال بعضهم : لفظ الوالدات في الآية خاص بالمطلقات ، وهو قول مجاهد والضحاك ، والسدّي . واستدلوا بأن الآيات السابقة كانت في أحكام المطلقات وهذه وردت عقيبها تتمة لها ، وبأن الله أوجب على الوالد رزقهن وكسوتهن ، ولو كنّ أزواجاً لما كان هناك حاجة إلى هذا الإيجاب ، لأن النفقة واجبة على الزوج من أجل الزوجة ، ثم تعليل الحكم بالنهي عن المضارّة بالولد يدل على أن المراد بالوالدات المطلقات ، لأنّ التي في عصمة الزوجية لا تضارّ ولدها . ب - وقال بعضهم : إنه خالص بالوالدات الزوجات في حال بقاء النكاح ، وهو اختيار الواحدي كما نقله عنه الرازي والقرطبي ، ودليلهم أن المطلّقة لا تستحق الكسوة ، وإنما تستحق الأجرة فلما قال تعالى { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } دلّ على أن المراد بهن الأمهات الزوجات . جـ - وقال آخرون : المراد بالوالدات العموم أي جميع الوالدات سواءً كنّ مزوجات أو مطلقات ، عملاً بظاهر اللفظ فهو عام ولا دليل على تخصيصه وهو اختيار القاضي أبو يعلى ، وأبو سليمان الدمشقي مع آخرين ، ولعل هذا القول هو الأرجح وقد ذهب إليه أبو حيان في " البحر المحيط " . الحكم الثاني : هل يجب على الأم إرضاع ولدها ؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه يجب على الأم إرضاع ولدها لظاهر قوله تعالى : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } فهو أمر في صورة الخبر أي : ( ليرضعن أولادهن ) . وهذا مذهب مالك أن الرضاع واجب على الأم في حال الزوجيّة فهو حق عليها إذا كانت زوجة ، أو إذا لم يقبل الصبي ثدي غيرها ، أو إذا عُدم الأب ، واستثنوا من ذلك الشريفة بالعُرف ، وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها ، والرضاع على الزوج إلاّ أن تشاء هي إرضاعه فهو أحق ، ولها أجرة المثل . وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأمر هنا للندب ، وأنه لا يجب على الوالدة إرضاع ولدها إلاّ إذا تعينّت مرضعاً بأن كان لا يقبل غير ثديها ، أو كان الوالد عاجزاً عن استئجار ظئر ( مرضعة ) ترضعه ، أو قدر ولكنه لم يجد الظئر ، واستدلوا بقوله تعالى : { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } [ الطلاق : 6 ] ولو كان الإرضاع واجباً لكلفها الشرع به ، وإنما ندب لها الإرضاع لأن لبن الأم أصلح للطفل ، وشفقة الأم عليه أكثر . الحكم الثالث : ما هي مدة الرضاع الموجب للتحريم ؟ ذهب جمهور الفقهاء ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الرضاع الذي يتعلق به حكم التحريم ، ويجري به مجرى النسب بقوله عليه السلام : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " هو ما كان في الحولين واستدلوا بقوله تعالى : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين " . وذهب أبو حنيفة إلى أن مدة الرضاع المحرّم سنتان ونصف لقوله تعالى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [ الأحقاف : 15 ] . قال العلامة القرطبي : " والصحيح الأول لقوله تعالى : { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وهذا يدل على أن لا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين ، ولقوله عليه السلام : " لا رضاع إلا ما كان في الحولين " وهذا الخبر مع الآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له ، وقد روي عن عائشة القول به ، وبه يقول : ( الليث بن سعد ) وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع الكبير ، وروي عنه الرجوع عنه " . الحكم الرابع : كيف تقدر نفقة المرضع ؟ دل قوله تعالى : { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } على وجوب النفقة للمرضع على الزوج ، والنفقة تكون على قدر حال الأب من السعة والضيق لقوله تعالى : { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } وقد دل على ذلك أيضاً قوله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ } [ الطلاق : 7 ] وأخذ الفقهاء من آية البقرة { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ } وجوب نفقة الولد على الوالد ، لأن الله أوجب نفقة المطلقة على الوالد في زمن الرضاع لأجل الولد ، فتجب نفقته على أبيه ما دام صغيراً لم يبلغ سن التكليف . قال الجصاص في تفسيره " أحكام القرآن " : وقد حوت الآية الكريمة الدلالة على معنيين : أحدهما : أن الأم أحقّ برضاع ولدها في الحولين ، وأنه ليس للأب أن يسترضع له غيرها إذا رضيت بأن ترضعه . والثاني : أن الذي يلزم الأب في نفقة الرضاع إنما هو سنتان . وفي الآية دلالة على أن الأب لا يشارك في نفقة الرضاع لأن الله أوجب هذه النفقة على الأب للأم ، وهما جميعاً وارثان ، ثم جعل الأب أولى بإلزام ذلك من الأم مع اشتراكهما في الميراث ، فصار ذلك أصلاً في اختصاص الأب بإلزام النفقة دون غيره ، كذلك حكمه في سائر ما يلزمه من نفقة الأولاد الصغار ، والكبار الزمنى ، يختص هو بإيجابه عليه دون مشاركة غيره فيه لدلالة الآية عليه . الحكم الخامس : ما المراد من قوله تعالى : { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } ؟ واختلف المفسّرون في المراد من لفظ { ٱلْوَارِثِ } في الآية الكريمة على أقوال : أ - قال بعضهم : المراد وارث المولود أي وارث الصبي لو مات ، وهو قول عطاء ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقد اختلف أصحاب هذا القول فقال بعضهم وارثه من الرجال خاصة هو الذي تلزمه النفقة ، وقال آخرون : وارثه من الرجال أو النساء وهو قول ( أحمد ) وإسحاق ، وقال آخرون : وارثه كل ذي رحم محرم من قرابة المولود ، وهو قول ( أبي حنيفة ) وصاحبيه . ب - وقال بعضهم : المراد بالوارث هو وارث الأب وهو مروي عن الحسن ، والسُدّي . جـ - وقال بعضهم : المراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر وهو قول سفيان الثوري . د - وقال آخرون : المراد بالوارث الصبي نفسه فتجب النفقة عليه في ماله إن كان له مال . وقد رجح الطبري الرأي الأخير واختاره من بين بقية الأقوال والله أعلم بالصواب . ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - على الأمهات إرضاع الأبناء ، لأن لبن الأم أصلح وشفقتها على ولدها أكمل . 2 - نسب الأولاد للآباء ، والآباءُ أحق بالتعهد والحماية والإنفاق . 3 - النفقة على قدر طاقة الوالد عسراً ويسراً ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . 4 - نفقة الصغير تجب على وارثه عند فقد أبيه لأن الغُرْم بالغنم . 5 - فطام الطفل قبل عامين ينبغي أن يكون بمشورة ورضى الأبوين . خاتمة البحث : حكمة التشريع حث الله تعالى الأمهات على إرضاع الأبناء ، وحدّد مدة الرضاع بعامين كاملين ، لأن هذه المدة يستغني بها الطفل عن ثدي أمه ، ويبدأ بالتغذي بعدها عن طريق تناول الطعام والشراب … وليس هناك لبن يعادل لبن الأم ، فهو أفضل غذاء باتفاق الأطباء فالولد قد تكوّن من دمها في أحشائها ، فلما برز إلى الوجود تحوّل الدم إلى لبنٍ يتغذى منه ، فهو اللبن الذي يلائمه ويناسبه لأنه قد انفصل من الأم ، وقد قضت الحكمة الإلهية أن تكون حالة لبن الأم في التغذية ملائمة لحال الطفل بحسب درجات سنه ، فإذا أرضعته مرضع لضرورة وجب التدقيق في صحتها ، ومعرفة أخلاقها وطبائعها ، لأن لبنها يؤثر في جسم الطفل وأخلاقه وآدابه ، إذ هو يخرج من دمها ويمتصه الولد ، فيكون دماً له ينمو به اللحم ، ويُنشز العظم ، فيؤثر فيه جسمياً وخلقياً ، وقد لوحظ أن تأثير انفعالاتها النفسية والعقلية أشد من تأثير صفاتها البدنية فيه ، فما بالك بآثار عقلها وشعورها وملكاتها النفسية ؟ ! والأم حين ترضع ولدها لا ترضعه اللبن فحسب ، بل ترضعه العطف والرحمة والحنان ، فينشأ مجبولاً على الرحمة ، محباً للخير ، وعلى العكس حال أولئك الذين يحرمون عطف وحنان أمهاتهم ، يكونون معقّدين ، وتفتعل في نفوسهم نوازع القسوة والشر والانتقام ، وقد فطن علماء التربية والتهذيب في الأمم الراقية إلى هذا الأمر ، حتى كان نساء القياصرة يرضعن أولادهن بأنفسهن ، ولا يرضين تسليمهم إلى المراضع . فأين هذا مما نراه اليوم من التهاون في رضاعة الأولاد وسائر شؤونهم ! ! حتى الأمهات اللواتي فطرهن الله تعالى على التلذذ بإرضاع أولادهن والغبطة به ، قد صار نساء الأغنياء منهن في هذا الزمان يرغبن عنه ترفعاً وطمعاً في السمن وبقاء الجمال وكل هذا مقاوم لسنة الفطرة ، ومفسد لتربية الأولاد ، ولسنا نرى ديناً تعرض لمحاسن تربية النشء مثل ما تعرض له الإسلام ، فاللهم وفقنا للاهتداء بهديه الكريم إنك سميع مجيب الدعاء .