Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 234-234)
Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ 18 ] عدة الوفاة التحليل اللفظي { يُتَوَفَّوْنَ } : أي يموتون ويُقبضون قال تعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] وأصل التوفي : أخذ الشيء وافياً كاملاً ، فمن مات فقد استوفى عمره ورزقه . قال أبو السعود : " أي تقبض أرواحهم بالموت ، فإن التوفي هو القبض يقال : توفيت مالي أي قبضته " . وقال الإمام الفخر : " يقال : توفىّ فلان ، وتُفي إذا مات ، فمن قال : تُوفّى كان معناه قُبض وأخذ ، ومن قال : تَوفّى كان معناه توفى أجله واستوفى عمره " . { وَيَذَرُونَ } : أي يتركون ، وهذا الفعل لا يستعمل منه الماضي ولا المصدر ، ومثله ( يدع ) ليس له ماضٍ ولا مصدر ، يقال : فلان يَدع كذا ويَذر ، ويأتي منهما الأمر يقال : دعْهُ وذرْه قال تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } [ المدثر : 11 ] . { أَزْوَاجاً } : الأزواج هٰهنا : النساء ، والعرب تسمي الرجل زوجاً وامرأته زوجاً له ، وربما ألحقوا بها الهاء فقالوا : زوجة وهو خلاف الأفصح . { يَتَرَبَّصْنَ } : التربص الانتظار ومنه قوله تعالى : { فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } [ التوبة : 24 ] وقد تقدم . { بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } : الأجل : المدة المضروبة للشيء ، ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان : أجل قال تعالى : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ … } [ الأعراف : 34 ] والمراد هنا : انقضاء العدة . { خَبِيرٌ } : الخبير العالم بالأمور خفيّها وجليّها الذي لا تخفى عليه خافية . المعنى الإجمالي يقول الله جل ثناؤه ما معناه : الذين يموتون من رجالكم ، ويتركون أزواجهم بعد الموت ، على هؤلاء الزوجات أن ينتظرن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرة أيام ، يمكثن في العدة حداداً على أزواجهن ، فلا يتعرضن للخُطَّاب ، ولا يتزينن ولا يتطيّبن ، ولا يخرجن من بيوت أزواجهن ما دُمْن في العدة فإذا انقضت عدتهن فلا جناح ولا إثم عليكم أيها الأولياء في تركهنّ أن يتزوجن ، ويفعلن ما أباحه لهن الشرع من الزينة والتطيب ، والله عليم بأعمالكم . خبير بأفعالكم ، لا تخفى عليه خافية فاتقوه وأطيعوه في ما أمركم به ، ومنه الحداد على الأزواج . وجوه الإعراب قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } في إعرابه وجهان : أحدهما أن { ٱلَّذِينَ } مبتدأ ، و { يُتَوَفَّوْنَ } مضارع مبني للمجهول ، والخبر محذوف تقديره : فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون . والثاني : أن المبتدأ محذوف و ( الذين ) قام مقامه تقديره : وأزواج الذين يتوفون منكم ، ودل على المحذوف قوله : { وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } والخبر { يَتَرَبَّصْنَ } . قال الطبري : " فإن قال قائل : فأين الخبر عن الذين يتوفون ؟ قيل : متروك لأنه لم يقصد الخبر عنهم ، وإنما قصد الخبر عن الواجب على المعتدات في وفاة أزواجهن ، فصرف الخبر عنهم إلى الخبر عن أزواجهم ، وهو نظير قول الشاعر : @ لعلّي إنْ مالتْ بي الريحُ ميلة على ابن أبي زبّان أن يتندما @@ لطائف التفسير اللطيفة الأولى : الفصيح المستعمل في التعبير عن الموت أن يقال : تُوفي فلان ، بالبناء للمفعول ، والتعبير باسم الفاعل يعده البعض لحناً ، لأنه مقبوضٌ لا قابض ، وقد روي عن أبي الأسود الدؤلي أنه كان خلف جنازة ، فقال له رجل : من المُتَوفّي ؟ فقال : " اللهُ تعالى " وكان هذا من أسباب وضع أحكام النحو . اللطيفة الثانية : الزوج يطلق على الذكر والأنثى ، وهو في الأصل العدد المكّون من اثنين ، وسمي كل من الرجل والمرأة ( زوجاً ) لأن حقيقة الزوج مكونة من شيئين اتحدا فصارا شيئاً واحداً ، ولهذا وضع لهما لفظ واحد ، فهما في الظاهر شيئان ، وفي الباطن شيء واحد ، ومقتضى الزوجية أن يتحدا حتى يكون كل منهما كأنه عين الآخر . اللطيفة الثالثة : روى ابن جرير الطبري عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن امرأة توفي عنها زوجها ، واشتكت عينها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه في الكحل فقال لها : " لقد كانت إحداكنّ تكون في شر أحلاسها ، فتمكث في بيتها في بيتها حولاً إذا توفي زوجها ، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة ، أفلا أربعة أشهر وعشراً ؟ ! " . اللطيفة الرابعة : الحكمة في تحديد عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيام ، هي أن الغاية الأصلية معرفة براءة الرحم ، والجنين يتكون في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم أربعين يوماً علقه ، ثم أربعين يوماً مضغة ، كما دل على ذلك الحديث الصريح الصحيح ، فهذه مائة وعشرون يوماً ، ثم تنفخ فيه الروح بعد هذه المدة ، فزيدت العشر لذلك ، وقد سئل أبو العالية : لم ضمت العشر إلى الأربعة أشهر ؟ فقال : لأن الروح فيها تنفخ . الأحكام الشرعية الحكم الأول : هل الآية ناسخة لآية الاعتداد بالحول ؟ ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله عز وجل : { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } [ البقرة : 240 ] فقد كانت العدة حولاً كاملاً ، ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر ، وهذه الآية وإن كانت متقدمة في ( التلاوة ) على آية الاعتداد بالحول ، إلاّ أنها متأخرة في ( النزول ) فإن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول بل هو توقيفي فتكون ناسخة ، وذهب بعضهم إلى أنه ليس في الآية نسخ ، وإنما هو نقصان من الحول كصلاة المسافر لما نقصت من أربع إلى اثنين لم تكن نسخاً وإنما كانت تخفيفاً . قال القرطبي : " وهذا غلطٌ بيّن ، لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة ، ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشراً فهذا هو النسخ ، وليست صلاة المسافر من هذا في شيء " . الحكم الثاني : ما هي عدة الحامل المتوفي عنها زوجها ؟ عدة الحامل المتوفي عنها زوجها ( وضع الحمل ) لقوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ الطلاق : 4 ] فالآية هذه قد خصّصت العموم الوارد في قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ … } وهذا قول جمهور العلماء . وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أن الحامل تعتدّ بأبعد الأجلين ، بمعنى أنها إذا كانت حاملاً فوضعت الحمل ولم تنته مدة العدة ( أربعة أشهر وعشر ) تبقى معتدة حتى تنتهي المدة ، وإذا انتهت المدة ولم تضع الحمل تنتظر حتى وضع الحمل ، فإذا قعدت أبعد الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين ، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة ، والجمع أولى من الترجيح . قال القرطبي : وهذا نظرٌ حسن لولا ما يعكر عليه من حديث ( سبيعة الأسلمية ) وهو في الصحيح . حجة الجمهور : استدل الجمهور على أن عدة الحامل وضع الحمل بالكتاب والسنة : أ - أما الكتاب فقوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ الطلاق : 4 ] ، فهذه عامة في المطلّقة والمتوفى عنها زوجها ، وقد جعل الله العدة فيها بوضع الحمل . ب - وأما السنة فما روي " عن ( سُبيعة الأسلمية ) أنها كانت تحت ( سعد بن خولة ) وهو ممن شهد بدراً ، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنْشبْ ( أي تلبث ) أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلّت من نفاسها ( أي طهرت من دم النفاس ) تجمّلت للخُطّاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها : ما لي أراك متجملة ، لعلّك ترجِّينَ النكاح ؟ والله ما أنت بناكح حتى يمرّ عليك أربعة أشهر وعشر . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعتُ عليّ ثيابي حين أمسيتُ ، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللْتُ حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدا لي " . قال ابن عبد البر : " وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث ( سُبيْعة ) لمّا احتُج به عليه ، قال : ويصحّح ذلك أن أصحابه أفتوا بحديث سُبيْعة كما هو قول أهل العلم قاطبة " . وقال القرطبي : " فبيّن الحديثُ أن قوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ الطلاق : 4 ] محمول على عمومه في المطلقات ، والمتوفّى عنهن أزواجهن ، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنْفين ، ويعتضد هذا بقول ابن مسعود : " من شاء باهلته ، إن آية النساء القصرى نزلت بعد آية عدة الوفاة " . الحكم الثالث : ما هو الإحداد ، وكم تحد المرأة على زوجها ؟ أوجبت الشريعة الغراء أن تحد المرأة على زوجها المتوفى مدة العدة وهي ( أربعة أشهر وعشر ) ويجوز لها أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام ، ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك ، لما روي في " الصحيحين " عن زينب بنت أم سلمة قالت : دخلت على أم حبيبة حين توفي أبو سفيان ( أبوها ) فدعت أم حبيبة بطيبٍ فيه صفرة خلوق وغيره فدهنت منه جارية ثم مسّت بعارضيها ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً " . معنى الإحداد : والإحداد هو ترك الزينة ، والتطيب ، والخضاب ، والتعرض لأنظار الخاطبين ، وهو إنما وجب على الزوجة وفاءً للزوج ، ومراعاة لحقه العظيم عليها ، فإن الرابطة الزوجية أقدس رباط ، فلا يصح شرعاً ولا أدباً أن تنسى ذلك الجميل ، وقد كانت المرأة تحد على زوجها حولاً كاملاً تفجعاً وحزناً على زوجها ، فنسخ الله ذلك وجعله أربعة أشهر وعشراً . روى البخاري ومسلم " عن أم سلمة أن امرأة قالت يا رسول الله : " إنّ ابنتي تُوفّي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها أفنكحلها ؟ فقال : لا ، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول : لا ! ثم قال : إنما هي أربعة أشهر ، وقد كانت إحداكنّ في الجاهلية تمكث سنة " قالت زينب بنت أم سلمة : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمسّ طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تؤتى بدابة حمارٍ أو شاة فتفتضّ بها ، فقلما تفتضّ بشيء إلا مات . وقد استنبط بعض العلماء وجوب الإحداد من قوله تعالى : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ } أي من زينةٍ وتطيب ، فيفيد تحريم ذلك في العدة وهو استنباط حسن دقيق ، وقال بعضهم : الإحداد يكون بالتربص عن الأزواج والنكاح خاصة وهو ضعيف . قال ابن كثير : " والإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك ، وهو واجب في عدة الوفاة قولاً واحداً ، ولا يجب في عدة الرجعية قولاً واحداً ، وهل يجب في عدة البائن فيه قولان ، ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء في ذلك الصغيرة ، والآيسة ، والحرة ، والأمة ، والمسلمة ، والكافرة لعموم الآية " . الحكم الرابع : لماذا شرعت العدة على المرأة ؟ ذكر العلماء لحكمة مشروعية العدة وجوهاً عديدة نجملها فيما يلي : أ - معرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض . ب - للتعبد امتثالاً لأمر الله عز وجل حيث أمر بها النساء المؤمنات . جـ - إظهار الحزن والتفجع على الزوج بعد الوفاة اعترافاً بالفضل والجميل . د - تهيئة فرصة للزوجين ( في الطلاق ) لإعادة الحياة الزوجية عن طريق المراجعة . هـ - التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لا يتم إلا بانتظار طويل ، ولولا ذلك لأصبح بمنزلة لعب الصبيان ، يتم ثم ينفك في الساعة . خاتمة البحث : حكمة التشريع فرض الله العدة على المسلمة ، حفاظاً على كرامة الأسرة ، ورعاية لها من التحلل والتفكك واختلاط الأنساب ، وإحداداً على الزوج بإظهار التفجع والحزن عليه بعد الوفاة ، احتراماً للرابطة المقدسة ( رابطة الزواج ) واعترافاً بالفضل والجميل لمن كان شريكاً في الحياة ، وقد كانت العدة في الجاهلية حولاً كاملاً ، وكانت المرأة تحد على زوجها شرّ حداد وأقبحه ، فتلبس شرّ ملابسها ، وتسكن شر الغُرف وهو ( الحفش ) وتترك الزينة والتطيب والطهارة ، فلا تمسّ ماءً ، ولا تقلّم ظفراً ، ولا تزيل شعراً ، ولا تبدو للناس في مجتمعهم ، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر ، وأنتن رائحة ، فتنتظر مرور كلب لترمي عليه بعرة احتقاراً لهذه المدة التي قضتها ، وتعظيماً لحق زوجها عليها . فلما جاء الإسلام أصلح هذه الحال ، فجعل الحداد رمز ( طهارة ) لا رمز ( قذارة ) ، وجعل العدة على نحو الثلث مما كانت عليه ، ولم يحرّم إلا الزينة والطيب والتعرض لأنظار الخاطبين من مريدي الزواج ، دون النظافة والطهارة فإنهما شعار المسلم ، وأباح له الجلوس في كل مكان من البيت ، كما أباح لها الاجتماع مع النساء والمحارم من الرجال . ونساء المسلمين اليوم لا يسرن على هدي الإسلام في الحداد ، فمنهن من تغالي في الحداد ، وتغرق في النوح والندب ، والخروج على المألوف من العادات ، في اللباس والطعام والشراب ، ولا يخصصن الزوج بما خصه به الشرع ، بل ربما حددن على آبائهن أو أولادهن السنة والسنتين ، وربما تركن الحداد على الزوج بعد الأربعين . فالخير كل خير في إصلاح هذه العادات الرديئة في الحداد ، إذ لا فائدة فيها إلاّ إفناء المال في تغيير اللباس والأثاث والرياش ، وفساد آداب المعاشرة ، ولا سبيل إلاّ بالعودة لأحكام الشرع بالحداد ثلاثة أيام على القريب ، وأربعة أشهر وعشراً على الزوج ، وجعل الحداد مقصوراً على ترك الزينة والطيب والخروج من المنزل .