Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 235-237)
Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ 19 ] خطبة المرأة واستحقاق المهر التحليل اللفظي { عَرَّضْتُمْ } : التعريض : الإيماء والتلويح من غير كشفٍ أو إظهار ، وهو أن تفهم المخاطب بما تريد بضرب من الإشارة بدون تصريح ، وهو مأخوذ من عرْض الشيء أي جانبه . قال في " اللسان " : وعرّض بالشيء : لم يبيّنه ، والتعريض خلاف التصريح ، والمعاريض : التورية بالشيء عن الشيء وفي الحديث : " إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب " والتعريضُ في خِطْبة المرأة : أن يتكلم بكلام يشبه خطبتها ولا يصرّح به كأن يقول : إنك لجميلة ، وإنك لنافقة ، وإنك إلى خير ، كما يقول المحتاج للمعونة : جئت لأسلّم عليك ، ولأنظر إلى وجهك الكريم ، ولذلك قالوا : @ وحسبك بالتسليم مني تقاضينا @@ { خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } : الخطبة بكسر الخاء طلب النكاح ، وبالضم معناها : ما يوعظ به من الكلام كخطبة الجمعة ، وفي الحديث " لا يخطِبن أحدكم على خِطْبة أخيه " . { أَكْنَنتُمْ } : سترتم وأضمرتم ، والإكنان : السرّ والخفاء . قال ابن قتيبة : أكننتُ الشيء : إذا سترته ، وكننتُه : إذا صُنته ، ومنه قوله تعالى : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } [ الصافات : 49 ] . { لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } : المراد بالسر هنا : النكاح ذكره الزجاج وأنشد : @ ويحرم سرّ جارتهم عليهم ويأكل جارُهم أنف القصاع @@ قال ابن قتيبة : استعير السرّ للنكاح ، لأن النكاح يكون سراً بين الزوجين . والمعنى : لا تواعدوهن بالزواج وهنّ في حالة العدة إلا تلميحاً . { عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ } : العُقدة من العقد وهو الشدُ ، وفي المثل : ( يا عاقدُ اذكر حلاً ) . قال الراغب : العُقدة : اسم لما يعقد من نكاح ، أو يمين ، أو غيرهما . وقال الزجاج معناه : لا تعزموا على عقدة النكاح ، حذفت ( على ) استخفافاً كما قالوا : ضرب زيد الظهر والبطن ، معناه : على الظهر والبطن . { أَجَلَهُ } : أي نهايته ، والمراد بالكتاب : الفرض الذي فرضه الله على المعتدة من المكث في العدة . ومعنى قوله : { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } : أي حتى تنقضي العدة . { فَٱحْذَرُوهُ } : أي اتقوا عقابه ولا تخالفوا أمره ، وفيه معنى التهديد والوعيد . { حَلِيمٌ } : يمهل العقوبة فلا يعجّل بها ، ومن سنته تعالى أنه يمهل ولا يهمل . { ٱلْمُوسِعِ } : الذي يكون في سعة لغناه ، يقال أوسع الرجل : إذا كثر ماله . { ٱلْمُقْتِرِ } : الذي يكون في ضيق لفقره ، يقال : أقتر الرجل : إذا افتقر ، وأقتر على عياله وقتّر إذا ضيّق عليهم في النفقة . { تَمَسُّوهُنَّ } : المسّ : إمساك الشيء باليد ، ومثلُه المِساسُ والمسيسُ . قال الراغب : المسُ كاللمس ويقال لما يكون إدراكه بحاسة اللمس ، وكنيّ به عن الجماع فقيل : مسّها وماسّها قال تعالى : { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [ آل عمران : 47 ] . { فَرِيضَةً } : الفريضة في الأصل ما فرضه الله على العباد ، والمراد بها هنا المهر لأنه مفروض بأمر الله . { يَعْفُونَ } : معناه : يتركن ويصفحن والمراد أن تسقط المرأة حقها من المهر . المعنى الإجمالي بيّن تعالى حكم خطبة النساء المعتدات بعد وفاة أزواجهن فقال جل ثناؤه ما معناه : " لا ضيق ولا حرج عليكم أيها الرجال ، في إبداء الرغبة بالتزوج بالنساء المعتدات ، بطريق التلميح لا التصريح ، فإن الله تعالى يعلم ما أخفيتموه في أنفسكم من الميل نحوهن ، والرغبة في الزواج بهن ، ولا يؤاخذكم على ذلك ، ولكن لا يصح أن تجهروا بهذه الرغبة وهنّ في حالة العدة ، إلاّ بطريق التعريض وبالمعروف ، بشرط ألاّ يكون هناك فحش أو إفحاش في الكلام ، ولا تعزموا النية على عقد النكاح حتى تنتهي العدة ، واعلموا أن الله مطلع على أسراركم وضمائركم ومحاسبكم عليه . ثم ذكر تعالى حكم المطلّقة قبل الفرض والمسيس ، فرفع الإثم عن الطلاق قبل الدخول ، لئلا يتوهم أحد أن الطلاق في هذه الحالة محظور ، وأمر بدفع المتعة لهن تطييباً لخاطرهن ، على قدر حال الرجل في الغنى والفقر ، وجعله نوعاً من الإحسان لجبر وحشة الطلاق ، وأمّا إذا كان الطلاق قبل المساس وقد ذُكر المهر ، فللمطلّقة نصف المسمّى المفروض ، إلا إذا أسقطت حقها ، أو دفع الزوج لها كامل المهر ، أو أسقط ولي أمرها الحق إذا كانت صغيرة . ثم ختم تعالى الآية بالتذكير بعدم نسيان المودة ، والإحسان ، والجميل بين الزوجين ، فإذا كان الطلاق قد تمّ لأسباب ضرورية قاهرة ، فلا ينبغي أن يكون هذا قاطعاً لروابط المصاهرة ووشائج القربى . سبب النزول قال الخازن في " تفسيره " : " نزلت هذه الآية { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } في رجل من الأنصار ، تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسمّ لها صداقاً ، ثم طلقها قبل أن يمسها فنزلت { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } الآية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمتعها ولو بقلنسوتك " . وجوه القراءات 1 - قرأ الجمهور { مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } وقرأ حمزة والكسائي ( تُماسُوهنّ ) بألف وضم التاء في الموضعين هنا وفي الأحزاب ، وهو من باب المفاعلة كالمباشرة والمجامعة . 2 - قرأ الجمهور { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ } بالرفع ، وقرأ ابن كثير ونافع ( قدْرُه ) بسكون الدال . 3 - قرأ الجمهور { وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } وقرئ ( وأن يَعْفوا ) بالياء . وجوه الإعراب أولاً - قوله تعالى : { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } لكنْ حرفُ استدراك ، والمستدرك محذوف تقديره علم الله أنكم ستذكرونهنّ فاذكروهن ولكن لا توعدوهن و ( سرّاً ) مفعول به لأنه بمعنى النكاح ، أي لا تواعدوهنّ نكاحاً ، ويصح أن يعرب على أنه حال تقديره مستخفين ، والمفعول محذوف أي لا تواعدوهن النكاح سراً . ثانياً - قوله تعالى : { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ } منصوب بنزع الخافض أي على عقدة النكاح . ثالثاً - قوله تعالى : { مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } ما : مصدرية والزمان معها محذوف تقديره : في زمن ترك مسهنّ ، وقيل : ( ما ) شرطية أي ( إن لم تمسوهن ) . رابعاً - قوله تعالى : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } خبر لمبتدأ محذوف تقديره : فالواجب نصف ما فرضتم أو فعليكم نصف ما فرضتم ، و ( ما ) اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : أباح القرآن ( التعريض ) في خطبة المعتدة دون التصريح ، ومن صور التعريض أن يقول : إنك لجميلة ، أو صالحة ، أو نافقة ، أو يذكر الشخص مآثره أمامها . روى ابن المبارك عن عبد الرحمٰن بن سليمان عن خالته ( سُكينة بنت حنظلة ) قالت : " دخل عليّ ( أبو جعفر ) محمد بن علي وأنا في عدتي ، فقال : أنا من علمتِ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقّ جدي عليّ ، وقدمي في الإسلام ، فقلت : غفر الله لك يا أبا جعفر ، أتخطبني في عدتي ، وأنتَ يؤخذ عنك ؟ فقال : أو قد فعلتُ ؟ إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة حين توفي عنها زوجها ( أبو سلمة ) فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر لها منزلته من الله ، وهو متحامل على يده حتى أثَّر الحصير في يده فما كانت تلك خِطبة " . اللطيفة الثانية : قال الزمخشري : " السرّ في الآية { لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء لأنه ممّا يُسر ، قال الأعشى : @ ولا تقربَنْ من جارةٍ إنّ سرّها عليكَ حرامٌ فانكحنْ أو تأبدا @@ ثمّ عبّر فيه عن النكاح الذي هو العقد ، لأنه سبب فيه كما فعل بالنكاح . اللطيفة الثالثة : ذكر العزم في الآية { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ } للمبالغة في النهي عن مباشرة النكاح في العدة ، لأن العزم على الفعل يتقدمه ، فإذا نهي عنه كان النهي عن الفعل أولى . اللطيفة الرابعة : عبّر تعالى بالمساس عن الجماع ، وهو من الكنايات اللطيفة التي استعملها القرآن الكريم . قال أبو مسلم : " وإنما كنّى تعالى بقوله : { تَمَسُّوهُنَّ } عن المجامعة ، تأديباً للعباد في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون به " . اللطيفة الخامسة : الخطاب في قوله تعالى : { وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } وفي قوله : { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } للرجال والنساء جميعاً ورد بطريق التغليب . قال الفخر : " إذا اجتمع الرجال والنساء في الخطاب كانت الغلبة للذكور ، لأن الذكورة أصل ، والتأنيث فرع ، ألا ترى أنك تقول : قائم ثم تريد التأنيث فتقول : قائمة " . اللطيفة السادسة : الحكمة في إيجاد المتعة للمطلقة جبر إيحاش الطلاق ، والتخفيف عن نفسها بالمواساة بالمال . قال ابن عباس : إن كان موسراً متّعها بخادم ، وإن كان معسراً متعها بثلاثة أثواب . اللطيفة السابعة : روي أن ( الحسن بن علي ) متّع بعشرة آلاف فقالت المرأة : @ متاعٌ قليلٌ من حبيب مفارق @@ وسبب طلاقه إيّاها ما روي أنّ ( عائشة الخثعمية ) كانت عند الحسن بن علي بن أبي طالب ، فلمّا أصيب عليّ وبويع الحسن بالخلافة قالت : لتَهْنكَ الخلافة يا أمير المؤمنين ! فقال : يُقتل عليّ وتظهرين الشماتة ؟ إذهبي فأنت طالق ثلاثاً ، فتلفعت بجلبابها ، وقعدت حتى انقضت عدتها ، فبعث إليها بعشرة آلاف متعة ، وبقية ما بقي لها من صداقها فقالت : @ متاع قليل من حبيب مفارق @@ فلما أخبره الرسول بكى وقال : لولا أني أبنتُ الطلاق لها لراجعتها . الأحكام الشرعية الحكم الأول : ما هو حكم خطبة النساء ؟ النساء في حكم ( الخِطْبة ) على ثلاثة أقسام : أحدها : التي تجوز خطبتها ( تعريضاً وتصريحاً ) وهي التي ليست في عصمة أحد من الأزواج ، وليست في العدة ، لأنه لمّا جاز نكاحها جازت خطبتها . الثاني : التي لا تجوز خطبتها ( لا تصريحاً ، ولا تعريضاً ) وهي التي في عصمة الزوجية ، فإنّ خطبتها وهي في عصمة آخر إفساد للعلاقة الزوجية وهو حرام ، وكذلك حكم المطلّقة رجعياً فإنها في حكم المنكوحة . الثالث : التي تجوز خطبتها ( تعريضاً ) لا ( تصريحاً ) وهي المعتدة في الوفاة ، وهي التي أشارت إليها الآية الكريمة : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } ومثلها المعتدة البائن المطلّقة ثلاثاً فيجوز التعريض لها دون التصريح . والدليل على حرمة التصريح ما قاله الشافعي رحمه الله : " لمّا خُصّص التعريض بعدم الجناح ، وجب أن يكون التصريح بخلافه " وهذا الاستدلال دلّ عليه مفهوم المخالفة . الحكم الثاني : هل النكاح في العدة صحيح أم فاسد ؟ حرّم الله النكاح في العدة ، وأوجب التربص على الزوجة ، سواءً كان ذلك في عدة الطلاق ، أو في عدة الوفاة ، وقد دلت الآية وهي قوله تعالى : { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } على تحريم العقد على المعتدة ، واتفق العلماء على أن العقد فاسد ويجب فسخه لنهي الله عنه . وإذا عقد عليها وبنى بها فُسخ النكاح ، وحرمت على التأبيد عند ( مالك وأحمد ) فلا يحل نكاحها أبداً عندهما لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك ، ولأنه استحلّ ما لا يحل فعوقب بحرمانه ، كالقاتل يعاقب بحرمانه من الميراث . وقال أبو حنيفة والشافعي : يُفسخ النكاح ، فإذا خرجت من العدة كان العاقد خاطباً من الخطاب ، ولم يتأبد التحريم ، لأنّ الأصل أنها لا تحرم إلا بدليل من كتابٍ ، أو سنةٍ ، أو إجماع ، وليس في المسألة شيء من هذا ، وقالوا : إنّ الزنى أعظم من النكاح في العدة ، فإذا كان الزنى لا يحرمها عليه تحريماً مؤبداً ، فالوطء بشبهة أحرى بعدم التحريم ، وما نقل عن عمر فقد ثبت رجوعه عنه . قضاء عمر رضي الله عنه في الحادثة روى ابن المبارك بسنده عن مسروق أنه قال : " بلغ عمر أن امرأةً من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها ، فأرسل إليهما ففرّق بينهما وعاقبهما ، وقال : لا ينكحْها أبداً ، وجعل الصداق في بيت المال ، وفشا ذلك بين الناس فبلغ علياً كرّم الله وجهه فقال : يرحم الله أمير المؤمنين ! ما بال الصداق وبيت المال ! إنما جهلا فينبغي أن يردهما السنة . قيل : فما تقول أنت فيهما ؟ قال : لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثم يخطبها إن شاء . فبلغ ذلك عمر فقال : يا أيها الناس ردّوا الجهالات إلى السنة " . الحكم الثالث : ما هو حكم المطلقة قبل الدخول ؟ وضحّت الآيات الكريمة أحكام المطلقات ، وذكرت أنواعهنّ وهنّ كالتالي : أولاً : مطّلقة مدخول بها ، مسمّى لها المهر . ثانياً : مطلّقة غير مدخول بها ، ولا مسمّى لها المهر . ثالثاً : مطلّقة غير مدخول بها ، وقد فرض لها المهر . رابعاً : مطلّقة مدخول بها ، وغير مفروض لها المهر . فالأولى ذكر الله تعالى حكمها قبل هذه الآية ، عدّتُها ثلاثة قروء ، ولا يُسترد منها شيء من المهر { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [ البقرة : 228 ] { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } [ البقرة : 229 ] . والثانية : ذكر الله تعالى حكمها في هذه الآية ، ليس لها مهرٌ ، ولها المتعة بالمعروف لقوله تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ … } [ البقرة : 236 ] الآية كما أن هذه ليس عليها عدة باتفاق لقوله تعالى في سورة الأحزاب [ 49 ] { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } والثالثة : ذكرها الله تعالى بعد هذه الآية ، لها نصف المهر ولا عدة عليها أيضاً لقوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } . والرابعة : ذكرها الله تعالى في سورة النساء [ 24 ] بقوله : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ النساء : 24 ] فهذه يجب لها مهر المثل . قال الرازي ويدل عليه أيضاً القياس الجلي ، فإن الأمة مجمعة على أن الموطوءة بشبهة لها مهر المثل ، فالموطوءة بنكاح صحيح أولى بهذه الحكم . الحكم الرابع : هل المتعة واجبة لكل مطلّقة ؟ دل قوله تعالى : { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } على وجوب المتعة للمطلّقة قبل المسيس وقبل الفرض ، وقد اختلف الفقهاء هل المتعة واجبة لكل مطلقة ؟ فذهب ( الحسن البصري ) إلى أنها واجبة لكل واجبة لكل مطلّقة للعموم في قوله تعالى : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 241 ] . وقال مالك : إنها مستحبة للجميع وليست واجبة لقوله تعالى : { حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 241 ] و { حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين . وذهب الجمهور ( الحنفية والشافعية والحنابلة ) إلى أنها واجبة للمطلّقة التي لم يفرض لها مهر ، وأمّا التي فرض لها مهر فتكون المتعة لها مستحبة وهذا مروي عن ( ابن عمر ) و ( ابن عباس ) و ( علي ) وغيرهم ، ولعله يكون الأرجح جمعاً بين الأدلة والله أعلم . الحكم الخامس : ما معنى المتعة وما هو مقدارها ؟ المتعة : ما يدفعه الزوج من مال أو كسوة أو متاع لزوجته المطلّقة ، عوناً لها وإكراماً ، ودفعاً لوحشة الطلاق الذي وقع عليها ، وتقديرُها مفوض إلى الاجتهاد . قال مالك : ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها . وقال الشافعي : المستحب على الموسع خادم ، وعلى المتوسط ثلاثون درهماً ، وعلى المقتر مقنعة . وقال أبو حنيفة : أقلها درع وخمار وملحفة ، ولا تزاد على نصف المهر . وقال أحمد : هي درع وخمار بقدر ما تجزئ فيه الصلاة ، ونقل عنه أنه قال : هي بقدر يسار الزوج وإعساره { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وهي مقدرة باجتهاد الحاكم ، ولعل هذا الرأي الأخير أرجح والله أعلم . ما ترشد إليه الآيات الكريمة 1 - جواز التعريض في خطبة المعتدة من الوفاة ومن الطلاق البائن . 2 - حرمة عقد النكاح على المعتدّة في حالة العدة وفساد هذا العقد . 3 - المتعة واجبة لكل مطلّقة لم يذكر لها مهر ، ومستحبة لغيرها من المطلقات . 4 - إباحة تطليق المرأة قبل المسيس إذا كانت ثمة ضرورةٌ ملّحة . 5 - المطلّقة قبل الدخول لها نصف المهر إذا كان المهر مذكوراً . خاتمة البحث : حكمة التشريع شرع الباري جل وعلا المتعة للمطلّقة ، وجعلها على قدر حال الرجل يساراً وإعساراً ، وهذه ( المتعة ) واجبة للمطلّقة قبل الدخول ، التي لم يُسمّ مهر ، ومستحبة لسائر المطلقات . والحكمة في شرعها أنّ في الطلاق قبل الدخول امتهاناً للمرأة وسوء سمعة لها ، وفيه إيهامٌ للناس بأن الزوج ما طلّقها إلاّ وقد رابه شيء منها في سلوكها وأخلاقها ، فإذا هو متّعها متاعاً حسناً تزول هذه الغضاضة ، ويكون ذلك شهادة لها بأن سبب الطلاق كان من قِبَله ، لا من قِبَلها ، ولا علة فيها ، فتحتفظ بما كان لها من صيتٍ وشهرة طيبة ، ويتسامع الناس فيقولون : إن فلاناً أعطى فلانة كذا وكذا فهو لم يطلقها إلا لعذر ، وهو معترف بفضلها مقر بجميلها ، فيكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها ، ويكون أيضاً كالمرهم لجرح القلب ، وجبر وحشة الطلاق . وقد أمرنا الإسلام أن نحافظ على الأعراض بقدر الطاقة ، وأن نصون كرامة الناس عن القيل والقال ، ولهذا أمر حتى في حالة الطلاق الذي يسبّب في الغالب النزاع والبغضاء بأن لا ننسى الجميل والمودة والإحسان { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] فإن الروابط في النكاح والمصاهرة روابط مقدسة ، فينبغي لمن تزوج من أسرة ثم طلّق ، ألاّ ينسى مودة أهل ذلك البيت وصلتهم ، فأين نحن المسلمين من هدي هذا الكتاب المبين ؟ ! وأين نحن من إرشاداته الحكيمة ، وآدابه الفاضلة ؟ !