Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-22)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الآية لما قدّم اختلاف الناس في الدين وذكر ثلاث طوائف : المؤمنين ، والكافرين والمنافقين : أتبع ذلك بدعوة الخلق إلى عبادة الله ، وجاء بالدعوة عامة للجميع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } يدخل فيه الإيمان به سبحانه وتوحيده وطاعته ، فالأمر بالإيمان به لمن كان جاحداً ، والأمر بالتوحيد لمن كان مشركاً ، والأمر بالطاعة لمن كان مؤمناً { لَعَلَّكُمْ } يتعلق بخلقكم : أي خلقكم لتتقوه كقوله : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] أو بفعل مقدّر من معنى الكلام أي : دعوتكم إلى عبادة الله لعلكم تتقون ، وهذا أحسن . وقيل يتعلق بقوله : " اعبدوا " وهذا ضعيف . وإن كانت لعل للترجي ؛ فتأويله أنه في حق المخلوقين ، جرياً على عادة كلام العرب ، وإن كانت للمقاربة أو التعليل فلا إشكال ، والأظهر فيها أنها لمقاربة الأمر نحو : عسى ، فإذا قالها الله : فمعناها أطباع العباد وهكذا القول فيها حيث ما وردت في كلام الله تعالى : { ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً } تمثيل لما كانوا يقعدون وينامون عليها ؛ كالفراش فهو مجاز وكذلك السماء بناء { مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ } من للتبعيض أو لبيان الجنس ، لأن الثمرات هو المأكول من الفواكه وغيرها والباء في به سببية ، أو كقولك : كتبت بالقلم ؛ لأنّ الماء سبب في خروج الثمرات بقدرة الله تعالى : { فَلاَ تَجْعَلُواْ } لا ناهية أو نافية ، وانتصب الفعل بإضمار أن بعد الفاء في جواب اعبدوا ، والأول أظهر { أَندَاداً } يراد به هنا الشركاء المعبودون مع الله جلّ وعلا { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } حذف مفعوله مبالغة وبلاغة أي : وأنتم تعلمون وحدانيته بما ذكر لكم من البراهين ، وفي ذلك بيان لقبح كفرهم بعد معرفتهم بالحق ، ويتعلق قوله بلا تجعلوا بما تقدّم من البراهين ، ويحتمل أن يتعلق بقوله : { ٱعْبُدُواْ } والأول أظهر . فوائد ثلاث الأولى : هذه الآية ضمنت دعوة الخلق إلى عبادة الله بطريقين : أحدهما : إقامة البراهين بخلقتهم وخلقة السمٰوات والأرض والمطر والسمٰوات . والآخر : ملاطفة جميلة بذكر ما لله عليهم من الحقوق ومن الإنعام ، فذكر أوّلاً ربوبيته لهم ، ثم ذكر خلقته لهم وآبائهم ، لأنّ الخالق يستحق أن يعبد ، ثم ذكر ما أنعم الله به عليهم من جعل الأرض فراشاً والسماء بناء ، ومن إنزال المطر ، وإخراج الثمرات ، لأنّ المنعم يستحق أن يعبد ويشكر ، وانظر قوله : جعل لكم ، ورزقاً لكم : يدلك على ذلك لتخصيصه ذلك بهم في ملاطفة وخطاب بديع . الثانية : المقصود الأعظم من هذه الآية : الأمر بتوحيد الله وترك ما عبد من دونه لقوله في آخرها : فلا تجعلوا لله أنداداً ، وذلك هو الذين يترجم عنه بقولنا : لا إله إلاّ الله ، فيقتضي ذلك الأمر بالدخول في دين الإسلام الذي قاعدته التوحيد ، وقول لا إله إلاّ الله تكون في القرآن ذكر المخلوقات ، والتنبيه على الاعتبار في الأرض والسمٰوات والحيوان والنبات والرياح والأمطار والشمس والقمر والليل والنهار ، وذلك أنها تدّل بالعقل على عشرة أمور . وهي : أن الله موجود ، لأنّ الصنعة دليل على الصانع لا محالة ، وأنه واحد لا شريك له ، لأنه لا خالق إلاّ هو { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] وأنه حيّ قدير عالم مريد ، لأنّ هذه الصفات الأربع من شروط الصانع . إذ لا تصدر صنعة عمن عدم صفة منها ، وأنه قديم لأنه صانع للمحدثات ، فيستحيل أن يكون مثلها في الحدوث ، وأنه باق ، لأنّ ما ثبت قدمه استحال عدمه ، وأنه حكيم ، لأنّ آثار حكمته ظاهرة في إتقانه للمخلوقات وتدبيره للملكوت ، وأنه رحيم ، لأن في كل ما خلق منافع لبني آدم سخر لهم ما في السمٰوات وما في الأرض . وأكثر ما يأتي ذكر المخلوقات في القرآن في معرض الاستدلال على وجوده تعالى وعلى وحدانيته . فإن قيل : لم قصر الخطاب بقوله لعلكم تتقون على المخاطبين دون الذين من قبلهم ، مع أنه أمر الجميع بالتقوى ؟ فالجواب : أنه لم يقصره عليهم ولكنه غلَّب المخاطبين على الغائبين في اللفظ ، والمراد الجميع . فإن قيل : هلا قال لعلكم تعبدون مناسبة لقوله اعبدوا ؟ فالجواب : أنّ التقوى غاية العبادة وكمالها ، فكان قوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أبلغ وأوقع في النفوس .