Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 40-48)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } لما قدم دعوة الناس عموماً وذكر مبدأهم : دعا بني إسرائيل خصوصاً وهم اليهود ، وجرى الكلام معهم من هنا إلى حزب سيقول السفهاء فتارة دعاهم بالملاطفة وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم ، وتارة بالتخويف ، وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم ، وذكر العقوبات التي عاقبهم بها . فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء ، وهي : { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } [ البقرة : 49 ] { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [ البقرة : 50 ] ، { بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } [ البقرة : 56 ] ، { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } [ البقرة : 57 ] ، { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } [ البقرة : 57 ] ، { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم } [ البقرة : 52 ] ، { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 54 ] ، { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ } [ البقرة : 58 ] ، { آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ البقرة : 53 ] ، { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [ البقرة : 60 ] . وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء : قوله سمعنا وعصينا ، واتخذتم العجل ، وقالوا أرنا الله جهرة ، وبدل الذين ظلموا ولن نصبر على طعام واحد ، ويحرفونه ، وتوليتم من بعد ذلك ، وقست قلوبكم ، وكفرهم بآيات الله ، وقتلهم الأنبياء بغير حق . وذكر من عقوباتهم عشرة أشياء : ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ، ويعطوا الجزية ، واقتلوا أنفسكم ، وكونوا قردة ، وأنزلنا عليهم رجزاً من السماء ، وأخذتكم الصاعقة ، وجعلنا قلوبهم قاسية ، وحرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، وهذا كله جزاء لآبائهم المتقدمين ، وخوطب المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم متبعون لهم راضون بأحوالهم ، وقد وبخ المعاندين لمحمد صلى الله عليه وسلم بتوبيخات أخر ، وهي : كتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم مع معرفتهم به ، ويحرّفون الكلم ويقولون هذا من عند الله ، وتقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم ، وحرصهم على الحياة وعداوتهم لجبريل واتباعهم للسحر ، وقولهم نحن أبناء الله ، وقولهم يد الله مغلولة . { نِعْمَتِي } اسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع ، ومعناه : عام في جميع النعم التي على بني إسرائيل مما اشترك فيه معهم غيرهم أو اختصهم به كالمن والسلوى ، وللمفسرين فيه أقوال تحمل على أنها أمثلة ، واللفظ يعم النعم جميعاً { بِعَهْدِيۤ } مطلق في كل ما أخذ عليهم من العهود وقيل : الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك قويّ لأنه مقصود الكلام { بِعَهْدِكُمْ } دخول الجنة { وَإِيَّٰىَ } مفعول بفعل مضمر مؤخر لانفصال الضمير ، وليفيد الحصر يفسره فارهبون ، ولا يصح أن يعمل فيه فارهبون ؛ لأنه قد أخذ معموله ، وكذلك إياي فاتقون { بِمَآ أَنزَلْتُ } يعني القرآن { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } أي مصدّقاً للتوراة ، وتصديق القرآن للتوراة وغيرها ، وتصديق محمد صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمتقدمين له ثلاث معان : أحدها : أنهم أخبروا به ثم ظهر كما قالوا فتبين صدقهم في الإخبار به ، والآخر : أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب ، فهو مصدق لهم أي شاهد بصدقهم ، والثالث : أنه وافقهم فيما في كتبهم من التوحيد وذكر الدار الآخرة وغير ذلك من عقائد الشرائع فهو مصدق لهم لاتفاقهم في الإيمان بذلك { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } الضمير عائد على القرآن ، وهذا نهيٌ عن المسابقة إلى الكفر به ، ولا يقتضي إباحة الكفر في ثاني حال ؛ لأن هذا مفهوم معطل ؛ بل يقتضي الأمر بمبادرتهم إلى الإيمان به لما يجدون من ذكره ، ولما يعرفون من علامته ، { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً } : الاشتراء هنا استعارة في الاستبدال : كقوله : اشتروا الضلالة بالهدى ، والآيات هنا هي الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والثمن القليل ما ينتفعون به في الدنيا من بقاء رياستهم ، وأخذ الرشا على تغيير أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك ، وقيل : كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك ، واحتج الحنفية بهذه الآية على منع الإجارة على تعليم القرآن { ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } الحق هنا يراد به نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، والباطل الكفر به ، وقيل : الحق التوراة ، والباطل ما زادوا فيها . { وَتَكْتُمُواْ } معطوف على النهي ، أو منصوب بإضمار أن في جواب النهي ، والواو بمعنى الجمع ، والأوّل أرجح ، لأنّ العطف يقتضي النهي عن كل واحد من الفعلين ، بخلاف النصب بالواو ، فإنه إنما يقتضي النهي عن الجمع بين الشيئين ، لا النهي عن كل واحد على انفراده { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي تعلمون أنه حق { ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } يراد بها صلاة المسلمين وزكاتهم ، فهو يقتضي الأمر بالدخول في الإسلام { وَٱرْكَعُواْ } خصص الركوع بعد ذكر الصلاة لأنّ صلاة اليهود بلا ركوع فكأنه أمر بصلاة المسلمين التي فيها الركوع ، وقيل : اركعوا للخضوع والانقياد { مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } مع المسلمين ؛ فيقتضي ذلك الأمر بالدخول في دينهم ، وقيل : الأمر بالصلاة مع الجماعة . { أَتَأْمُرُونَ } تقريع وتوبيخ لليهود { بِٱلْبِرِّ } عام في أنواعه ؛ فوبخهم على أمر الناس وتركهم له ، وقيل : كان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يتبعونه ، وقال ابن عباس : بل كانوا يأمرون باتباع التوراة ، ويخالفون في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه وسلم { وَتَنْسَوْنَ } أي تتركون ، وهذا تقريع { تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ } حجة عليهم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } توبيخ { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } قيل : معناه استعينوا بها على مصائب الدنيا ، وقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة " ونُعي إلى ابن عباس أخوه فقام إلى الصلاة فصلّى ركعتين وقرأ الآية ، وقيل : استعينوا بهما على طلب الآخرة ، وقيل : الصبر هنا الصوم ، وقيل : الصلاة هنا الدعاء { وَإِنَّهَا } الضمير عائد على العبادة التي تضمنها الصبر والصلاة ، أو على الاستعانة أو على الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي شاقة صعبة { يَظُنُّونَ } هنا : يتيقنون { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } أي أهل زمانهم ، وقيل تفضيل من وجه مّا هو كثرة الأنبياء وغير ذلك { لاَّ تَجْزِي } لا تغني . وشيئاً مفعول به أو صفة لمصدر محذوف ، والجملة في موضع الصفة ، وحذف الضمير أي فيه { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ } ليس نفي الشفاعة مطلقاً ، فإنّ مذهب أهل الحق ثبوت الشفاعة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله تعالى : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ولقوله : { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } [ يونس : 3 ] ولقوله : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] وانظر ما ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن في الشفاعة فيقال له : " اشفع تشفع " فكل ما ورد في القرآن من نفي الشفاعة مطلقاً يحمل على هذا ؛ لأنّ المطلق يحمل على المقيد ، فليس في هذه الآيات المطلقة دليل للمعتزلة على نفي الشفاعة { عَدْلٌ } هنا فدية { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } جمع لأنّ النفس المذكورة يراد بها نفوس .