Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 159-160)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ } ما زائدة للتأكيد { لاَنْفَضُّواْ } أي تفرقوا { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } فيما يختص بك { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } فيما يختص بحق الله { وَشَاوِرْهُمْ } المشاورة مأمور بها شرعاً ، وإنما يشاور النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الرأي في الحروب وغيرها ، لا في الأحكام الشرعية ، وقال ابن عباس : وشاورهم في بعض الأمر { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } التوكل هو الاعتماد على الله في تحصيل المنافع أو حفظها بعد حصولها ، وفي دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها ، وهو من أعلى المقامات ، لوجهين : أحدهما قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } والآخر : الضمان الذي في قوله : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطلاق : 3 ] وقد يكون واجباً لقوله تعالى : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ المائدة : 23 ] فجعله شرطاً في الإيمان ، والظاهر قوله جل جلاله ، { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران : 122 ] فإن الأمر محمول على الوجوب . واعلم أن الناس في التوكل على ثلاث مراتب : الأولى : أن يعتمد العبد على ربه ، كاعتماد الإنسان على وكيله المأمون عنده الذي لا يشك في نصيحته له ، وقيامه بمصالحه . والثانية : أن يكون العبد مع ربه كالطفل مع أمه ، فإنه لا يعرف سواها ، ولا يلجأ إلاّ إليها . والثالثة : أن يكون العبد مع ربه : كالميت بين يدي الغاسل ، قد أسلم نفسه إليه بالكلية . فصاحب الدرجة الأولى له حظ من النظر لنفسه ، بخلاف صاحب الثانية ، وصاحب الثانية له حظ من المراد والاختيار بخلاف صاحب الثالثة . وهذه الدرجات مبنيّة على التوحيد الخاص الذي تكلمنا عليه في قوله : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ البقرة : 163 ] فهي تقوى بقوته ، وتضعف بضعفه ، فإن قيل : هل يشترط في التوكل ترك الأسباب أم لا ؟ فالجواب : أن الأسباب على ثلاثة أقسام : أحدهما : سبب معلوم قطعاً قد أجراه الله تعالى : فهذا لا يجوز تركه : كالأكل لدفع الجوع ، واللباس لدفع البرد . والثاني : سبب مظنون : كالتجارة وطلب المعاش ، وشبه ذلك ، فهذا لا يقدم فعله في التوكل لأن التوكل من أعمال القلب ، لا من أعمال البدن ، ويجوز تركه لمن قوي عليه ، والثالث : سبب موهوم بعيد ، فهذا يقدم فعله في التوكل ، ثم إن فوق التوكل التفويض وهو الاستسلام لأمر الله تعالى بالكلية ، فإن المتوكل له مراد واختيار ، وهو يطلب مراده باعتماده على ربه ، وأما المفوض فليس له مراد ولا اختيار ، بل أسند المراد والاختيار إلى الله تعالى ، فهو أكمل أدباً مع الله تعالى .