Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 33-37)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ } الآية : لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران أخذ يبين لهم ما اختلفوا فيه ، وأشكل عليهم من أمر عيسى عليه السلام ، وكيفية ولادته وبدأ بذكر آدم ونوح عليهما السلام تكميلاً للأمر لأنهما أبوان لجميع الأنبياء ، ثم ذكر إبراهيم تدريجاً إلى ذكر عمران والد مريم أم عيسى عليه السلام ، وقيل : إنّ عمران هنا هو والد موسى ، وبينهما ألف وثمانمائة سنة ، والأظهر أن المراد هنا والد مريم ، لذكر قصتها بعد ذلك { وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ } يحتمل أن يريد بآل : القرابة ، أو الأتباع ، وعلى الوجهين ؛ يدخل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آل إبراهيم { ذُرِّيَّةً } بدل مما تقدم أو حال ووزنه فعلية منسوب إلى الذر أي النمل . لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر ، { إِذْ قَالَتِ } العامل فيه محذوف تقديره : اذكروا ، وقيل : عليم ، وقال الزجّاج : العامل فيه معنى الاصطفاء { ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ } اسمها حنة بالنون ، وهي أم مريم ، وعمران هذا هو والد مريم { نَذَرْتُ } أي : جعلت نذراً عليّ أن يكون هذا الولد في بطني حبساً على خدمة بيتك ، وهو بيت المقدس { مُحَرَّراً } أي عتيقاً من كل شغل إلاّ خدمة المسجد { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } الآية . كانوا لا يحررون الإناث للقيام بخدمة المساجد ، فقالت : { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } تحسراً وتلهفاً على ما فاتها من النذر الذي نذرت { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } قرئ وضعت بإسكان التاء وهو من كلام الله تعظيماً لوضعها وقرئ بضم التاء وإسكان العين وهو على هذا من كلامهما { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } يحتمل أن يكون من كلام الله ، فالمعنى ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لك ، وأن يكون من كلامها فالمعنى : ليس الذكر كالأنثى في خدمة المساجد ؛ لأن الذكور كانوا يخدمونها دون الأناث { سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } إنما قالت لربها سميتها مريم ؛ لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة ، فأرادت بذلك التقرب إلى الله ، ويؤخذ من هذا تسمية المولود يوم ولادته ، وامتنع مريم من الصرف للتعريف والتأنيث ، وفيه أيضاً العجمة { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ } ورد في الحديث " ما من مولود إلاّ نخسة الشيطان يوم ولد فيستهل صارخاً إلاّ مريم وابنها " ، لقوله : { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ } : الآية { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا } أي رضيها للمسجد مكان الذكر { بِقَبُولٍ حَسَنٍ } فيه وجهان : أحدهما : أن يكون مصدراً على غير المصدر ، والآخر : أن يكون اسماً لما يقبل به كالسعوط اسم لما يسعط به { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } عبارة عن حسن النشأة { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } أي ضمها إلى إنفاقه وحضانته ، والكافل هو الحاضن ، وكان زكريا زوج خالتها ، وقرئ كفلها بتشديد الفاء ، ونصب زكريا : أي جعله الله كافلها { ٱلْمِحْرَابَ } في اللغة : أشرف المجالس ، وبذلك سمي موضع الإمام ، ويقال : إنّ زكريا بنى لها غرفة في المسجد ، وهي المحراب هنا ، وقيل : المحراب موضع العبادة { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، ويقال : إنها لم ترضع ثدياً قط ، وكان الله يرزقها { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } إشارة إلى مكان أي : كيف ومن أين ؟ { إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ } يحتمل أن يكون من كلام مريم أو من كلام الله تعالى .