Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 17-19)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { فَمَنْ أَظْلَمُ } استفهام فيه معنى الجحد ، أي لا أحد أظلم { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } الكذب ، وزيادة { كَذِبًا } مع أن الافتراء لا يكون إلا كذباً لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه ، فربما يكون الافتراء كذباً في الإسناد فقط ، كما إذا أسند ذنب زيد إلى عمرو ، ذكر معنى هذا أبو السعود في تفسيره ، قيل وهذا من جملة رده صلى الله عليه وسلم على المشركين لما طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن ، أو يبدّله ، فبين لهم أنه لو فعل ذلك لكان من الافتراء على الله ، ولا ظلم يماثل ذلك ، وقيل المفتري على الله الكذب هم المشركون ، والمكذب بآيات الله هم أهل الكتاب { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } تعليل لكونه لا أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته ، أي لا يظفرون بمطلوب ، ولا يفوزون بخير ، والضمير في { إنه } للشأن ، أي إن الشأن هذا . ثم نعى الله سبحانه عليهم عبادة الأصنام ، وبين أنها لا تنفع من عبدها ولا تضرّ من لم يعبدها ، فقال { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي متجاوزين الله سبحانه إلى عبادة غيره ، لا بمعنى ترك عبادته بالكلية { مَالاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } أي ما ليس من شأنه الضرّر ولا النفع ، ومن حق المعبود أن يكون مثيباً لمن أطاعه معاقباً لمن عصاه ، والواو لعطف هذه الجملة على جملة { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } و " ما " في { مَالاَ يَضُرُّهُمْ } موصولة أو موصوفة ، والواو في { وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } للعطف على { وَيَعْبُدُونَ } زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله ، فلا يعذبهم بذنوبهم . وهذا غاية الجهالة منهم ، حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضرّ في الحال . وقيل أرادوا بهذه الشفاعة إصلاح أحوال دنياهم ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عنهم ، فقال { قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } قرأ أبو السمال العدوي " تنبئون " بالتخفيف من أنبأنا ينبىء . وقرأ من عداه بالتشديد من نبأ ينبىء . والمعنى أتخبرون الله أن له شركاء في ملكه يعبدون كما يعبد ، أو أتخبرونه أن لكم شفعاء بغير إذنه ، والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكاً ولا شفيعاً بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في سمواته وفي أرضه ؟ وهذا الكلام حاصله عدم وجود من هو كذلك أصلاً ، وفي هذا من التهكم بالكفار مالا يخفى ، ثم نزّه الله سبحانه نفسه عن إشراكهم ، وهو يحتمل أن يكون ابتداء كلام غير ادخل في الكلام الذي أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب به عليهم ، ويحتمل أن يكون من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم جواباً عليهم . قرأ حمزة والكسائي { عَمَّا يُشْرِكُونَ } بالتحتية . وقرأ الباقون بالفوقية ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد . قوله { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ } قد تقدّم تفسيره في البقرة . والمعنى أن الناس ما كانوا جميعاً إلا أمة واحدة موحدة لله سبحانه ، مؤمنة به ، فصار البعض كافراً وبقي البعض الآخر مؤمناً ، فخالف بعضهم بعضاً . وقال الزجاج هم العرب كانوا على الشرك . وقال كل مولود يولد على الفطرة ، فاختلفوا عند البلوغ ، والأوّل أظهر . وليس المراد أن كل طائفة أحدثت ملة من ملل الكفر مخالفة للأخرى ، بل المراد كفر البعض وبقي البعض على التوحيد ، كما قدّمنا { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } وهي أنه سبحانه لا يقضى بينهم فيما اختلفوا فيه إلا يوم القيامة { لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ } في الدنيا { فِيمَا } هم { فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } لكنه قد امتنع ذلك بالكلمة التي لا تتخلف ، وقيل معنى { لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ } بإقامة الساعة عليهم ، وقيل لفرغ من هلاكهم . وقيل الكلمة إن الله أمهل هذه الأمة فلا يهلكهم بالعذاب في الدنيا . وقيل الكلمة أنه لا يأخذ أحداً إلا بحجة ، وهي إرسال الرسل كما قال تعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَث رَسُولاً } الإسراء 15 . وقيل الكلمة قوله « سبقت رحمتي غضبي » . وقرأ عيسى بن عمر « لقضى » بالبناء للفاعل . وقرأ من عداه بالبناء للمفعول . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، قال قال النضر إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزّى ، فأنزل الله { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَالا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } الآية . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ } قال ابن مسعود كانوا على هدى . وروى أنه قرأ هكذا . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } قال آدم وحده { فَٱخْتَلَفُواْ } قال حين قتل أحد ابني آدم أخاه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، في الآية قال كان الناس أهل دين واحد على دين آدم ، فكفروا ، فلولا أن ربك أجلهم إلى يوم القيامة لقضى بينهم .