Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 88-92)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما بالغ موسى عليه السلام في إظهار المعجزات ، وإقامة الحجج البيّنات ، ولم يكن لذلك تأثير في من أرسل إليهم ، دعا عليهم بعد أن بيّن سبب إصرارهم على الكفر ، وتمسكهم بالجحود والعناد ، فقال مبيناً للسبب أوّلاً { رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } قد تقدّم أن الملأ هم الأشراف . والزينة اسم لكل ما يتزين به ، من ملبوس ومركوب ، وحلية وفراش وسلاح ، وغير ذلك ، ثم كرّر النداء للتأكيد فقال { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } . وقد اختلف في هذه اللام الداخلة على الفعل ، فقال الخليل وسيبويه إنها لام العاقبة والصيرورة . والمعنى أنه لما كان عاقبة أمرهم الضلال ، صار كأنه سبحانه أعطاهم ما أعطاهم من النعم ليضلوا ، فتكون اللام على هذا متعلقة بآتيت وقيل إنها لام كي أي أعطيتهم لكي يضلوا . وقال قوم إن المعنى أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا . فحذفت لا كما قال سبحانه { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } النساء 176 . قال النحاس ظاهر هذا الجواب حسن إلا أن العرب لا تحذف لا إلا مع أن ، فموّه صاحب هذا التأويل بالاستدلال بقوله { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } ، وقيل اللام للدعاء عليهم . والمعنى ، ابتلهم بالهلاك عن سبيلك ، واستدلّ هذا القائل بقوله سبحانه بعد هذا { اطمس } و { اشدد } . وقد أطال صاحب الكشاف في تقرير هذا بما لا طائل تحته ، والقول الأوّل هو الأولى . وقرأ الكوفيون « ليضلوا » بضم حرف المضارعة أي يوقعوا الإضلال على غيرهم . وقرأ الباقون بالفتح أي يضلون في أنفسهم { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ } . قال الزجاج طمس الشيء إذهابه عن صورته والمعنى الدعاء عليهم بأن يمحق الله أموالهم ، ويهلكها وقرىء بضم الميم من اطمس { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي اجعلها قاسية مطبوعة لا تقبل الحق ، ولا تنشرح للإيمان . قوله { فَلاَ يُؤْمِنُواْ } قال المبرد والزجاج هو معطوف على { ليضلوا } ، والمعنى آتيتهم النعم ، ليضلوا ولا يؤمنوا ، ويكون ما بين المعطوف والمعطوف عليه اعتراضاً . وقال الفراء ، والكسائي ، وأبو عبيدة هو دعاء بلفظ النهي ، والتقدير اللهمّ فلا يؤمنوا ، ومنه قول الأعشى @ فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم @@ وقال الأخفش إنه جواب الأمر أي اطمس واشدد ، فلا يؤمنوا ، فيكون منصوباً . وروي هذا عن الفراء أيضاً ، ومنه @ يا ناق سيري عنقاً فسيحا إلى سليمان فنستريحا @@ { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلألِيمَ } أي لا يحصل منهم الإيمان إلا مع المعاينة لما يعذبهم الله به ، وعند ذلك لا ينفع إيمانهم . وقد استشكل بعض أهل العلم ما في هذه الآية من الدعاء على هؤلاء ، وقال إن الرسل إنما تطلب هداية قومهم وإيمانهم . وأجيب بأنه لا يجوز لنبيّ أن يدعو على قومه إلا بإذن الله سبحانه ، وإنما يأذن الله بذلك لعلمه بأنه ليس فيهم من يؤمن ، ولهذا لما أعلم الله نوحاً عليه السلام بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن ، قال { رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } نوح 26 . { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا } جعل الدعوة ها هنا مضافة إلى موسى وهارون ، وفيما تقدّم أضافها إلى موسى وحده ، فقيل إن هارون كان يؤمِّن على دعاء موسى ، فسمي ها هنا داعياً ، وإن كان الداعي موسى وحده ، ففي أوّل الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي ، وها هنا أضافه إليهما تنزيلاً للمؤمن منزلة الداعي ، ويجوز أن يكونا جميعاً داعيين ، ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أوّل الكلام لأصالته في الرسالة . قال النحاس سمعت عليّ بن سليمان يقول الدليل على أن الدعاء لهما ، قول موسى { ربنا } ولم يقل رب . وقرأ عليّ والسلمي « دعاؤكما » وقرأ ابن السميفع « دعواكما » . والاستقامة الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله . قال الفراء وغيره أمر بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه ، على دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ، ثم أهلكوا . وقيل معنى الاستقامة ترك الاستعجال ولزوم السكينة ، والرضا والتسليم لما يقضي به الله سبحانه . قوله { وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } بتشديد النون للتأكيد ، وحرّكت بالكسر لكونه الأصل ، ولكونها أشبهت نون التثنية . وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي لا على النهي . وقرىء بتخفيف الفوقية الثانية من { تتبعان } ، والمعنى النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح ، تعجيلاً وتأجيلاً . قوله { وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ } هو من جاوز المكان إذا خلفه وتخطاه ، والباء للتعدية أي جعلناهم مجاوزين البحر ، حتى بلغوا الشط لأن الله سبحانه جعل البحر يبساً فمرّوا فيه حتى خرجوا منه إلى البرّ . وقد تقدّم تفسير هذا في سورة البقرة في قوله سبحانه { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } البقرة 50 وقرأ الحسن « وجوّزنا » وهما لغتان { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } يقال تبع وأتبع بمعنى واحد ، إذا لحقه . وقال الأصمعي يقال أتبعه بقطع الألف ، إذا لحقه وأدركه ، واتبعه بوصل الألف إذا اتبع أثره أدركه ، أو لم يدركه . وكذا قال أبو زيد . وقال أبو عمرو إنّ اتبعه بالوصل اقتدى به ، وانتصاب بغياً وعدواً على الحال ، والبغي الظلم ، والعدو الاعتداء ، ويجوز أن يكون انتصابهما على العلة أي للبغي والعدو . وقرأ الحسن « وعدوا » بضم العين والدال وتشديد الواو ، مثل علا يعلو علوّاً ، وقيل إن البغي طلب الاستعلاء في القول بغير حق ، والعدو في الفعل { حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } أي ناله ووصله وألجمه . وذلك أن موسى خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من فرعون ، فلما سمع فرعون بذلك لحقهم بجنوده ، ففرق الله البحر لموسى وبني إسرائيل ، فمشوا فيه حتى خرجوا من الجانب الآخر ، وتبعهم فرعون ، والبحر باق على الحالة التي كان عليها عند مضيّ موسى ومن معه ، فلما تكامل دخول جنود فرعون ، وكادوا أن يخرجوا من الجانب الآخر ، انطبق عليهم فغرقوا كما حكى الله سبحانه ذلك { قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ } أي صدّقت أنه بفتح الهمزة على أن الأصل بأنه ، فحذفت الباء ، والضمير للشأن . وقرىء بكسر إنّ على الاستئناف ، وزعم أبو حاتم أن القول محذوف أي آمنت ، فقلت إنه ، ولم ينفعه هذا الإيمان أنه وقع منه بعد إدراك الغرق كله ، كما تقدّم في النساء ، ولم يقل للعين آمنت بالله أو بربّ العالمين ، بل قال آمنت أنه لا إلٰه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، لأنه بقي فيه عرق من دعوى الإلٰهية . قوله { وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي المستسلمين لأمر الله ، المنقادين له ، الذين يوحدونه وينفون ما سواه ، وهذه الجملة إما في محل نصب على الحال أو معطوفة على آمنت . قوله { الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } هو مقول قول مقدّر معطوف على { قال آمنت } أي فقيل له أتؤمن الآن ؟ وقد اختلف من القائل لفرعون بهذه المقالة ؟ فقيل هي من قول الله سبحانه ، وقيل من قول جبريل ، وقيل من قول ميكائيل ، وقيل من قول فرعون ، قال ذلك في نفسه لنفسه . وجملة { وقد عصيت قبل } في محل نصب على الحال من فاعل الفعل المقدّر بعد القول المقدر ، وهو أتؤمن الآن ، والمعنى إنكار الإيمان منه عند أن ألجمه الغرق ، والحال أنه قد عصى الله من قبل ، والمقصود التقريع والتوبيخ له . وجملة { وكنت من المفسدين } معطوفة على عصيت داخلة في الحال ، أي كنت من المفسدين في الأرض بضلالك عن الحق ، وإضلالك لغيرك . قوله { فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } قرىء « ننجيك » بالتخفيف ، والجمهور على التثقيل . وقرأ اليزيدي « ننحيك » بالحاء المهملة من التنحية ، وحكاها علقمة عن ابن مسعود ومعنى { ننجيك } بالجيم نلقيك على نجوة من الأرض ، وذلك أن بني إسرائيل لم يصدّقوا أن فرعون غرق ، وقالوا هو أعظم شأناً من ذاك ، فألقاه الله على نجوة من الأرض ، أي مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه . وقيل المعنى نخرجك مما وقع فيه قومك من الرسوب في قعر البحر ، ونجعلك طافياً ليشاهدوك ميتاً بالغرق ، ومعنى " ننحيك " بالمهملة نطرحك على ناحية من الأرض ، وروي عن ابن مسعود أنه قرأ « بأبدانك » . وقد اختلف المفسرون في معنى ببدنك ، فقيل معناه بجسدك بعد سلب الروح منه . وقيل معناه بدرعك ، والدرع يسمى بدناً ، ومنه قول كعب بن مالك @ ترى الأبدان فيها مسبغات على الأبطال واليلب الحصينا @@ أراد بالأبدان الدروع ، وقال عمرو بن معدي كرب @ ومضى نساؤهم بكل مُضاضة جدلاء سابغة وبالأبـدان @@ أي بدروع سابغة ، ودروع قصيرة وهي التي يقال لها أبدان كما قال أبو عبيدة . وقال الأخفش وأما قول من قال بدرعك ، فليس بشيء ، ورجح أن البدن المراد به هنا الجسد . قوله { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً } هذا تعليل لتنجيته ببدنه ، وفي ذلك دليل على أنه لم يظهر جسده دون قومه إلا لهذه العلة لا سوى ، والمراد بالآية العلامة ، أي لتكون لمن خلفك من الناس علامة يعرفون بها هلاكك ، وأنك لست كما تدّعي ، ويندفع عنهم الشك في كونك قد صرت ميتاً بالغرق . وقيل المراد ليكون طرحك على الساحل وحدك دون المغرقين من قومك آية من آيات الله ، يعتبر بها الناس ، أو يعتبر بها من سيأتي من الأمم إذا سمعوا ذلك ، حتى يحذروا من التكبر والتجبر والتمرّد على الله سبحانه ، فإن هذا الذي بلغ إلى ما بلغ إليه من دعوى الإلٰهية ، واستمرّ على ذلك دهراً طويلاً كانت له هذه العاقبة القبيحة . وقرىء « لمن خلفك » على صيغة الفعل الماضي أي لمن يأتي بعدك من القرون ، أو من خلفك في الرياسة أو في السكون في المسكن الذي كنت تسكنه { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا } التي توجب الاعتبار والتفكر ، وتوقظ من سنة الغفلة { لَغَـٰفِلُونَ } عما توجبه الآيات ، وهذه الجملة تذييلية . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ } يقول دمر على أموالهم وأهلكها { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } قال اطبع { فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } وهو الغرق . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال سألني عمر ابن عبد العزيز ، عن قوله { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ } فأخبرته أن الله طمس على أموال فرعون وآل فرعون ، حتى صارت حجارة ، فقال عمر كما أنت حتى آتيك ، فدعا بكيس مختوم ففكه ، فإذا فيه الفضة مقطوعة كأنها الحجارة والدنانير والدراهم ، وأشباه ذلك من الأموال حجارة كلها . وقد روي أن أموالهم تحوّلت حجارة من طريق جماعة من السلف . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال { قد أجيبت دعوتكما } ، قال فاستجاب له ، وحال بين فرعون وبين الإيمان . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي هريرة قال كان موسى إذا دعا أمَّن هارون على دعائه يقول آمين . قال أبو هريرة وهو اسم من أسماء الله ، فذلك قوله { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، نحوه . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة نحوه . وأخرج سعيد بن منصور ، عن محمد بن كعب القرظي ، نحوه أيضاً . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، قال يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج ، مثله . وأخرج الحكيم الترمذي ، عن مجاهد ، نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس ، فاستقيما فامضيا لأمري ، وهي الاستقامة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، قال العدو والعتوّ والعلوّ في كتاب الله التجبر . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال لما خرج آخر أصحاب موسى ودخل آخر أصحاب فرعون ، أوحى الله إلى البحر أن انطبق عليهم ، فخرجت أصبع فرعون بلا إلٰه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، قال جبريل فعرفت أن الربّ رحيم ، وخفت أن تدركه الرحمة ، فرمسته بجناحي وقلت آلان وقد عصيت قبل ؟ فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلّف من قوم فرعون ما غرق فرعون ولا أصحابه ، ولكنهم في جزائر البحر يتصيدون ، فأوحى الله إلى البحر أن اللفظ فرعون عرياناً ، فلفظه عرياناً أصلع أخينس قصيراً فهو قوله { فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً } لمن قال إن فرعون لم يغرق ، وكأن نجاة غيره لم تكن نجاة عافية ، ثم أوحى الله إلى البحر أن الفظ ما فيك ، فلفظهم على الساحل ، وكان البحر لا يلفظ غريقاً في بطنه حتى يأكله السمك ، فليس يقبل البحر غريقاً إلى يوم القيامة . وأخرج أحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أغرق الله فرعون فقال { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيل } قال لي جبريل يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " وقد روى هذا الحديث الترمذي من غير وجه ، وقال حسن صحيح غريب ، وصححه أيضاً الحاكم . وروي عن ابن عباس ، مرفوعاً من طرق أخرى . وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " قال لي جبريل ما كان على الأرض شيء أبغض إليّ من فرعون ، فلما آمن جعلت أحشو فاه حمأة وأنا أغطه خشية أن تدركه الرحمة " وأخرج ابن جرير ، والبيهقي ، من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عمر ، مرفوعاً نحوه أيضاً . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي أمامة ، مرفوعاً نحوه أيضاً ، وفي إسناد حديث أبي هريرة رجل مجهول ، وباقي رجاله ثقات . والعجب كل العجب ممن لا علم له بفنّ الرواية من المفسرين ، ولا يكاد يميز بين أصح الصحيح من الحديث وأكذب الكذب منه ، كيف يتجارى على الكلام في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم ببطلان ما صح منها ، ويرسل لسانه وقلمه بالجهل البحت ، والقصور الفاضح الذي يضحك منه ، كل من له أدنى ممارسة لفن الحديث ، فيا مسكين مالك ولهذا الشأن الذي لست منه في شيء ؟ ألا تستر نفسك وتربع على ضلعك ، وتعرف بأنك بهذا العلم من أجهل الجاهلين ، وتشتغل بما هو علمك الذي لا تجاوزه ، وحاصلك الذي ليس لك غيره ، وهو علم اللغة وتوابعه من العلوم الآلية ، ولقد صار صاحب الكشاف رحمه الله ، بسبب ما يتعرّض له في تفسيره من علم الحديث الذي ليس هو منه في ورد ، ولا صدر ، سخرة للساخرين وعبرة للمعتبرين ، فتارة يروي في كتابه الموضوعات ، وهو لا يدري أنها موضوعات ، وتارة يتعرض لردّ ما صح ، ويجزم بأنه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والبهت عليه ، وقد يكون في الصحيحين وغيرهما ، مما يلتحق بهما من رواية جماعة من الصحابة بأسانيد كلها أئمة ثقات أثبات حجج ، وأدنى نصيب من عقل يحجر صاحبه عن التكلم في علم لا يعلمه ، ولا يدري به أقلّ دراية ، وإن كان ذلك العلم من علوم الاصطلاح التي يتواضع عليها طائفة من الناس ، ويصطلحون على أمور فيما بينهم ، فما بالك بعلم السنة الذي هو قسيم كتاب الله ، وقائله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراويه عنه خير القرون ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وكل حرف من حروفه وكلمة من كلماته يثبت بها شرع عامّ ، لجميع أهل الإسلام . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، في قوله { فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } قال أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر فنظروا إليه بعدما غرق . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في الآية قال بجسدك ، قال كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون ، فألقى على ساحل البحر حتى يراه بنو إسرائيل أحمر قصيراً كأنه ثور . وأخرج ابن الأنباري ، عن محمد بن كعب ، في قوله { فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ } قال بدرعك ، وكان درعه من لؤلؤة يلاقي فيها الحروب .