Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 18-24)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي لا أحد أظلم منهم لأنفسهم لأنهم افتروا على الله كذباً بقولهم لأصنامهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله . وقولهم الملائكة بنات الله ، وأضافوا كلامه سبحانه إلى غيره ، واللفظ وإن كان لا يقتضي إلا نفي وجود من هو أظلم منهم كما يفيده الاستفهام الإنكاري ، فالمقام يفيد نفي المساوي لهم في الظلم . فالمعنى على هذا لا أحد مثلهم في الظلم فضلاً عن أن يوجد من هو أظلم منهم ، والإشارة بقوله { أولئك } إلى الموصوفين بالظلم المتبالغ ، وهو مبتدأ ، وخبره { يعرضون على ربهم } فيحاسبهم على أعمالهم ، أو المراد بعرضهم عرض أعمالهم { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } الأشهاد هم الملائكة الحفظة ، وقيل المرسلون . وقيل الملائكة والمرسلون والعلماء الذين بلغوا ما أمرهم الله بإبلاغه ، وقيل جميع الخلائق . والمعنى أنه يقول هؤلاء الأشهاد عند العرض هؤلاء المعرضون أو المعروضة أعمالهم الذين كذبوا على ربهم بما نسبوه إليه ولم يصرّحوا بما كذبوا به ، كأنه كان أمراً معلوماً عند أهل ذلك الموقف . قوله { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } هذا من تمام كلام الأشهاد أي يقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ويقولون ألا لعنة الله على الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالافتراء ، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه ، قاله بعدما قال الأشهاد { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم } . والأشهاد جمع شهيد ، ورجحه أبو عليّ بكثرة ورود شهيد في القرآن كقوله { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } البقرة 143 { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } النساء 41 ، وقيل هو جمع شاهد كأصحاب وصاحب ، والفائدة في قول الأشهاد بهذه المقالة المبالغة في فضيحة الكفار ، والتقريع لهم على رؤوس الأشهاد . ثم وصف هؤلاء الظالمين الذين لعنوا بأنهم { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي يمنعون من قدروا على منعه عن دين الله والدخول فيه { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي يصفونها بالاعوجاج تنفيراً للناس عنها ، أو يبغون أهلها أن يكونوا معوجين بالخروج عنها إلى الكفر ، يقال بغيتك شرّاً أي طلبته لك والحال أنهم { بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } أي يصفونها بالعوج ، والحال أنهم بالآخرة غير مصدّقين ، فكيف يصدّون الناس عن طريق الحق ، وهم على الباطل البحت ؟ وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به ، حتى كأن كفر غيرهم غير معتدّ به بالنسبة إلى عظيم كفرهم { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بتلك الصفات { لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ } أي ما كانوا يعجزون الله في الدنيا إن أراد عقوبتهم { وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء } يدفعون عنهم ما يريده الله سبحانه من عقوبتهم ، وإنزال بأسه بهم ، وجملة { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } مستأنفة لبيان أن تأخير العذاب والتراخي عن تعجيله لهم ، ليكون عذاباً مضاعفاً . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ويزيد ويعقوب « يضعف » مشدّداً { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ } أي أفرطوا في إعراضهم عن الحق ، وبغضهم له ، حتى كأنهم لا يقدرون على السمع ولا يقدرون على الإبصار ، لفرط تعاميهم عن الصواب . ويجوز أن يراد بقوله { وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء } أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون الله ، ولا ينفعهم ذلك ، فما كان هؤلاء الأولياء يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ، فكيف ينفعونهم فيجلبون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضرراً ، ويجوز أن تكون « ما » هي المدية . والمعنى أنه يضاعف لهم العذاب مدّة استطاعتهم السمع والبصر . قال الفراء ما كانوا يستطيعون السمع ، لأن الله أضلهم في اللوح المحفوظ . وقال الزجاج لبغضهم النبي صلى الله عليه وسلم . وعداوتهم له لا يستطيعون أن يسمعوا منه ولا يفهموا عنه . قال النحاس هذا معروف في كلام العرب ، يقال فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان إذا كان ثقيلاً عليه { أُوْلَـٰئِكَ } المتصفون بتلك الصفات { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } بعبادة غير الله . والمعنى اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله ، فكان خسرانهم في تجارتهم أعظم خسران { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي ذهب وضاع ما كانوا يفترون من الآلهة التي يدّعون أنها تشفع لهم ، ولم يبق بأيديهم إلا الخسران . قوله { لاَ جَرَمَ } قال الخليل وسيبويه « لا جرم » بمعنى حق فهي عندهما بمنزلة كلمة واحدة ، وبه قال الفراء . وروي عن الخليل والفراء أنها بمنزلة قولك لا بدّ ولا محالة ، ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقاً . وقال الزجاج إن جرم بمعنى كسب أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران ، وفاعل كسب مضمر ، وأنّ منصوبة بجزم . قال الأزهري وهذا من أحسن ما نقل في هذه اللغة . وقال الكسائي معنى لا جرم لا صدّ ولا منع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون . وقال جماعة من النحويين إن معنى لا جرم لا قطع قاطع { أَنَّهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } قالوا والجرم القطع ، وقد جرم النخل واجترمه أي قطعه ، وفي هذه الآية بيان أنهم في الخسران قد بلغوا إلى حدّ يتقاصر عنه غيرهم ، ولا يبلغ إليه ، وهذه الآيات مقرّرة لما سبق من نفي المماثلة بين من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ، وبين من كان على بينة من ربه { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي صدقوا بكل ما يجب التصديق به من كون القرآن من عند الله ، وغير ذلك من خصال الإيمان { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } أي أنابوا إليه ، وقيل خشعوا . وقيل خضعوا . قيل وأصل الإخبات الاستواء في الخبث وهو الأرض المستوية الواسعة فيناسب معنى الخشوع والاطمئنان . قال الفراء إلى ربهم ، ولربهم واحد { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بتلك الصفات الصالحة { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } . قوله { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ } ضرب للفريقين مثلاً وهو تشبيه فريق الكافرين بالأعمى والأصمّ ، وتشبيه فريق المؤمنين بالبصير والسميع ، على أن كل فريق شبه بشيئين ، أو شبه بمن جمع بين الشيئين ، فالكافر شبه بمن جمع بين العمى والصمم ، والمؤمن شبّه بمن جمع بين السمع والبصر ، وعلى هذا تكون الواو في { والأصمّ } ، وفي { والسميع } لعطف الصفة على الصفة ، كما فى قول الشاعر @ إلى الملك القرم وابن الهمام @@ والاستفهام في قوله { هَلْ يَسْتَوِيَانِ } للإنكار يعني الفريقين ، وهذه الجملة مقرّرة لما تقدّم من قوله { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } وانتصاب مثلاً على التمييز من فاعل يستويان أي هل يستويان حالاً وصفة { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } في عدم استوائهما ، وفيما بينهما من التفاوت الظاهر الذي لا يخفى على من له تذكر ، وعنده تفكر وتأمل ، والهمزة لإنكار عدم التذكر واستبعاد صدوره عن المخاطبين . وقد أخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج ، في قوله { وَمَنْ أَظْلَمُ } قال الكافر والمنافق { أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } فيسألهم عن أعمالهم { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ } الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا { هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } شهدوا به عليهم يوم القيامة . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد ، قال " الأشهاد الملائكة " . وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ، نحوه ، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه ويستره من الناس ويقرّره بذنوبه ، ويقول له أتعرف ذنب كذا ، أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول ربّ أعرف ، حتى إذا قرّره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ، ثم يعطي كتاب حسناته . وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين } " وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ ، في قوله { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال هو محمد يعني سبيل الله ، صدّت قريش عنه الناس . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك ، في قوله { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } يعني يرجون بمكة غير الإسلام ديناً . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ } الآية قال أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا ، فإنه قال { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } وأما في الآخرة فإنه قال { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَـٰشِعَةٌ } القلم 42 ، 43 . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ } قال ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيراً فينتفعوا به ، ولا يبصروا خيراً فيأخذوا به . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { * أخبتوا } قال خافوا . وأخرج ابن جرير ، عنه ، قال الإخبات الإنابة . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، قال الإخبات الخشوع والتواضع . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، قال اطمأنوا . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ } قال الكافر { وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ } قال المؤمن .