Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 45-49)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ } دعاه ، والمراد أراد دعاءه ، بدليل الفاء في { فَقَالَ رَبّ إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى } وعطف الشيء على نفسه غير سائغ ، فلا بدّ من التقدير المذكور ، ومعنى قوله { إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى } أنه من الأهل الذين وعدتني بتنجيتهم بقولك وأهلك . فإن قيل كيف طلب نوح عليه السلام إنجاز ما وعده الله بقوله { وَأَهْلَكَ } وهو المستثنى منه ، وترك ما يفيده الاستثناء ، وهو { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } ؟ فيجاب بأنه لم يعلم إذ ذاك أنه ممن سبق عليه القول ، فإنه كان يظنه من المؤمنين { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } الذي لا خلف فيه ، وهذا منه { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } أي أتقن المتقنين لما يكون به الحكم ، فلا يتطرق إلى حكمك نقض ، وقيل أراد بـ { أحكم الحاكمين } أعلمهم وأعدلهم أي أنت أكثر علماً وعدلاً من ذوي الحكم . وقيل إن الحاكم بمعنى ذي الحكمة كدارع . ثم أجاب الله سبحانه عن نوح ببيان أن ابنه غير داخل في عموم الأهل ، وأنه خارج بقيد الاستثناء فقال { يا نُوحٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } الذين آمنوا بك ، وتابعوك ، وإن كان من أهلك باعتبار القرابة ثم صرح بالعلة الموجبة لخروجه من عموم الأهل المبينة له بأن المراد بالقرابة قرابة الدين ، لا قرابة النسب ، وحده ، فقال { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } قرأ الجمهور { عمل } على لفظ المصدر . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، والكسائي ، ويعقوب ، { عمل } على لفظ الفعل ومعنى القراءة الأولى المبالغة في ذمه ، كأنه جعل نفس العمل ، وأصله ذو عمل غير صالح ثم حذف المضاف وجعل نفس العمل ، كذا قال الزجاج وغيره . ومعنى القراءة الثانية ظاهر أي إنه عمل عملاً غير صالح ، وهو كفره وتركه لمتابعة أبيه ثم نهاه عن مثل هذا السؤال ، فقال { فَلا تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } لما بين له بطلان ما اعتقده من كونه من أهله ، فرّع على ذلك النهي عن السؤال ، وهو وإن كان نهياً عاماً بحيث يشمل كل سؤال ، لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب ، فهو يدخل تحته سؤاله هذا دخولاً أوّلياً ، وفيه عدم جواز الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع ، وسمى دعاءه سؤالاً لتضمنه معنى السؤال { إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } أي أحذرك أن تكون من الجاهلين ، كقوله { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً } النور 17 وقيل المعنى أرفعك أن تكون من الجاهلين . قال ابن العربي وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحاً عن مقام الجاهلين ، ويعليه بها إلى مقام العلماء العاملين . ثم لما علم نوح بأن سؤاله لم يطابق الواقع ، وأن دعاءه ناشىء عن وهم كان يتوهمه ، بادر إلى الاعتراف بالخطأ ، وطلب المغفرة والرحمة ، فقال { رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } أي أعوذ بك أن أطلب منك ما لا علم لي بصحته وجوازه ، { وإلا تَغْفِرْ لِى } ذنب ما دعوت به على غير علم مني { وَتَرْحَمْنِى } برحمتك التي وسعت كل شيء ، فتقبل توبتي { أَكُن مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } في أعمالي ، فلا أربح فيها . القائل هو الله ، أو الملائكة { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ } أي انزل من السفينة إلى الأرض ، أو من الجبل إلى المنخفض من الأرض ، فقد بلعت الأرض ماءها ، وجفت { بِسَلَـٰمٍ مّنَّا } أي بسلامة وأمن ، وقيل بتحية { وَبَركَـٰتٍ } أي نعم ثابتة ، مشتق من بروك الجمل ، وهو ثبوته ، ومنه البركة لثبوت الماء فيها ، وفي هذا الخطاب له دليل على قبول توبته ومغفرة زلته { وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } أي ناشئة ممن معك ، وهم المتشعبون من ذرية من كان معه في السفينة . وقيل أراد من في السفينة ، فإنهم أمم مختلفة ، وأنواع من الحيوانات متباينة . قيل أراد الله سبحانه بهؤلاء الأمم الذين كانوا معه من صار مؤمناً من ذريتهم ، وأراد بقوله { وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } من صار كافراً من ذريتهم إلى يوم القيامة ، وارتفاع أمم في قوله { وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ } على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ومنهم أمم . وقيل على تقدير ويكون أمم . وقال الأخفش هو كما تقول كلمت زيداً وعمرو جالس ، وأجاز الفراء في غير القراءة " وأمماً سنمتعهم " أي ونمتع أمماً ، ومعنى الآية وأمم سنمتعهم في الدنيا بما فيها من المتاع ، ونعطيهم منها ما يعيشون به ، ثم يمسهم منا في الآخرة عذاب أليم . وقيل يمسهم إما في الدنيا أو في الآخرة . والإشارة بقوله { تِلْكَ } إلى قصة نوح ، وهي مبتدأ والجمل بعده أخبار { مِنْ أَنبَاء ٱلْغَيْبِ } من جنس أنباء الغيب ، والأنباء جمع نبأ وهو الخبر ، أي من أخبار الغيب التي مرّت بك في هذه السورة ، والضمير في { نُوحِيهَا إِلَيْكَ } راجع إلى القصة ، والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة { مَا كُنتُ } يا محمد { تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ } يعلمها { قَوْمِكَ } بل هي مجهولة عندكم من قبل الوحي ، أو من قبل هذا الوقت { فَٱصْبِرْ } على ما تلاقيه من كفار زمانك ، والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها { إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ } المحمودة في الدنيا والآخرة { لّلْمُتَّقِينَ } لله المؤمنين بما جاءت به رسله ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبشير له بأن الظفر للمتقين في عاقبة الأمر ، ولا اعتبار بمباديه . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن ، قال نادى نوح ربه فقال ربّ إن ابني من أهلي ، وإنك قد وعدتني أن تنجي لي أهلي ، وإن ابني من أهلي . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن ابن عباس ، قال ما بغت امرأة نبيّ قط . وقوله { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } يقول ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، قال إن نساء الأنبياء لا يزنين ، وكان يقرؤها { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } يقول مسألتك إياي يا نوح عمل غير صالح لا أرضاه لك . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { فَلاَ تَسْأَلْنِـى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } قال بين الله لنوح أنه ليس بابنه . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن زيد ، في قوله { يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا } قال أهبطوا والله عنهم راض . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال دخل في ذلك السلام والبركات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة . ودخل في ذلك العذاب الأليم كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة . وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك { وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } يعني ممن لم يولد ، أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة { وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ } يعني متاع الحياة الدنيا { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة . وأخرج أبو الشيخ قال ثم رجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاء ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ } يعني العرب { مّن قَبْلِ هَـٰذَا } القرآن .