Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 50-60)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } معطوف على { ولقد وأرسلنا نوحاً } أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحداً منهم ، وهوداً عطف بيان ، وقوم عاد كانوا عبدة أوثان ، وقد تقدّم مثل هذا في الأعراف . وقيل هم عاد الأولى وعاد الأخرى ، فهؤلاء هم عاد الأولى ، وعاد الأخرى هم شداد ولقمان وقومهما المذكورون في قوله { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } الفجر 7 ، وأصل عاد ، اسم رجل ، ثم صار اسماً للقبيلة كتميم وبكر ، ونحوهما { مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } قرىء " غيره " بالجرّ على اللفظ . وبالرفع على محل من إلٰه ، وقرىء بالنصب على الاستثناء { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } أي ما أنتم باتخاذ إلٰه غير الله إلا كاذبون على الله عزّ وجلّ ، ثم خاطبهم فقال { لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي لا أطلب منكم أجراً على ما أبلغه إليكم ، وأنصحكم به من الإرشاد إلى عبادة الله وحده ، وأنه لا إلٰه لكم سواه ، فالضمير راجع إلى مضمون هذا الكلام . وقد تقدّم معنى هذا في قصة نوح { إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِى فَطَرَنِى } أي ما أجري الذي أطلب إلا من الذي فطرني أي خلقني فهو الذي يثيبني على ذلك { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أن أجر الناصحين إنما هو من ربّ العالمين . قيل إنما قال فيما تقدّم في قصة نوح مالاً ، وهنا قال أجراً لذكر الخزائن بعده في قصة نوح ، ولفظ المال بها أليق ، ثم أرشدهم إلى الاستغفار والتوبة . والمعنى اطلبوا مغفرته لما سلف من ذنوبكم ، ثم توسلوا إليه بالتوبة . وقد تقدّم زيادة بيان لمثل هذا في قصة نوح ، ثم رغبهم في الإيمان بالخير العاجل ، فقال { يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء } أي المطر { عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً } أي كثير الدرور ، وهو منصوب على الحال ، درّت السماء تدرّ ، وتدرّ ، فهي مدرار ، وكان قوم هود أهل بساتين ، وزرع ، وعمارة ، وكانت مساكنهم الرمال التي بين الشام واليمن { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } معطوف على يرسل أي شدّة مضافة إلى شدّتكم ، أو خصباً إلى خصبكم ، أو عزّاً إلى عزّكم . قال الزجاج المعنى يزدكم قوّة في النعم { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه ، وتقيموا على الكفر مصرّين عليه ، والإجرام الآثام كما تقدّم . ثم أجابه قومه بما يدلّ على فرط جهالتهم ، وعظيم غباوتهم ، فقالوا { يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ } أي بحجة واضحة نعمل عليها ، ونؤمن لك بها غير معترفين بما جاءهم به من حجج الله وبراهينه ، عناداً وبعداً عن الحق { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا } التي نعبدها من دون الله ، ومعنى { عَن قَوْلِكَ } صادرين عن قولك ، فالظرف في محل نصب على الحال { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أي بمصدّقين في شيء مما جئت به { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء } أي ما نقول إلا أنه أصابك بعض آلهتنا التي تعيبها ، وتسفه رأينا في عبادتها بسوء بجنون ، حتى نشأ عن جنونك ما تقوله لنا ، وتكرره علينا من التنفير عنها ، يقال عراه الأمر واعتراه إذا ألمّ به ، فأجابهم بما يدلّ على عدم مبالاته بهم ، وعلى وثوقه بربه وتوكله عليه ، وأنهم لا يقدرون على شيء مما يريده الكفار به ، بل الله سبحانه هو الضارّ النافع فقَالَ { إِنِى أُشْهِدُ ٱللَّهِ وَٱشْهَدُواْ } أنتم { إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ } به { مِن دُونِهِ } أي من إشراككم من دون الله من غير أن ينزل به سلطاناً { فَكِيدُونِى جَمِيعًا } أنتم وآلهتكم إن كانت كما تزعمون من أنها تقدر على الإضرار بي ، وأنها اعترتني بسوء { ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } أي لا تمهلوني ، بل عاجلوني واصنعوا ما بدا لكم وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التي يعبدونها ما يصكّ مسامعهم ، ويوضح عجزهم ، وعدم قدرتهم على شيء . { إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبّى وَرَبّكُمْ } فهو يعصمني من كيدكم ، وإن بلغتم في تطلب وجوه الإضرار بي كل مبلغ ، فمن توكل على الله كفاه . ثم لما بين لهم توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته ، وصفه بما يوجب التوكل عليه والتفويض إليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم ، وأنه مالك للجميع ، وأن ناصية كل دابة من دوابّ الأرض بيده ، وفي قبضته وتحت قهره ، وهو تمثيل لغاية التسخير ونهاية التذليل ، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه ، والمنّ عليه جزوا ناصيته ، فجعلوا ذلك علامة لقهره . قال الفراء معنى آخذ بناصيتها مالكها والقادر عليها ، وقال القتيبي قاهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته . والناصية قصاص الشعر من مقدّم الرأس ثم علل ما تقدّم بقوله { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي هو على الحق والعدل ، فلا يكاد يسلطكم عليّ { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي تتولوا فحذفت إحدى التاءين ، والمعنى فإن تستمروا على الإعراض عن الإجابة والتصميم على ما أنتم عليه من الكفر { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } ليس عليّ إلا ذلك ، وقد لزمتكم الحجة { وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ } جملة مستأنفة لتقرير الوعيد بالهلاك ، أي يستخلف في دياركم وأموالكم قوماً آخرين ، ويجوز أن يكون عطفاً على { فقد أبلغتكم } . وروى حفص عن عاصم أنه قرأ { ويستخلف } بالجزم حملاً على موضع فقد أبلغتكم { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا } أي بتوليكم ، ولا تقدرون على كثير من الضرر ولا حقير { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَفِيظٌ } أي رقيب مهيمن عليه يحفظه من كل شيء ، قيل و " على " بمعنى اللام ، فيكون المعنى لكل شيء حفيظ ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء . { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } أي عذابنا الذي هو إهلاك عاد { نَجَّيْنَا هُودًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ } من قومه { بِرَحْمَةٍ مّنَّا } أي برحمة عظيمة كائنة منا لأنه لا ينجو أحد إلا برحمة الله ، وقيل هي الإيمان { مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي شديد ، قيل وهو السموم التي كانت تدخل أنوفهم { وَتِلْكَ عَاد } مبتدأ وخبر ، وأنث الإشارة اعتباراً بالقبيلة . قال الكسائي إن من العرب من لا يصرف عاد ويجعله أسماء للقبيلة { جَحَدُواْ بِآيَـٰتِ رَبّهِمْ } أي كفروا بها ، وكذبوها وأنكروا المعجزات { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } أي هوداً وحده لأنه لم يكن في عصره رسول سواه ، وإنما جمع هنا لأنّ من كذب رسولاً فقد كذب جميع الرسل . وقيل إنهم عصوا هوداً ومن كان قبله من الرسل ، أو كانوا بحيث لو بعث الله إليهم رسلاً متعدّدين لكذبوهم { وَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } الجبار المتكبر ، والعنيد الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له . قال أبو عبيدة العنيد العنود والعاند والمعاند ، وهو المعارض بالخلاف منه ، ومنه قيل للعرق الذي يتفجر بالدم ، عاند . قال الراجز @ إني كبير لا أطيق العندا @@ { وَأُتْبِعُواْ فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } أي ألحقوها ، وهي الإبعاد من الرحمة والطرد من الخير ، والمعنى أنها لازمة لهم لا تفارقهم ما داموا في الدنيا وأتبعوها { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } فلعنوا هنالك كما لعنوا في الدنيا { أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } أي بربهم . وقال الفراء كفروا نعمة ربهم ، يقال كفرته وكفرت به مثل شكرته وشكرت له { أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } أي لا زالوا مبعدين من رحمة الله ، والبعد الهلاك ، والبعد التباعد من الخير ، يقال بعد يبعد بعداً إذا تأخر وتباعد ، وبعد يبعد بعداً إذا هلك ، ومنه قول الشاعر @ لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفـة الجزر @@ وقال النابغة @ فلا تبعدن إنّ المنية منهل وكل امرىء يوماً به الحال زائل @@ ومنه قول الشاعر @ ما كان ينفعني مقال نسائهم وقتلت دون رجالهم لا تبعد @@ وقد تقدّم أن العرب تستعمله في الدعاء بالهلاك . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِى فَطَرَنِى } أي خلقني . وأخرج ابن عساكر ، عن الضحاك ، قال أمسك الله عن عاد القطر ثلاث سنين ، فقال لهم هود { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً } فأبوا إلا تمادياً . وأخرج أبو الشيخ ، عن هارون التيمي ، في قوله { يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً } قال المطر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } قال شدّة إلى شدّتكم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة ، في قوله { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } قال ولد الولد . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، في قوله { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء } قال أصابتك بالجنون . وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيـى بن سعيد قال ما من أحد يخاف لصاً عادياً ، أو سبعاً ضارياً ، أو شيطاناً مارداً فيتلو هذه الآية إلا صرفه الله عنه . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن مجاهد { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } قال الحق . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك ، في قوله { عَذَابٍ غَلِيظٍ } قال شديد . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } قال المشرك . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، قال العنيد المشاقّ . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ ، في قوله { وَأُتْبِعُواْ فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } قال لم يبعث نبيّ بعد عاد إلا لعنت على لسانه . وأخرج ابن المنذر ، عن قتادة ، في الآية قال تتابعت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ، ولعنة في الآخرة .