Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 61-68)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحًا } معطوف على ما تقدّم . والتقدير وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً ، والكلام فيه ، وفي قوله { يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } كما تقدّم في قصة هود . وقرأ الحسن ويحيـى بن وثاب « وإلى ثمود » بالتنوين في جميع المواضع . واختلف سائر القراء فيه ، فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع ، فالصرف باعتبار التأويل بالحيّ ، والمنع باعتبار التأويل بالقبيلة ، وهكذا سائر ما يصح فيه التأويلان ، وأنشد سيبويه في التأنيث باعتبار التأويل بالقبيلة @ غلب المساميح الوليد جماعة وكفى قريش المعضلات وسادها @@ { هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ } أي ابتدأ خلقكم من الأرض ، لأن كل بني آدم من صلب آدم ، وهو مخلوق من الأرض { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي جعلكم عمارها وسكانها ، من قولهم أعمر فلان فلاناً داره ، فهي له عمرى ، فيكون استفعل بمعنى أفعل مثل استجاب بمعنى أجاب . وقال الضحاك معناه أطال أعماركم ، وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف . وقيل معناه أمركم بعمارتها من بناء المساكن وغرس الأشجار { فَٱسْتَغْفِرُوهُ } أي سلوه المغفرة لكم من عبادة الأصنام { ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } أي ارجعوا إلى عبادته { إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } أي قريب الإجابة لمن دعاه ، وقد تقدّم القول فيه في البقرة عند قوله تعالى { فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِىَ } البقرة 186 { قَالُواْ ياصَـٰلِحٌ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هَـٰذَا } أي كنا نرجو أن تكون فيناً سيداً مطاعاً ننتفع برأيك ، ونسعد بسيادتك قبل هذا الذي أظهرته من ادّعائك النبوّة ، ودعوتك إلى التوحيد . وقيل كان صالح يعيب آلهتهم ، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم ، فلما دعاهم إلى الله قالوا انقطع رجاؤنا منك ، والاستفهام في قوله { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } للإنكار ، أنكروا عليه هذا النهي ، وأن نعبد في محل نصب بحذف الجار أي بأن نعبد ، ومعنى ما يعبد آباؤنا ما كان يعبد آباؤنا ، فهو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة { وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } من أربته ، فأنا أريبه إذا فعلت به فعلاً يوجب له الريبة ، وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة ، أو من أراب الرجل إذا كان ذا ريبة ، والمعنى إننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده ، وترك عبادة الأوثان موقع في الريب . { قَالَ يَـاقَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى } أي حجة ظاهرة وبرهان صحيح { وَآتَانِي مِنْهُ } أي من جهته { رَحْمَةً } أي نبوّة ، وهذه الأمور وإن كانت متحققة الوقوع ، لكنها صدّرت بكلمة الشك اعتباراً بحال المخاطبين ، لأنهم في شك من ذلك ، كما وصفوه عن أنفسهم { فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ } استفهام معناه النفي أي لا ناصر لي يمنعني من عذاب الله { إِنْ عَصَيْتُهُ } في تبليغ الرسالة ، وراقبتكم وفترت عما يجب عليّ من البلاغ { فَمَا تَزِيدُونَنِى } بتثبيطكم إياي { غَيْرَ تَخْسِيرٍ } بأن تجعلوني خاسراً بإبطال عملي ، والتعرّض لعقوبة الله لي . قال الفراء أي تضليل وإبعاد من الخير . وقيل المعنى فما تزيدونني باحتجاجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم . قوله { وَيٰقَوْم هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءايَةً } قد مرّ تفسير هذه الآية في الأعراف ، ومعنى { لكم آية } معجزة ظاهرة ، وهي منتصبة على الحال ، ولكم في محل نصب على الحال من { آية } مقدّمة عليها ، ولو تأخرت لكانت صفة لها . وقيل إن ناقة الله بدل من هذه ، والخبر لكم ، والأوّل أولى ، وإنما قال { ناقة الله } لأنه أخرجها لهم من جبل على حسب اقتراحهم . وقيل من صخرة صماء { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } أي دعوها تأكل في أرض الله مما فيها من المراعي التي تأكلها الحيوانات . قال أبو إسحاق الزجاج ويجوز رفع تأكل على الحال والاستئناف ، ولعله يعني في الأصل على ما تقتضيه لغة العرب لا في الآية ، فالمعتمد القراءات المروية على وجه الصحة { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } قال الفراء بعقر ، والظاهر أن النهي عما هو أعمّ من ذلك { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } جواب النهي أي قريب من عقرها . وذلك ثلاثة أيام { فَعَقَرُوهَا } أي فلم يمتثلوا الأمر من صالح ولا النهي ، بل خالفوا كل ذلك فوقع منهم العقر لها { فَقَالَ } لهم صالح { تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } أي تمتعوا بالعيش في منازلكم ثلاثة أيام ، فإن العقاب نازل عليكم بعدها . قيل إنهم عقروها يوم الأربعاء ، فأقاموا الخميس والجمعة والسبت ، وأتاهم العذاب يوم الأحد ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام { وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } أي غير مكذوب فيه ، فحذف الجارّ اتساعاً ، أو من باب المجاز ، كأن الوعد إذا وفى به صدق ولم يكذب ، ويجوز أن يكون مصدراً أي وعد غير كذب . { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } أي عذابنا ، أو أمرنا بوقوع العذاب { نَجَّيْنَا صَـٰلِحاً وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا } قد تقدّم تفسير هذا في قصة هود { وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ } أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة ، والخزي الذل والمهانة . وقيل من عذاب يوم القيامة ، والأوّل أولى . وقرأ نافع والكسائي بفتح " يوم " على أنه اكتسب البناء من المضاف إليه . وقرأ الباقون بالكسر { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ } القادر الغالب الذي لا يعجزه شيء { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } أي في اليوم الرابع من عقر الناقة ، صيح بهم فماتوا ، وذكر الفعل لأن الصيحة والصياح واحد ، مع كون التأنيث غير حقيقي . قيل صيحة جبريل ، وقيل صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم وماتوا ، وتقدّم في الأعراف { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } الأعراف 78 قيل ولعلها وقعت عقب الصيحة { فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } أي ساقطين على وجوههم موتى قد لصقوا بالتراب كالطير إذا جثمت { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } أي كأنهم لم يقيموا في بلادهم أو ديارهم ، والجملة في محل نصب على الحال والتقدير مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط { إِلا إن ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ } وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة البيان ، وصرح بكفرهم مع كونه معلوماً تعليلاً للدعاء عليهم بقوله { أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ } وقرأ الكسائي بالتنوين . وقد تقدم تفسير هذه القصة في الأعراف بما يحتاج إلى مراجعته ليضم ما في إحدى القصتين من الفوائد إلى الأخرى . وقد أخرج أبو الشيخ ، عن السديّ { هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ } قال خلقكم من الأرض . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } قال أعمركم فيها . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } قال استخلفكم فيها . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد { فَمَا تَزِيدُونَنِى غَيْرَ تَخْسِيرٍ } يقول ما تزدادون أنتم إلا خساراً . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عطاء الخراساني نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد ، في قوله { فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } قال ميتين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } قال كأن لم يعيشوا فيها . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، قال كأن لم يعمروا فيها . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، قال كأن لم ينعموا فيها .