Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 84-95)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي وأرسلنا إلى مدين ، وهم قوم شعيب ، أخاهم في النسب شعيباً . وسموا مدين باسم أبيهم ، وهو مدين ابن إبراهيم . وقيل باسم مدينتهم . قال النحاس لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة ، وقد تقدّم الكلام على هذا في الأعراف بأبسط مما هنا ، وقد تقدّم تفسير { قَالَ يَـاقَوْمٌ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } في أوّل السورة ، وهذه الجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قال لهم شعيب لما أرسله الله إليهم ؟ وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه ، أمرّهم أوّلاً بعبادة الله سبحانه الذي هو الإلٰه وحده لا شريك له ، ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان ، لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف ، كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد ، وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد ، وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص وجملة { إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } تعليل للنهي أي لا تنقصوا المكيال والميزان لأني أراكم بخير أي بثروة وسعة في الرزق ، فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده ، ففي هذه النعمة ما يغنيكم عن أخذ أموال الناس بغير حقها ، ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى ، فقال { وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } فهذه العلة فيها الإذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإذكار لهم بنعيم الدنيا ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب ، لأن العذاب واقع في اليوم ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم ، أنه لا يشذ منهم أحد عنه ، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهرباً ، واليوم هو يوم القيامة ، وقيل هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة . ثم أكد النهي عن نقص الكيل والوزن بقوله { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } والإيفاء هو الإتمام . والقسط العدل ، وهو عدم الزيادة والنقص وإن كان الزيادة على الإيفاء فضل وخير ، ولكنها فوق ما يفيده اسم العدل ، والنهي عن النقص ، وإن كان يستلزم الإيفاء ففي تعاضد الدلالتين مبالغة بليغة وتأكيد حسن ، ثم زاد ذلك تأكيداً فقال { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } قد مرّ تفسير هذا في الأعراف ، وفيه النهي عن البخس على العموم ، والأشياء أعمّ مما يكال ويوزن ، فيدخل البخس بتطفيف الكيل والوزن في هذا دخولاً أوّلياً . وقيل البخس المكس خاصة ، ثم قال { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } قد مرّ أيضاً تفسيره في البقرة ، والعثي في الأرض يشمل كل ما يقع فيها من الإضرار بالناس ، فيدخل فيه ما في السياق من نقص المكيال والميزان ، وقيده بالحال وهو قوله { مُفْسِدِينَ } ليخرج ما كان صورته من العثي في الأرض ، والمقصود به الإصلاح كما وقع من الخضر في السفينة { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي ما يبقيه لكم من الحلال بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر خيراً وبركة مما تبقونه لأنفسكم من التطفيف والبخس ، والفساد في الأرض ، ذكر معناه ابن جرير وغيره من المفسرين . وقال مجاهد بقية الله طاعته . وقال الربيع وصيته . وقال الفراء مراقبته ، وإنما قيد ذلك بقوله { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } لأن ذلك إنما ينتفع به المؤمن لا الكافر ، أو المراد بالمؤمنين هنا المصدّقون لشعيب { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظكم من الوقوع في المعاصي من التطفيف والبخس وغيرهما ، أو أحفظ عليكم أعمالكم ، وأحاسبكم بها وأجازيكم عليها . وجملة { قَالُواْ يَاشُعَيْبٌ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل فماذا قالوا لشعيب ؟ وقرىء " أصلاتك " بالإفراد ، و { أن نترك } في موضع نصب . وقال الكسائي موضعها خفض على إضمار الباء ، ومرادهم بما يعبد آباؤهم ما كانوا يعبدون من الأوثان ، والاستفهام للإنكار عليه والاستهزاء به ، لأن الصلوات عندهم ليست من الخير الذي يقال لفاعله عند إرادة تليين قلبه وتذليل صعوبته كما يقال لمن كان كثير الصدقة إذا فعل ما لا يناسب الصواب أصدقتك أمرتك بهذا . وقيل المراد بالصلاة هنا القراءة . وقيل المراد بها الدين ، وقيل المراد بالصلوات أتباعه ، ومنه المصلى الذي يتلو السابق وهذا منهم جواب لشعيب عن أمره لهم بعبادة الله وحده ، وقولهم { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } جواب له عن أمرهم بإيفاء الكيل والوزن ، ونهيهم عن نقصهما ، وعن بخس الناس ، وعن العثي في الأرض ، وهذه الجملة معطوفة على « ما » في { ما يعبد آباؤنا } . والمعنى أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، وتأمرك أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، من الأخذ والإعطاء ، والزيادة والنقص . وقرىء " تفعل ما تشاء " بالفوقية فيهما . قال النحاس فتكون { أو } على هذه القراءة للعطف على أن الأولى ، والتقدير أصلواتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء . وقرىء « نفعل » بالنون و " ما تشاء " بالفوقية ، ومعناه أصلواتك تأمرك أن نفعل نحن في أموالنا ما تشاؤه أنت وندع ما نشاؤه نحن وما يجري به التراضي بيننا ثم وصفوه بوصفين عظيمين فقالوا { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } على طريقة التهكم به ، لأنهم يعتقدون أنه على خلافهما ، أو يريدون إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك ، وفي اعتقادك ، ومعناهم أن هذا الذي نهيتنا عنه وأمرتنا به يخالف ما تعتقده في نفسك من الحلم والرشد . وقيل إنهم قالوا ذلك لا على طريقة الاستهزاء بل هو عندهم كذلك ، وأنكروا عليه الأمر والنهي منه لهم بما يخالف الحلم والرشد في اعتقادهم . وقد تقدّم تفسير الحلم والرشد . وجملة { قَالَ يَاقَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى } مستأنفة كالجمل التي قبلها . والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة من عند ربي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه { وَرَزَقَنِى مِنْهُ } أي من فضله وخزائن ملكه { رِزْقًا حَسَنًا } أي كثيراً واسعاً حلالاً طيباً ، وقد كان عليه السلام كثير المال . وقيل أراد بالرزق النبوّة . وقيل الحكمة ، وقيل العلم . وقيل التوفيق ، وجواب الشرط محذوف يدلّ عليه سياق الكلام تقديره أترك أمركم ونهيكم ، أو أتقولون في شأني ما تقولون مما تريدون به السخرية والاستهزاء { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ } أي وما أريد بنهيي لكم عن التطفيف والبخس أن أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه فأفعله دونكم ، يقال خالفه إلى كذا إذا قصده وهو مولّ عنه ، وخالفته عن كذا في عكس ذلك { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ } أي ما أريد بالأمر والنهي إلا الإصلاح لكم ، ودفع الفساد في دينكم ومعاملاتكم { مَا ٱسْتَطَعْتُ } ما بلغت إليه استطاعتي ، وتمكنت منه طاقتي { وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِٱللَّهِ } أي ما صرت موفقاً هادياً نبياً مرشداً إلا بتأييد الله سبحانه ، وإقداري عليه ومنحي إياه { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري التي منها أمركم ونهيكم { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي أرجع في كل ما نابني من الأمور ، وأفوّض جميع أموري إلى ما يختاره لي من قضائه وقدره ، وقيل معناه وإليه أرجع في الآخرة . وقيل إن الإنابة الدعاء . ومعناه وله أدعوا . قوله { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى } قال الزجاج معناه لا يكسبنكم شقاقي إصابة العذاب إياكم ، كما أصاب من كان قبلكم . وقيل معناه لا يحملنكم شقاقي ، والشقاق العداوة ، ومنه قول الأخطل @ ألا من مبلغ عني رسولا فكيف وجدتم طعم الشقاق @@ و { أَن يُصِيبَكُمُ } في محل نصب على أنه مفعول ثان ليجرمنكم { مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ } من الغرق { أَوْ قَوْمَ هُودٍ } من الريح { أَوْ قَوْمَ صَـٰلِحٍ } من الصيحة ، وقد تقدّم تفسير يجرمنكم وتفسير الشقاق { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ } يحتمل أن يريد ليس مكانهم ببعيد من مكانكم ، أو ليس زمانهم ببعيد من زمانكم ، أو ليسوا ببعيد منكم في السبب الموجب لعقوبتهم ، وهو مطلق الكفر ، وأفرد لفظ { بَعِيدٍ } لمثل ما سبق في { وَمَا هِى مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ } . ثم بعد ترهيبهم بالعذاب أمرهم بالاستغفار والتوبة ، فقال { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ وَدُودٌ } وقد تقدّم تفسير الاستغفار مع ترتيب التوبة عليه في أوّل السورة ، وتقدّم تفسير الرحيم ، والمراد هنا أنه عظيم الرحمة للتائبين ، والودود المحبّ . قال في الصحاح وددت الرجل أودّه ودّاً إذا أحببته ، والودود المحب ، والودّ والوُدّ والوَدّ المحبة ، والمعنى هنا أنه يفعل بعباده ما يفعله من هو بليغ المودّة بمن يودّه من اللطف به ، وسوق الخير إليه ، ودفع الشرّ عنه . وفي هذا تعليل لما قبله من الأمر بالاستغفار والتوبة . جملة { قَالُواْ ياشُعَيْبٌ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ } مستأنفة كالجمل السابقة ، والمعنى أنك تأتينا بما لا عهد لنا به من الإخبار بالأمور الغيبية ، كالبعث والنشور ، ولا نفقه ذلك أي نفهمه كما نفهم الأمور الحاضرة المشاهدة ، فيكون نفي الفقه على هذا حقيقة لا مجازاً . وقيل قالوا ذلك إعراضاً عن سماعه ، واحتقار الكلام مع كونه مفهوماً لديهم معلوماً عندهم ، فلا يكون نفي الفقه حقيقة بل مجازاً ، يقال فقه يفقه إذا فهم فِقْها وفَقها ، وحكى الكسائي فقهانا ، ويقال فقه فقهاً إذا صار فقيهاً { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } أي لا قوّة لك تقدر بها على أن تمنع نفسك منا ، وتتمكن بها من مخالفتنا . وقيل المراد أنه ضعيف في بدنه ، قاله عليّ بن عيسى . وقيل إنه كان مصاباً ببصره . قال النحاس وحكى أهل اللغة أن حمير تقول للأعمى ضعيف ، أي قد ضعف بذهاب بصره كما يقال له ضرير ، أي قد ضرّ بذهاب بصره . وقيل الضعيف المهين ، وهو قريب من القول الأوّل { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ } رهط الرجل عشيرته الذين يستند إليهم ، ويتقوّى بهم ، ومنه الراهط لجحر اليربوع ، لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده ، والرهط يقع على الثلاثة إلى العشرة ، وإنما جعلوا رهطه مانعاً من إنزال الضرر به مع كونهم في قلة ، والكفار ألوف مؤلفة لأنهم كانوا على دينهم ، فتركوه احتراماً لهم لا خوفاً منهم ، ثم أكدوا ما وصفوه به من الضعف بقولهم { وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } حتى نكفّ عنك لأجل عزتك عندنا ، بل تركنا رجمك لعزة رهطك علينا ، ومعنى { لرجمناك } لقتلناك بالرجم ، وكانوا إذا قتلوا إنساناً رجموه بالحجارة وقيل معنى { لرجمناك } لشتمناك ، ومنه قول الجعدي @ تراجمنا بمـرّ القول حتـى نصير كأننـا فرسا رهان @@ ويطلق الرجم على اللعن ، ومنه الشيطان الرجيم ، وجملة { قَالَ يَاقَوْمٌ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ ٱللَّهِ } مستأنفة ، وإنما قال أعزّ عليكم من الله ، ولم يقل أعزّ عليكم مني لأن نفي العزّة عنه وإثباتها لقومه كما يدل عليه إيلاء الضمير حرف النفي استهانة به ، والاستهانة بأنبياء الله استهانة بالله عزّ وجلّ ، فقد تضمن كلامهم أن رهطه أعزّ عليه من الله ، فاستنكر ذلك عليهم ، وتعجب منه ، وألزمهم ما لا مخلص لهم عنه ، ولا مخرج لهم منه بصورة الاستفهام ، وفي هذا من قوّة المحاجة ووضوح المجادلة وإلقام الخصم الحجر ما لا يخفى ، ولأمر ما سمي شعيب خطيب الأنبياء ، والضمير في { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ } راجع إلى الله سبحانه . والمعنى واتخذتم الله عزّ وجلّ بسبب عدم اعتدادكم بنبيه الذي أرسله إليكم { وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً } أي منبوذاً وراء الظهر لا تبالون به . وقيل المعنى واتخذتم أمر الله الذي أمرني بإبلاغه إليكم ، وهو ما جئتكم به وراء ظهوركم ، يقال جعلت أمره بظهر إذا قصرت فيه ، و { ظِهْرِيّاً } منسوب إلى الظهر ، والكسر لتغيير النسب { إِنَّ رَبّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم . { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنّى عَـٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } لما رأى إصرارهم على الكفر وتصميمهم على دين آبائهم ، وعدم تأثير الموعظة فيهم ، توعدهم بأن يعملوا على غاية تمكنهم ونهاية استطاعتهم ، يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ تمكن ، وأخبرهم أنه عامل على حسب ما يمكنه ويقدّر الله له ، ثم بالغ في التهديد والوعيد بقوله { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي عاقبة ما أنتم فيه من عبادة غير الله والإضرار بعباده ، وقد تقدّم مثله في الأنعام { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } " من " في محل نصب بـ { تعلمون } أي سوف تعلمون من هو الذي يأتيه العذاب المخزي الذي يتأثر عنه الذلّ والفضيحة والعار { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } معطوف على { من يأتيه } والمعنى ستعلمون من هو المعذب ومن هو الكاذب ؟ وفيه تعريض بكذبهم في قولهم { لَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } . وقيل إن " من " مبتدأ ، وما بعدها صلتها ، والخبر محذوف ، والتقدير من هو كاذب فسيعلم كذبه ويذوق وبال أمره . قال الفراء إنما جاء بهو في { مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ } لأنهم لا يقولون من قائم ، إنما يقولون من قام ، ومن يقوم ، ومن القائم ، فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل . قال النحاس ويدل على خلاف هذا قول الشاعر @ من رسولي إلى الثريا فإني ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب @@ { وَٱرْتَقِبُواْ إِنّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ } أي انتظروا إني معكم منتظر لما يقضي به الله بيننا { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ } أي لما جاء عذابنا ، أو أمرنا بعذابهم ، نجينا شعيباً وأتباعه الذين آمنوا به { بِرَحْمَةٍ مّنَّا } لهم بسبب إيمانهم ، أو برحمة منا لهم وهي هدايتهم للإيمان { وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } غيرهم بما أخذوا من أموالهم بغير وجه ، وظلموا أنفسهم بالتصميم على الكفر { ٱلصَّيْحَةَ } التي صاح بهم جبرائيل حتى خرجت أرواحهم من أجسادهم ، وفي الأعراف { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } الأعراف 78 وكذا في العنكبوت . وقد قدّمنا أن الرجفة الزلزلة ، وأنها تكون تابعة للصيحة لتموّج الهوى المفضي إليها { فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } أي ميتين ، وقد تقدّم تفسيره وتفسير { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } قريباً ، وكذا تفسير { أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } وحكى الكسائي أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ " كما بعدت ثمود " بضم العين . قال المهدوي من ضم العين من " بعدت " فهي لغة تستعمل في الخير والشرّ ، و " بعدت " بالكسر على قراءة الجمهور تستعمل في الشرّ خاصة ، وهي هنا بمعنى اللعنة . وقد أخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } قال رخص السعر { وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } قال غلاء السعر ، وأخرج ابن جرير ، عنه { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ } قال رزق الله . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } يقول حظكم من ربكم خير لكم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال طاعة الله . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الأعمش في قوله { أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ } قال أقراءتك . وأخرج ابن عساكر ، عن الأحنف أن شعيباً كان أكثر الأنبياء صلاة . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن زيد ، في قوله { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } قال نهاهم عن قطع هذه الدنانير والدراهم فقالوا إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء ، إن شئنا قطعناها ، وإن شئنا أحرقناها ، وإن شئنا طرحناها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن محمد بن كعب نحوه . وأخرجا عن زيد بن أسلم نحوه أيضاً . وأخرج عبد الرزاق ، وابن سعد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وعبد بن حميد ، عن سعيد بن المسيب ، نحوه أيضاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } قال يقولون إنك لست بحليم ولا رشيد . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة قال استهزاء به . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك ، في قوله { وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } قال الحلال . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ } قال يقول لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } قال إليه أرجع . وأخرج أبو نعيم في الحلية ، عن عليّ ، قال « قلت يا رسول ، الله أوصني ، قال " قل الله ربي ثم استقم " ، قلت ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، قال " ليهنك العلم أبا الحسن ، لقد شربت العلم شرباً ونهلته نهلاً " وفي إسناده محمد بن يوسف الكديمي . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى } لا يحملنكم فراقي . وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد ، قال شقاقي عداوتي . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ قال لا تحملنكم عداوتي . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن قتادة ، في قوله { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ } قال إنما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح وثمود . وأخرج أبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن سعيد بن جبير { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } قال كان أعمى ، وإنما عمي من بكائه من حبّ الله عزّ وجلّ . وأخرج الواحدي ، وابن عساكر ، عن شدّاد بن أوس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بكى شعيب عليه السلام من حبّ الله حتى عمي " وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والخطيب ، وابن عساكر من طرق ، عن ابن عباس ، في قوله { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } قال كان ضرير البصر . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي صالح ، مثله . وأخرج أبو الشيخ ، عن سفيان في قوله { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } قال كان أعمى ، وكان يقال له خطيب الأنبياء . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ ، قال معناه إنما أنت واحد . وأخرج أبو الشيخ ، عن عليّ بن أبي طالب ، أنه خطب فتلا هذه الآية في شعيب { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } قال كان مكفوفاً ، فنسبوه إلى الضعف { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ } قال عليّ فوالله الذي لا إلٰه غيره ما هابوا جلال ربهم ما هابوا إلا العشيرة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً } قال نبذتم أمره . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، قال في الآية لا تخافونه . وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال تهاونتم به .