Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 96-108)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المراد بالآيات التوراة ، والسلطان المبين المعجزات . وقيل المراد بالآيات هي التسع المذكورة في غير هذا الموضع ، والسلطان المبين العصا ، وهي وإن كانت من التسع لكنها لما كانت أبهرها أفردت بالذكر وقيل المراد بالآيات ما يفيد الظنّ ، والسلطان المبين ما يفيد القطع بما جاء به موسى وقيل هما جميعاً عبارة عن شيء واحد أي أرسلناه بما يجمع وصف كونه آية ، وكونه سلطاناً مبيناً وقيل إن السلطان المبين ما أورده موسى على فرعون في المحاورة بينهما { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِه } أي أرسلناه بذلك إلى هؤلاء . وقد تقدّم أن الملأ أشراف القوم ، وإنما خصهم بالذكر دون سائر القوم ، لأنهم أتباع لهم في الإصدار والإيراد ، وخصّ هؤلاء الملأ دون فرعون بقوله { فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } أي أمره لهم بالكفر ، لأن حال فرعون في الكفر أمر واضح ، إذ كفر قومه من الأشراف وغيرهم إنما هو مستند إلى كفره ، ويجوز أن يراد بأمر فرعون شأنه وطريقته ، فيعمّ الكفر وغيره { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } أي ليس فيه رشد قط ، بل هو غيّ وضلال ، والرشيد بمعنى المرشد ، والإسناد مجازي ، أو بمعنى ذي رشد ، وفيه تعريض بأن الرشد في أمر موسى { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } من قدمه بمعنى تقدّمه أي يصير متقدّماً لهم يوم القيامة سابقاً لهم إلى عذاب النار ، كما كان يتقدّمهم في الدنيا { فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ } أي إنه لا يزال متقدّماً لهم ، وهم يتبعونه حتى يوردهم النار ، وعبر بالماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه ، ثم ذمّ الورد الذي أوردهم إليه ، فقال { وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } لأن الوارد إلى الماء الذي يقول له الورد ، إنما يرده ليطفىء حرّ العطش ، ويذهب ظمأه ، والنار على ضدّ ذلك . ثم ذمهم بعد ذمّ المكان الذي يردونه ، فقال { وَأُتْبِعُواْ فِى هَـٰذِهِ لَعْنَةً } أي أتبع قوم فرعون مطلقاً ، أو الملأ خاصة ، أو هم وفرعون في هذه الدنيا لعنة عظيمة أي طرداً وإبعاداً { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي وأتبعوا لعنة يوم القيامة ، يلعنهم أهل المحشر جميعاً ، ثم إنه جعل اللعنة رفداً لهم على طريقة التهكم ، فقال { بِئْسَ ٱلرّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } . قال الكسائي وأبو عبيدة رفدته أرفده رفداً أمنته وأعطيته ، واسم العطية الرفد أي بئس العطاء ، والإعانة ما أعطوهم إياه ، وأعانوهم به ، والمخصوص بالذمّ محذوف أي رفدهم ، وهو اللعنة التي أتبعوها في الدنيا والآخرة ، كأنها لعنة بعد لعنة تمدّ الأخرى الأولى وتؤبدها . وذكر الماوردي حكاية عن الأصمعي أن الرفد بالفتح القدح ، وبالكسر ما فيه من الشراب فكأنه ذمّ ما يستقونه في النار ، وهذا أنسب بالمقام . وقيل إن الرفد الزيادة أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق ، وهو الزيادة قاله الكلبي . والإشارة بقوله { ذٰلِكَ مِنْ أَنْبَاء ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } أي ما قصه الله سبحانه في هذه السورة من أخبار الأمم السالفة ، وما فعلوه مع أنبيائهم ، أي هو مقصوص عليك خبر بعد خبر ، وقد تقدّم تحقيق معنى القصص ، والضمير في { منها } عائد إلى { القرى } أي من القرى قائم ، ومنها حصيد ، والقائم ما كان قائماً على عروشه ، والحصيد ما لا أثر له . وقيل القائم العامر ، والحصيد الخراب . وقيل القائم القرى الخاوية على عروشها ، والحصيد المستأصل بمعنى محصود ، شبه القرى بالزرع القائم على ساقه والمقطوع . قال الشاعر @ والناس في قسم المنية بينهم كالزرع منه قائم وحصيد @@ { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } بما فعلنا بهم من العذاب { وَلَـٰكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالكفر والمعاصي { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءالِهَتَهُمُ } أي فما دفعت عنهم أصنامهم التي يعبدونها من دون الله شيئاً من العذاب { لَّمَّا جَاء أَمْرُ رَبّكَ } أي لما جاء عذابه { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } الهلاك والخسران أي ما زادتهم الأصنام التي يعبدونها إلا هلاكاً وخسراناً ، وقد كانوا يعتقدون أنها تعينهم على تحصيل المنافع { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ } قرأ الجحدري وطلحة بن مصرف « أخذ » على أنه فعل . وقرأ غيرهما { أخذ } على المصدر { إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ } أي أهلها وهم ظالمون { إِنَّ أَخْذَهُ } أي عقوبته للكافرين { أَلِيمٌ شَدِيدٌ } أي موجع غليظ { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } أي في أخذ الله سبحانه لأهل القرى ، أو في القصص الذي قصه على رسوله لعبرة وموعظة { لّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } لأنهم الذين يعتبرون بالعبر ، ويتعظون بالمواعظ ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة أن يجمع فيه الناس للمحاسبة والمجازاة { وَذَلِكَ } أي يوم القيامة { يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } أي يشهده أهل المحشر ، أو مشهود فيه الخلائق ، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول { وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } أي وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء أجل معدود معلوم بالعدد ، قد عيّن الله سبحانه وقوع الجزاء بعده { يَوْمَ يَأْتِ } قرأ أهل المدينة وأبو عمرو ، والكسائي بإثبات الياء في الدرج ، حذفها في الوقف . وقرأ أبيّ ، وابن مسعود بإثباتها وصلاً ووقفاً . وقرأ الأعمش بحذفها فيهما ، ووجه حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي أن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فحذفت الياء كما تحذف الضمة . ووجه قراءة من قرأ بحذف الياء مع الوصل أنهم رأوا رسم المصحف كذلك . وحكى الخليل وسيبويه أن العرب تقول لا أدر ، فتحذف الياء وتجتزىء بالكسر ، وأنشد الفراء في حذف الياء @ كفاك كف ما تليق درهما جوداً وأخرى تعط بالسيف الدما @@ قال الزجاج والأجود في النحو إثبات الياء ، والمعنى حين يأتي يوم القيامة { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ } أي لا تتكلم حذفت إحدى التاءين تخفيفاً أي لا تتكلم فيه نفس إلا بما أذن لها من الكلام . وقيل لا تكلم بحجة ولا شفاعة { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } سبحانه لها في التكلم بذلك ، وقد جمع بين هذا وبين قوله { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } المرسلات 35 ، 36 باختلاف أحوالهم باختلاف مواقف القيامة . وقد تكرّر مثل هذا الجمع في مواضع { فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } أي من الأنفس شقيّ ، ومنهم سعيد . فالشقيّ من كتبت عليه الشقاوة ، والسعيد من كتبت له السعادة ، وتقديم الشقيّ على السعيد لأن المقام مقام تحذير { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِى ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } أي فأما الذين سبقت لهم الشقاوة ، فمستقرّون في النار لهم فيها زفير وشهيق . قال الزجاج الزفير من شدّة الأنين ، وهو المرتفع جداً . قال وزعم أهل اللغة من البصريين والكوفيين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير ، والشهيق بمنزلة آخره . وقيل الزفير الصوت الشديد ، والشهيق الصوت الضعيف . وقيل الزفير إخراج النفس ، والشهيق ردّ النفس . وقيل الزفير من الصدر ، والشهيق من الحلق . وقيل الزفير ترديد النفس من شدّة الخوف ، والشهيق النفس الطويل الممتد ، والجملة إما مستأنفة كأنه قيل ما حالهم فيها ؟ أو في محل نصب على الحال { خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي مدّة دوامهما . وقد اختلف العلماء في بيان معنى هذا التوقيت ، لأنه قد علم بالأدلة القطعية تأييد عذاب الكفار في النار ، وعدم انقطاعه عنهم ، وثبت أيضاً أن السموات والأرض تذهب عند انقضاء أيام الدنيا ، فقالت طائفة إن هذا الإخبار جار على ما كانت العرب تعتاده إذا أرادوا المبالغة في دوام الشيء ، قالوا هو دائم ما دامت السموات والأرض ، ومنه قولهم لا آتيك ما جنّ ليل ، وما اختلف الليل والنهار ، وما ناح الحمام ونحو ذلك . فيكون معنى الآية أنهم خالدون فيها أبداً لا انقطاع لذلك ولا انتهاء له . وقيل إن المراد سموات الآخرة وأرضها ، فقد ورد ما يدل على أن للآخرة سموات وأرضاً غير هذه الموجودة في الدنيا ، وهي دائمة بدوام دار الآخرة ، وأيضاً لا بدّ لهم من موضع يقلهم وآخر يظلهم ، وهما أرض وسماء . قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قد اختلف أهل العلم في معنى هذا الاستثناء على أقوال الأوّل أنه من قوله { فَفِى ٱلنَّارِ } كأنه قال إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك . روي هذا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري . الثاني أن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين ، وأنهم يخرجون بعد مدّة من النار ، وعلى هذا يكون قوله سبحانه { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } عاماً في الكفرة والعصاة ، ويكون الاستثناء من { خالدين } ، وتكون " ما " بمعنى من ، وبهذا قال قتادة ، والضحاك ، وأبو سنان ، وغيرهم . وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواتراً يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد ، فكان ذلك مخصصاً لكل عموم . الثالث أن الاستثناء من الزفير والشهيق أي لهم فيها زفير وشهيق { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق ، قاله ابن الأنباري . الرابع أن معنى الاستثناء أنهم خالدون فيها ما دامت السموات والأرض ، لا يموتون إلا ما شاء ربك ، فإنه يأمر النار فتأكلهم حتى يفنوا ، ثم يجدّد الله خلقهم ، روي ذلك عن ابن مسعود . الخامس أن { إلا } بمعنى سوى ، والمعنى ما دامت السموات والأرض سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود ، كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه ، ثم زاد عليه الدوام الذي لا آخر له حكاه الزجاج . السادس ما روي عن الفراء وابن الأنباري وابن قتيبة من أن هذا لا ينافي عدم المشيئة كقولك والله لأضربنه إلا أن أرى غير ذلك ، ونوقش هذا بأن معنى الآية الحكم بخلودهم إلا لمدة التي شاء الله ، فالمشيئة قد حصلت جزماً وقد حكي هذا القول الزجاج أيضاً . السابع أن المعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من مقدار موقفهم في قبوركم وللحساب ، حكاه الزجاج أيضاً . الثامن أن المعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم وزيادة العذاب لأهل الجحيم حكاه أيضاً الزجاج ، واختاره الحكيم الترمذي . التاسع أن { إلا } بمعنى الواو ، قاله الفراء والمعنى وما شاء ربك من الزيادة ، قال مكي وهذا القول بعيد عند البصريين أن تكون إلا بمعنى الواو . العاشر أن { إلا } بمعنى الكاف ، والتقدير كما شاء ربك ، ومنه قوله تعالى { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } النساء 22 أي كما قد سلف . الحادي عشر أن هذا الاستثناء إنما هو على سبيل الاستثناء الذي ندب إليه الشارع في كل كلام ، فهو على حدّ قوله { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَاء ٱللَّهُ ءامِنِينَ } الفتح 27 روى نحو هذا عن أبي عبيد ، وهذه الأقوال هي جملة ما وقفنا عليه من أقوال أهل العلم . وقد نوقش بعضها بمناقشات ، ودفعت بدفوعات . وقد أوضحت ذلك في رسالة مستقلة جمعتها في جواب سؤال ورد من بعض الأعلام . { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قرأ الأعمش ، وحفص ، وحمزة ، والكسائي { سعدوا } بضم السين ، وقرأ الباقون بفتح السين ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم . قال سيبويه لا يقال سعد فلان ، كما لا يقال شقي فلان لكونه مما لا يتعدى ، قال النحاس ورأيت عليّ بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي بضم السين مع علمه بالعربية ، وهذا لحن لا يجوز ، ومعنى الآية كما مرّ في قوله { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قد عرف من الأقوال المتقدّمة ما يصلح لحمل هذا الاستثناء عليه { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } أي يعطيهم الله عطاء غير مجذوذ ، والمجذوذ المقطوع ، من جذه يجذه إذا قطعه ، والمعنى أنه ممتدّ إلى غير نهاية . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يقول أضلهم فأوردهم النار . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في الآية قال فرعون يمضي بين أيدي قومه حتى يهجم بهم على النار . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس ، في قوله { فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ } قال الورود الدخول . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { بِئْسَ ٱلرّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } قال لعنة الدنيا والآخرة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه { مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } يعني قرى عامرة وقرى خامدة . وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة { منها قائم } يرى مكانه ، و { حصيد } لا يرى له أثر . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن جريج { منها قائم } خاو على عروشه ، و { حصيد } ملصق بالأرض . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي عاصم { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ } قال ما نفعت . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عمر ، في قوله { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } أي هلكة . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن زيد قال تخسير . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة معناه . وأخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } . وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد ، في قوله { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } يقول إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة كما وفينا للأنبياء أنا ننصرهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } قال يوم القيامة . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، مثله . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن جريج ، في قوله { يَوْمَ يَأْتِ } قال ذلك اليوم . وأخرج الترمذي وحسنه ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عمر بن الخطاب ، قال لما نزلت { فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } قلت يا رسول الله ، فعلام نعمل ، على شيء قد فرغ منه ، أو على شيء لم يفرغ منه ؟ قال " بل على شيء قد فرغ منه ، وجرت به الأقلام يا عمر ، ولكن كلّ ميسر لما خلق له " وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال هاتان من المخبآت ، قول الله { فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } و { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا } المائدة 109 أما قوله { فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } فهم قوم من أهل الكتاب من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ، ثم يأذن في الشفاعة لهم ، فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة ، فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِى ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } حين أذن في الشفاعة لهم ، وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة وهم هم { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه { فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } يعني الذين كانوا في النار . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن قتادة أنه تلا هذه الآية { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } فقال حدّثنا أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يخرج قوم من النار ولا نقول كما قال أهل حروراء إن من دخلها بقي فيها " وأخرج ابن مردويه ، عن جابر ، قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } إلى قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن شاء الله أن يخرج أناساً من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن خالد بن معدان في قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قال إنها في التوحيد من أهل القبلة . وأخرج عبد الرزاق ، وابن الضريس ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله ، أو عن أبي سعيد الخدري ، أو رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قال هذه الآية قاضية على القرآن كله ، يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي عن أبي نضرة ، قال ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قال لكل جنة سماء وأرض . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ ، نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن ، نحوه أيضاً . وأخرج البيهقي في البعث والنشور ، عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قال فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار ، وأن يخلد هؤلاء في الجنة . وأخرج ابن جرير ، عنه ، في قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قال استثنى الله من النار أن تأكلهم . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ ، في الآية قال فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها ، فأنزل بالمدينة { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } النساء 168 إلى آخر الآية ، فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها ، وأوجب لهم خلود الأبد . وقوله { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } الآية . قال فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها ، فأنزل بالمدينة { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ } إلى قوله { ظِـلاًّ ظَلِيلاً } النساء 57 فأوجب لهم خلود الأبد . وأخرج ابن المنذر ، عن الحسن ، قال قال عمر لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج ، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه . وأخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد ، وقرأ { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } الآية . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن إبراهيم ، قال ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية { خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قال وقال ابن مسعود ليأتينّ عليها زمان تخفق أبوابها . وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمراناً وأسرعهما خراباً . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } قال الله أعلم بتثنيته على ما وقعت . وقد روي عن جماعة من السلف مثل ما ذكره عمر ، وأبو هريرة ، وابن مسعود ، كابن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وجابر ، وأبي سعيد من الصحابة ، وعن أبي مجلز وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهما من التابعين . وورد في ذلك حديث في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، وإسناده ضعيف . ولقد تكلم صاحب الكشاف في هذا الموضع بما كان له في تركه سعة ، وفي السكوت عنه غنى ، فقال ولا يخدعنك قول المجبرة إن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار ، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم ، وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روي لهم بعض الثوابت عن ابن عمرو ليأتينّ على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد . ثم قال وأقول ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث . انتهى . وأقول أما الطعن على من قال بخروج أهل الكبائر من النار ، فالقائل بذلك يا مسكين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما صح عنه في دواوين الإسلام التي هي دفاتر السنة المطهرة ، وكما صحّ عنه في غيرها من طريق جماعة من الصحابة يبلغون عدد التواتر فمالك والطعن على قوم عرفوا ما جهلته ، وعملوا بما أنت عنه في مسافة بعيدة ، وأيّ مانع من حمل الاستثناء على هذا الذي جاءت به الأدلة الصحيحة الكثيرة ، كما ذهب إلى ذلك وقال به جمهور العلماء من السلف والخلف . وأما ما ظننته من أن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ، ويسجل بافترائهم ، فلا مناداة ولا مخالفة ، وأيّ مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة ، فالاستثناء الأوّل يحمل على معنى { إلا ما شاء ربك } من خروج العصاة من هذه الأمة من النار ، والاستثناء الثاني يحمل على معنى { إلا ما شاء ربك } من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم ، وذلك لتأخر خلودهم إليها مقدار المدّة التي لبثوا فيها في النار . وقد قال بهذا من أهل العلم من قدّمنا ذكره ، وبه قال ابن عباس حبر الأمة . وأما الطعن على صاحب رسول الله ، وحافظ سنته ، وعابد الصحابة ، عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، فإلى أين يا محمود ، أتدري ما صنعت ، وفي أيّ واد وقعت ، وعلى أي جنب سقطت ؟ ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان ، وتتناول نجوم السماء بيديك القصيرة ، ورجلك العرجاء ، أما كان لك في مكسري طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف ، والتكلم بما لا تدري ، فيالله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية ، والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ، ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه .