Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-22)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا شروع في حكاية خلاص يوسف ، وما كان بعد ذلك من خبره ، وقد تقدم تفسير السيارة ، والمراد بها هنا رفقة مارة تسير من الشام إلى مصر ، فأخطؤا الطريق وهاموا حتى نزلوا قريباً من الجبّ ، وكان في قفرة بعيدة من العمران . والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم ، وكان اسمه فيما ذكر المفسرون مالك بن ذعر من العرب العاربة { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } أي أرسله ، يقال أدلى دلوه إذا أرسلها ليملأها ، ودلاها إذا أخرجها ، قاله الأصمعي وغيره . فتعلق يوسف بالحبل ، فلما خرج الدلو من البئر أبصره الوارد فقال " يا بشراي " هكذا قرأ أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة ، وأهل الشام بإضافة البشرى إلى الضمير . وقرأ أهل الكوفة { يا بشرى } غير مضاف ، ومعنى مناداته للبشرى أنه أراد حضورها في ذلك الوقت ، فكأنه قال هذا وقت مجيئك وأوان حضورك . وقيل إنه نادى رجلاً اسمه بشرى . والأوّل أولى . قال النحاس والمعنى من نداء البشرى للتبشير لمن حضر ، وهو أوكد من قولك بشرته كما تقول يا عجبا أي يا عجب هذا من أيامك فاحضر . قال وهذا مذهب سيبويه { وَأَسَرُّوهُ } أي أسرّ الوارد وأصحابه الذين كانوا معه يوسف فلم يظهروه لهم . وقيل إنهم لم يخفوه ، بل أخفوا وجدانهم له في الجبّ ، وزعموا أنه دفعه إليهم أهل الماء ليبيعوه لهم بمصر . وقيل ضمير الفاعل في { أسرّوه } لإخوة يوسف ، وضمير المفعول ليوسف ، وذلك أنه كان يأتيه أخوه يهوذا كل يوم بطعام ، فأتاه يوم خروجه من البئر فأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا هذا غلام أبق منا فاشتروه منهم ، وسكت يوسف مخافة أن يأخذوه فيقتلوه ، والأوّل أولى . وانتصاب { بضاعة } على الحال أي أخفوه حال كونه بضاعة أي متاعاً للتجارة ، والبضاعة ما يبضع من المال ، أي يقطع منه ، لأنها قطعة من المال الذي يتجر به ، قيل قاله لهم الوارد وأصحابه أنه بضاعة استبضعناها من الشام مخافة أن يشاركوهم فيه ، وفي قوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } وعيد شديد لمن كان فعله سبباً لما وقع فيه يوسف من المحن وما صار فيه من الابتذال بجري البيع والشراء فيه ، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم ، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في وصفه بذلك . قوله { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرٰهِمَ مَعْدُودَةٍ } يقال شراه بمعنى اشتراه ، وشراه بمعنى باعه . قال الشاعر @ وشريت برداً ليتني من بعد برد كنت هامه @@ أي بعته . وقال آخر @ فلما شراها فاضت العين عبرة @@ أي اشتراها . والمراد هنا وباعوه ، أي باعه الوارد وأصحابه { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أي ناقص ، أو زائف ، وقيل يعود إلى إخوة يوسف على القول السابق ، وقيل عائد إلى الرفقة ، والمعنى اشتروه . وقيل بخس ظلم ، وقيل حرام . قيل باعوه بعشرين درهماً ، وقيل بأربعين ، و { دراهم } بدل من ثمن أي دنانير ، و { معدودة } وصف لدراهم ، وفيه إشارة إلى أنها قليلة تعدّ ولا توزن لأنهم كانوا لا يزنون ما دون أوقية وهي أربعون درهماً ، { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزاهِدِينَ } يقال زهدت وزهدت بفتح الهاء وكسرها . قال سيبويه والكسائي قال أهل اللغة يقال زهد فيه أي رغب عنه ، وزهد عنه أي رغب فيه . والمعنى أنهم كانوا فيه من الراغبين عنه الذين لا يبالون به ، فلذلك باعوه بذلك الثمن البخس وذلك لأنهم التقطوه ، والملتقط للشيء متهاون به ، والضمير من { كانوا } يرجع إلى ما قبله على حسب اختلاف الأقوال فيه . { وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ } هو العزيز الذي كان على خزائن مصر ، وكان وزيراً لملك مصر ، وهو الريان بن الوليد من العمالقة . وقيل إن الملك هو فرعون موسى ، قيل اشتراه بعشرين ديناراً ، وقيل تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكاً وعنبراً وحريراً وورقاً وذهباً ولآلىء وجواهر ، فلما اشتراه العزيز قال { لاِمْرَأَتِهِ } واللام متعلقة بـ { اشتراه } ، { أَكْرِمِى مَثْوَاهُ } أي منزله الذي يثوى فيه بالطعام الطيب واللباس الحسن . يقال ثوى بالمكان أي أقام به { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا } أي يكفينا بعض المهمات مما نحتاج إلى مثله فيه { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } أي نتبناه فنجعله ولداً لنا . قيل كان العزيز حصوراً لا يولد له ، وقيل كان لا يأتي النساء ، وقد كان تفرّس فيه أنه ينوب عنه فيما إليه من أمر المملكة . قوله { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ } الكاف في محل نصب على أنه نعت مصدر محذوف ، والإشارة إلى ما تقدّم من إنجائه من إخوته وإخراجه من الجبّ ، وعطف قلب العزيز عليه أي مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف حتى صار متمكناً من الأمر والنهي ، يقال مكنه فيه أي أثبته فيه ، ومكن له فيه أي جعل له فيه مكاناً ، ولتقارب المعنيين يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر . قوله { وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } هو علة لمعلل محذوف كأنه قيل فعلنا ذلك التمكين لنعلمه من تأويل الأحاديث ، أو كان ذلك الإنجاء لهذه العلة ، أو معطوف على مقدّر ، وهو أن يقال مكنا ليوسف ليترتب على ذلك ما يترتب مما جرى بينه وبين امرأة العزيز ، { ولنعلمه من تأويل الأحاديث } ومعنى تأويل الأحاديث تأويل الرؤيا ، فإنها كانت من الأسباب التي بلغ بها ما بلغ من التمكن ، وقيل معنى تأويل الأحاديث فهم أسرار الكتب الإلهية وسنن من قبله من الأنبياء ، ولا مانع من حمل ذلك على الجميع . { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } أي على أمر نفسه لا يمتنع منه شيء ، ولا يغالبه عليه غيره من مخلوقاته { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يۤس 82 . ومن جملة ما يدخل تحت هذا العام كما يفيد ذلك إضافة اسم الجنس إلى الضمير ، ما يتعلق بيوسف عليه السلام من الأمور التي أرادها الله سبحانه في شأنه . وقيل معنى { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } أنه كان من أمر يعقوب أن لا يقصّ رؤيا يوسف على إخوته ، فغلب أمر الله سبحانه حتى قصت عليهم حتى وقع منهم ما وقع ، وهذا بعيد جدّاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يطلعون على غيب الله وما في طيه من الأسرار العظيمة والحكم النافعة ، وقيل المراد بالأكثر الجميع لأنه لا يعلم الغيب إلاّ الله . وقيل إن الله سبحانه قد يطلع بعض عبيده على بعض غيبه ، كما في قوله { فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } الجن 26 - 27 . وقيل المعنى ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره ، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر . قوله { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } الأشدّ . قال سيبويه جمع واحدة شدّة ، وقال الكسائي واحده شدّ . وقال أبو عبيد إنه لا واحد له من لفظه عند العرب ، ويردّه قول الشاعر @ عَهدي به شدَّ النهارِ كأنما خُضِبَ البنانَ ورأسه بالعظْلم @@ والأشدّ هو وقت استكمال القوة ، ثم يكون بعده النقصان . قيل هو ثلاث وثلاثون سنة ، وقيل بلوغ الحلم ، وقيل ثماني عشرة سنة ، وقيل غير ذلك مما قد قدمنا بيانه في النساء والأنعام . والحكم هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان ملك مصر ، والعلم هو العلم بالحكم الذي كان يحكمه وقيل العقل والفهم والنبوّة وقيل الحكم هو النبوّة ، والعلم هو العلم بالدين . وقيل علم الرؤيا ، ومن قال إنه أوتي النبوة صبياً قال المراد بهذا الحكم والعلم الذي آتاه الله هو الزيادة فيهما . { وَكَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } أي ومثل ذلك الجزاء العجيب نجزي المحسنين ، فكل من أحسن في عمله أحسن الله جزاءه . وجعل عاقبة الخير من جملة ما يجزيه به . وهذا عام يدخل تحته جزاء يوسف على صبره الحسن دخولاً أولياً . قال الطبري هذا وإن كان مخرجه ظاهراً على كل محسن فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى كما فعل هذا بيوسف ثم أعطيته ما أعطيته كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة ، وأمكن لك في الأرض . والأولى ما ذكرناه من حمل العموم على ظاهره فيدخل تحته ما ذكره ابن جرير الطبري . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله { وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ } قال جاءت سيارة فنزلت على الجبّ { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } فاستسقى الماء فاستخرج يوسف ، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاماً لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه ، فزهدوا فيه فباعوه ، وكان بيعه حراماً ، وباعوه بدراهم معدودة . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } يقول فأرسلوا رسولهم { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } فنشب الغلام بالدلو ، فلما خرج { قَالَ هَـٰذَا غُلاَمٌ } تباشروا به حين استخرجوه ، وهي بئر ببيت المقدس معلوم مكانها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السدّي في قوله { يا بشراي } قال كان اسم صاحبه بشرى كما تقول يا زيد ، وهذا على ما فيه من البعد لا يتم إلاّ على قراءة من قرأ { يا بشرى } بدون إضافة . وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي نحوه . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } يعني إخوة يوسف أسرّوا شأنه ، وكتموا أن يكون أخاهم ، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته ، واختار البيع فباعه إخوته بثمن بخس . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن مجاهد قال أسرّه التجار بعضهم من بعض . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عنه { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } قال صاحب الدلو ومن معه ، قالوا لأصحابهم إنا استبضعناه خيفة أن يشركوهم فيه إن علموا به ، واتبعهم إخوته يقولون للمدلى وأصحابه استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوا بمصر ، فقال من يبتاعني ويبشر ، فابتاعه الملك والملك مسلم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله { وَشَرَوْهُ } قال إخوة يوسف باعوه حين أخرجه المدلي دلوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال بيع بينهم بثمن بخس ، قال حرام لم يحلّ لهم بيعه ، ولا أكل ثمنه . وأخرج ابن جرير عن قتادة { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } قال هم السيارة . وأخرج أبو الشيخ عن عليّ بن أبي طالب أنه قضى في اللقيط أنه حرّ ، وقرأ { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } . وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال البخس القليل . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن الشعبي مثله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إنما اشتري يوسف بعشرين درهماً ، وكان أهله حين أرسل إليهم بمصر ثلاثمائة وتسعين إنساناً رجالهم أنبياء ، ونساؤهم صدّيقات ، والله ما خرجوا مع موسى حتى بلغوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً . وقد روي في مقدار ثمن يوسف غير هذا المقدار مما لا حاجة إلى التطويل بذكره . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ } قال كان اسمه قطفير . وأخرج أبو الشيخ عن شعيب الجبائي أن اسم امرأة العزيز زليخا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال الذي اشتراه أطيفير بن روحب ، وكان اسم امرأته راعيل بنت رعاييل . وأخرج ابن جرير ، وابن إسحاق ، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال اسم الذي باعه من العزيز مالك بن زعر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه في قوله { أَكْرِمِى مَثْوَاهُ } قال منزلته . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن قتادة مثله . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين تفرّس في يوسف ، فقال لامرأته { أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً } ، والمرأة التي أتت موسى فقالت لأبيها { يا أبت استأجره } القصص 26 ، وأبو بكر حين استخلف عمر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } قال عبارة الرؤيا . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في كتاب الأضداد ، والطبراني في الأوسط ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } قال ثلاثاً وثلاثين سنة . وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال أربعين سنة . وأخرج عن عكرمة قال خمسا وعشرين سنة . وأخرج عن السدّي قال ثلاثين سنة . وأخرج عن سعيد بن جبير قال ثماني عشرة سنة . وأخرج عن ربيعة قال الحلم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الشعبي نحوه . وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال عشرين سنة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد { اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } قال هو الفقه والعلم والعقل قبل النبوّة . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وَكَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } قال المهتدين .