Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 26-30)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر الله سبحانه عاقبة المشركين بقوله { وَلَهُمْ سُوء ٱلدَّارِ } كان لقائل أن يقول قد نرى كثيراً منهم قد وفر الله له الرزق وبسط له فيه ، فأجاب عن ذلك بقوله { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } فقد يبسط الرزق لمن كان كافراً ، ويقتره على من كان مؤمناً ابتلاءً وامتحاناً ، ولا يدلّ البسط على الكرامة ولا القبض على الإهانة ، ومعنى يقدر يضيق ، ومنه { مِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } الطلاق 7 أي ضيق . وقيل معنى يقدر يعطي بقدر الكفاية ، ومعنى الآية أنه الفاعل لذلك وحده القادر عليه دون غيره { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي مشركو مكة فرحوا بالدنيا وجهلوا ما عند الله ، قيل وفي هذه الآية تقديم وتأخير ، والتقدير الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا ، فيكون { وفرحوا } معطوفاً على يفسدون { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَـٰعٌ } أي ما هي إلاّ شيء يستمتع به ، وقيل المتاع واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما ، وقيل المعنى شيء قليل ذاهب ، من متع النهار إذا ارتفع فلا بدّ له من زوال ، وقيل زاد كزاد الراكب يتزوّد به منها إلى الآخرة . { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رَّبّهِ } أي يقول أولئك المشركون من أهل مكة هلا أنزل على محمد آية من ربه ؟ وقد تقدّم تفسير هذا قريباً ، وتكرر في مواضع { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء } أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بهذا ، وهو أن الضلال بمشيئة الله سبحانه ، من شاء أن يضله ضلّ كما ضلّ هؤلاء القائلون { لولا أنزل عليه آية من ربه } ، { وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي ويهدي إلى الحق ، أو إلى الإسلام ، أو إلى جنابه - عزّ وجلّ - { مَنْ أَنَابَ } أي من رجع إلى الله بالتوبة والإقلاع عما كان عليه ، وأصل الإنابة الدخول في نوبة الخير . كذا قال النيسابوري ، ومحل الذين آمنوا النصب على البدلية من قوله { مَنْ أَنَابَ } أي أنهم هم الذين هداهم الله وأنابوا إليه ، ويجوز أن يكون { الذين أمنوا } خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا ، أو منصوب على المدح { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } أي تسكن وتستأنس بذكر الله سبحانه بألسنتهم ، كتلاوة القرآن ، والتسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والتوحيد ، أو بسماع ذلك من غيرهم ، وقد سمي سبحانه القرآن ذكراً قال { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـٰهُ } الأنبياء 50 ، وقال { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ } الحجر 9 . قال الزجاج أي إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين بخلاف من وصف بقوله { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } الزمر 45 وقيل تطمئن قلوبهم بتوحيد الله ، وقيل المراد بالذكر هنا الطاعة ، وقيل بوعد الله ، وقيل بالحلف بالله ، فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه ، وقيل بذكر رحمته ، وقيل بذكر دلائله الدالة على توحيده { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } وحده دون غيره { تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } والنظر في مخلوقات الله سبحانه وبدائع صنعه وإن كان يفيد طمأنينة في الجملة ، لكن ليست كهذه الطمأنينة ، وكذلك النظر في المعجزات من الأمور التي لا يطيقها البشر ، فليس إفادتها للطمأنينة كإفادة ذكر الله ، فهذا وجه ما يفيده هذا التركيب من القصر . { ٱلَّذِينَ امَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ } الموصول مبتدأ خبره الجملة الدعائية ، وهي طوبى لهم على التأويل المشهور ، ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على المدح ، وطوبى لهم خبر مبتدأ محذوف ، ويجوز أن يكون الموصول بدلاً من القلوب على حذف مضاف أي قلوب الذين آمنوا . قال أبو عبيدة ، والزجاج ، وأهل اللغة طوبى فعلى من الطيب . قال ابن الأنباري وتأويلها الحال المستطابة ، وقيل طوبى شجرة في الجنة ، وقيل هي الجنة ، وقيل هي البستان بلغة الهند ، وقيل معنى { طوبى لهم } حسنى لهم ، وقيل خير لهم ، وقيل كرامة لهم ، وقيل غبطة لهم ، قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة ، والأصل طيبى فصارت الياء واواً لسكونها وضم ما قبلها ، واللام في لهم للبيان مثل سقياً لك ورعياً لك ، وقرىء حسن مآب بالنصب والرفع ، من آب إذا رجع أي وحسن مرجع ، وهو الدار الآخرة . { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ } أي مثل ذلك الإرسال العظيم الشأن المشتمل على المعجزة الباهرة ، أرسلناك يا محمد ، وقيل شبه الأنعام على من أرسل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بالأنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله ، ومعنى { فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ } في قرن قد مضت من قبله قرون ، أو في جماعة من الناس قد مضت من قبلها جماعات { لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } أي لتقرأ عليهم القرآن { يَكْفُرُونَ * بِٱلرَّحْمَـٰنِ } أي بالكثير الرحمة لعباده ، ومن رحمته لهم إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم كما قال سبحانه { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } الأنبياء 107 وجملة { قُلْ هُوَ رَبّى } مستأنفة بتقدير سؤال كأنهم قالوا وما الرحمٰن ؟ فقال سبحانه { قُلْ } يا محمد { هُوَ رَبّى } أي خالقي { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا يستحق العبادة له والإيمان به سواه { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره { مَتَابِ } أي توبتي ، وفيه تعريض بالكفار وحثّ لهم على الرجوع إلى الله والتوبة من الكفر والدخول في الإسلام . وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عبد الرحمٰن بن سابط في قوله { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلاْخِرَةِ إِلاَّ مَتَـٰعٌ } قال كزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر أو الشيء من الدقيق ، أو الشيء يشرب عليه اللبن . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال كان الرجل يخرج في الزمان الأول في إبله ، أو غنمه ، فيقول لأهله متعوني فيمتعونه فلقة الخبز أوالتمر ، فهذا مثل ضربه الله للدنيا . وأخرج الترمذي وصححه عن عبد الله ابن مسعود قال « نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه ، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك ؟ فقال " ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلاّ كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها " وأخرج مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه عن المستورد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما الدنيا في الآخرة إلاّ كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم يرجع ؟ وأشار بالسبابة " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } قال هشت إليه واستأنست به ، وأخرج أبو الشيخ عن السدّي في الآية قال إذا حلف لهم بالله صدقوا . { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } قال تسكن . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال بمحمد وأصحابه . وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين نزلت هذه الآية « { ألا بذكر ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } " هل تدرون ما معنى ذلك ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم ، قال " من أحبّ الله ورسوله وأحبّ أصحابي " وأخرج ابن مردويه عن عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } قال " ذاك من أحبّ الله ورسوله ، وأحبّ أهل بيتي صادقاً غير كاذب ، وأحبّ المؤمنين شاهداً وغائباً ، ألا بذكر الله يتحابون " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { طُوبَىٰ لَهُمْ } قال فرح وقرّة عين . وأخرج ابن أبي شيبة ، وهناد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { طُوبَىٰ لَهُمْ } قال نعم ما لهم . وقد روي عن جماعة من السلف نحو ما قدّمنا ذكره من الأقوال ، والأرجح تفسير الآية بما روي مرفوعاً إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي عن عتبة ابن عبد قال " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله في الجنة فاكهة ؟ قال نعم فيها شجرة تدعى طوبى " الحديث . وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والخطيب في تاريخه عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال يا رسول الله ، طوبى لمن رآك وآمن بك ، قال " طوبى لمن آمن بي ورآني ، ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " ، فقال رجل وما طوبى ؟ قال " شجرة في الجنة مسير مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " وفي الباب أحاديث وآثار عن السلف ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ، اقرءوا إن شئتم { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } الواقعة 30 وفي بعض الألفاظ « إنها شجرة الخلد " وأخرج أبو الشيخ عن السديّ { وَحُسْنُ مَـئَابٍ } قال حسن منقلب . وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حين صالح قريشاً كتب في الكتاب « بسم الله الرحمٰن الرحيم ، فقالت قريش أما الرحمٰن فلا نعرفه ، وكان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم ، فقال أصحابه دعنا نقاتلهم ، فقال " لا ، ولكن اكتبوا كما يريدون » . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن جريج في هذه الآية نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { وَإِلَيْهِ مَتَابِ } قال توبتي .