Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-27)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر سبحانه مثل أعمال الكفار ، وأنها كرماد اشتدّت به الريح ، ثم ذكر نعيم المؤمنين ، وما جازاهم الله به من إدخالهم الجنة خالدين فيها ، وتحية الملائكة لهم ذكر تعالى ها هنا مثلاً للكلمة الطيبة ، وهي كلمة الإسلام ، أي لا إلٰه إلاّ الله ، أو ما هو أعمّ من ذلك من كلمات الخير ، وذكر مثلاً للكلمة الخبيثة ، وهي كلمة الشرك ، أو ما هو أعم من ذلك من كلمات الشرّ ، فقال مخاطباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو مخاطباً لمن يصلح للخطاب { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } أي اختار مثلاً وضعه في موضعه اللائق به ، وانتصاب { مثلاً } على أنه مفعول ضرب ، و { كلمة } بدل منه ، ويجوز أن تنتصب الكلمة على أنها عطف بيان لـ { مثلاً } ، ويجوز أن تنتصب الكلمة بفعل مقدّر ، أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وحكم بأنها مثلها ، ومحل { كشجرة } النصب على أنها صفة لكلمة ، أو الرفع على تقدير مبتدأ ، أي هي كشجرة ، ويجوز أن تكون { كلمة } أوّل مفعولي { ضرب } ، وأخرت عن المفعول الثاني ، وهو { مثلاً } لئلا تبعد عن صفتها ، والأوّل أولى ، و { كلمة } وما بعدها تفسير للمثل ، ثم وصف الشجرة بقوله { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } أي راسخ آمن من الانقلاع بسبب تمكنها من الأرض بعروقها { فِى ٱلسَّمَاء } أي أعلاها ذاهب إلى جهة السماء مرتفع في الهواء . ثم وصفها سبحانه بأنها { تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } كل وقت { بِإِذْنِ رَبّهَا } بإرادته ومشيئته ، قيل وهي النخلة . وقيل غيرها . وقيل والمراد بكونها { تؤتي أكلها كل حين } أي كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف . وقيل المراد في أوقات مختلفة من غير تعيين وقيل كل غدوة وعشية ، وقيل كل شهر . وقيل كل ستة أشهر . قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الحين عند جميع أهل اللغة إلاّ من شذّ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره ، وأنشد الأصمعي قول النابغة @ تطلقه حيناً وحيناً تراجع @@ قال النحاس وهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت . وقد ورد الحين في بعض المواضع يراد به أكثر كقوله { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ حِينٌ مّنَ ٱلدَّهْرِ } الإنسان 1 . وقد تقدّم بيان أقوال العلماء في الحين في سورة البقرة في قوله { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } البقرة 36 . وقال الزجاج الحين الوقت طال أم قصر . { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يتفكرون أحوال المبدأ والمعاد . وبدائع صنعه سبحانه الدالة على وجوده ووحدانيته ، وفي ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعاني . { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } قد تقدّم تفسيرها . وقيل هي الكافر نفسه ، والكلمة الطيبة المؤمن نفسه . { كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } أي كمثل شجرة خبيثة ، قيل هي شجرة الحنظل . وقيل هي شجرة الثوم . وقيل الكمأة وقيل الطحلبة . وقيل هي الكشوث بالضم وآخره مثلثة ، وهي شجرة لا ورق لها ولا عروق في الأرض . قال الشاعر @ وهي كشوث فلا أصل ولا ثمر @@ وقرىء " ومثلاً كلمة " بالنصب عطفاً على كلمة طيبة { ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأرْضِ } أي استؤصلت واقتلعت من أصلها ، ومنه قول الشاعر @ هو الجلاء الذي يجتث أصلكم @@ قال المؤرج أخذت جثتها وهي نفسها ، والجثة شخص الإنسان ، يقال جثَّه قلعه ، واجتثه اقتلعه . ومعنى { من فوق الأرض } أنه ليس لها أصل راسخ ، وعروق متمكنة من الأرض { ما لَهَا مِن قَرَارٍ } أي من استقرار على الأرض . وقيل من ثبات على الأرض ، كما أن الكافر وكلمته لا حجة له ولا ثبات فيه ، ولا خير يأتي منه أصلاً ، ولا يصعد له قول طيب ولا عمل طيب . { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } أي بالحجة الواضحة ، وهي الكلمة الطيبة المتقدّم ذكرها ، وقد ثبت في الصحيح أنها كلمة الشهادة « شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله وأن محمداً رسول الله » وذلك إذا قعد المؤمن في قبره . قال النبي صلى الله عليه وسلم " فذلك قوله تعالى { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } " وقيل معنى تثبيت الله لهم هو أن يدوموا على القول الثابت ، ومنه قول عبد الله بن رواحة @ يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا @@ ومعنى { في الحياة الدنيا } أنهم يستمرّون على القول الثابت في الحياة الدنيا . قال جماعة المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية القبر لأن الموتى في الدنيا حتى يبعثوا . ومعنى { وَفِي ٱلآخِرَةِ } وقت الحساب . وقيل المراد بالحياة الدنيا وقت المساءلة في القبر ، وفي الآخرة وقت المساءلة يوم القيامة والمراد أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردّد ولا جهل ، كما يقول من لم يوفق لا أدري ، فيقال له لا دريت ولا تليت { وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي يضلهم عن حجتهم التي هي القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم ، ولا عند الحساب ، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا . قيل والمراد بالظالمين هنا الكفرة . وقيل كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة ، فإنه لا يثبت في مواقف الفتن ، ولا يهتدي إلى الحق . ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا رادّ لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل . قال الفراء أي لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل ، والإظهار في محل الإضمار في الموضعين لتربية المهابة كما قيل والله أعلم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عباس في قوله { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً } قال شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله { كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ } وهو المؤمن { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } يقول لا إلٰه إلاّ الله ثابت في قلب المؤمن { وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَاء } يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء . { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } وهي الشرك { كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } يعني الكافر { ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ لَهَا مِن قَرَارٍ } يقول الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان ، ولا يقبل الله مع الشرك عملاً . وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم . وأخرج الترمذي ، والنسائي ، والبزار ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن أنس قال « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقال { مَثَلُ كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ } حتى بلغ { تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا } قال " هي النخلة " { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } حتى بلغ { ما لها مِن قَرَارٍ } قال " هي الحنظلة " . وروي موقوفاً على أنس ، قال الترمذي الموقوف أصح . وأخرج أحمد وابن مردويه . قال السيوطي بسند جيد عن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ } قال " هي التي لا ينقص ورقها قال هي النخلة " وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه " إن شجرة من الشجر ، لا يطرح ورقها مثل المؤمن " قال فوقع الناس في شجر البوادي . ووقع في قلبي أنها النخلة ، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هي النخلة " وفي لفظ للبخاري قال " أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها وتؤتي أكلها كل حين " فذكر نحوه . وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تدرون ما الشجرة الطيبة ؟ " ، " ثم قال هي النخلة " وروي نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا } قال كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف ، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال يكون أخضر ثم يكون أصفر . وأخرج عنه أيضاً في قوله { كُلَّ حِينٍ } قال جذاذ النخل . وأخرج الفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً { تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } قال تطعم في كل ستة أشهر . وأخرج أبو عبيد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر عنه أيضاً قال الحين هنا سنة . وأخرج البيهقي عنه أيضاً قال الحين قد يكون غدوة وعشية . وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وأهل السنن ، وغيرهم عن البراء بن عازب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إلٰه إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ، فذلك قوله سبحانه { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ } " وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي عن البراء بن عازب في قوله { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الآية قال التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا من ربك ؟ فقال ربي الله ، قال وما دينك ؟ قال ديني الإسلام . قال ومن نبيك ؟ قال نبيـي محمد صلى الله عليه وسلم . فذلك التثبيت في الحياة الدنيا . وأخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه . وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه عن أبي سعيد في الآية قال في الآخرة القبر . وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت " قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الآية . قال " هذا في القبر " وأخرج البيهقي من حديثها نحوه . وأخرج البزار عنها أيضاً قالت " قلت يا رسول الله ، تبتلى هذه الأمة في قبورها ، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ قال { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الآية " وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره ، وفي جوابه عليهم وفي عذاب القبر وفتنته ، وليس هذا موضع بسطها ، وهي معروفة .