Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 67-77)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر سبحانه ما كان من قوم لوط عند وصول الملائكة إلى قريتهم فقال { وَجَآء أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } أي أهل مدينة قوم لوط ، وهي سلام كما سبق ، وجملة { يستبشرون } في محل نصب على الحال ، أي مستبشرون بأضياف لوط طمعاً في ارتكاب الفاحشة منهم فقال لهم لوط { إِنَّ هَـؤُلآء ضَيْفِى } وحد الضيف لأنه مصدر كما تقدّم ، والمراد أضيافي ، وسماهم ضيفاً لأنه رآهم على هيئة الأضياف ، وقومه رأوهم مردا حسان الوجوه ، فلذلك طمعوا فيهم { فَلاَ تَفْضَحُونِ } يقال فضحه يفضحه فضيحة وفضحاً إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بإظهاره . والمعنى لا تفضحون عندهم بتعرضكم لهم بالفاحشة فيعلمون أني عاجز عن حماية من نزل بي ، أو لا تفضحون بفضيحة ضيفي ، فإن من فعل ما يفضح الضيف فقد فعل ما يفضخ المضيف { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في أمرهم { وَلاَ تُخْزُونِ } يجوز أن تكون من الخزي وهو الذلّ والهوان ، ويجوز أن يكون من الخزاية وهي الحياء والخجل . وقد تقدّم تفسير ذلك في هود . { قَالُواْ } أي قوم لوط ، مجيبين له { أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الاستفهام للإنكار ، والواو للعطف على مقدّر ، أي ألم نتقدّم إليك وننهك عن أن تكلمنا في شأن أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة ؟ وقيل نهوه عن ضيافة الناس ، ويجوز حمل ما في الآية على ما هو أعمّ من هذين الأمرين . { قَالَ هَـٰؤُلآء بَنَاتِى } فتزوّجوهنّ { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } ما عزمتم عليه من فعل الفاحشة بضيفي فهؤلاء بناتي تزوّجوهنّ حلالاً ولا تركبوا الحرام . وقيل أراد ببناته نساء قومه ، لكون النبيّ بمنزلة الأب لقومه ، وقد تقدّم تفسير هذا في هود { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } العمر والعمر بالفتح والضم واحد ، لكنهم خصوا القسم بالمفتوح ، لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألسنتهم . ذكر ذلك الزجاج . قال القاضي عياض اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله ، جلّ جلاله ، بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي ، فقال قال المفسرون بأجمعهم أقسم الله تعالى ها هنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفاً له . قال أبو الجوزاء ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم البرية عنده . قال ابن العربي ما الذي يمتنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء ، وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل يؤتى ضعفه من شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم على الله منه ، أو لا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم ، وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع . قال القرطبي ما قاله حسن ، فإنه يكون قسمه سبحانه بحياة محمد صلى الله عليه وسلم كلاماً معترضاً في قصة لوط . فإن قيل قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين ، ونحو ذلك فما فيهما من فضل ؟ وأجيب بأنه ما من شيء أقسم الله به إلاّ وفي ذلك دلالة على فضله على جنسه ، وذكر صاحب الكشاف وأتباعه أن هذا القسم هو من الملائكة على إرادة القول أي قالت الملائكة للوط لعمرك ، ثم قال وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له . انتهى . وقد كره كثير من العلماء القسم بغير الله سبحانه ، وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة في النهي عن القسم بغير الله ، فليس لعباده أن يقسموا بغيره . وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } الأنبياء 23 . وقيل الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون ، وطور سينين ، والنجم ، والضحى ، والشمس ، والليل ، ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به ، أي وخالق التين ، وكذلك ما بعده . وفي قوله { لَعَمْرُكَ } أي وخالق عمرك . ومعنى { إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } لفي غوايتهم يتحيرون ، جعل الغواية ، لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة ، والضمير لقريش . على أن القسم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو القوم لوط على أن القسم للرسول عليه السلام { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } العظيمة ، أو صيحة جبريل حال كونهم { مُشْرِقِينَ } أي داخلين في وقت الشروق ، يقال أشرقت الشمس أي أضاءت . وشرقت إذا طلعت ، وقيل هما لغتان بمعنى واحد . وأشرق القوم إذا دخلوا في وقت شروق الشمس . وقيل أراد شروق الفجر . وقيل أوّل العذاب كان عند شروق الفجر وامتدّ إلى طلوع الشمس . والصيحة العذاب { فَجَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا } أي عالي المدينة سافلها { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } من طين متحجر . وقد تقدّم الكلام مستوفى على هذا في سورة هود . { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي في المذكور من قصتهم ، وبيان ما أصابهم { لآيَاتٍ } لعلامات يستدلّ بها { لِلْمُتَوَسّمِينَ } للمتفكرين الناظرين في الأمر ومنه قول زهير @ وفيهن ملهى للصديق ومنظر أنيق لعين الناظر المتوسم @@ وقال الآخر @ أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إليّ عريفهم يتوسم @@ وقال أبو عبيدة للمتبصرين . وقال ثعلب الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك . والمعنى متقارب ، وأصل التوسم التثبت والتفكر ، مأخوذ من الوسم ، وهو التأثير بحديدة في جلد البعير { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } يعني قرى قوم لوط أو معدينتهم على طريق ثابت ، وهي الطريق من المدينة إلى الشام ، فإن السالك في هذه الطريق يمرّ بتلك القرى { إِنَّ فِى ذَلِكَ } المذكور من المدينة أو القرى { لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } يعتبرون بها ، فإن المؤمنين من العباد هم الذين يعتبرون بما يشاهدونه من الآثار . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وَجَآء أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } قال استبشروا بأضياف نبيّ الله لوط حين نزلوا به لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال يقولون أولم ننهك أن تضيف أحداً ، أو تؤويه ؟ { قَالَ هَـٰؤُلآء بَنَاتِى إِن كُنْتُمْ فَـٰعِلِينَ } أمرهم لوط بتزويج النساء ، وأراد أن يبقي أضيافه ببناته . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم عن ابن عباس قال ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } يقول وحياتك يا محمد ، وعمرك وبقائك في الدنيا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { لَعَمْرُكَ } قال لعيشك . وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال ما حلف الله بحياة أحد إلاّ بحياة محمد قال { لَعَمْرُكَ } الآية . وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون أن يقول الرجل لعمري يرونه كقوله وحياتي . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة { إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي في ضلالهم يلعبون . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الأعمش في الآية لفي غفلتهم يتردّدون . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { فأخذتهم الصيحة } مثل الصاعقة ، وكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة . وأخرج ابن جرير عنه { مُشْرِقِينَ } قال حين أشرقت الشمس . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عن ابن عباس في قوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } قال علامة ، أما ترى الرجل يرسل خاتمه إلى أهله ، فيقول هاتوا كذا وكذا ، فإذا رأوه ، عرفوا أنه حق . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { لِلْمُتَوَسّمِينَ } قال للناظرين . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة قال للمعتبرين . وأخرج ابن جريج ، وابن المنذر عن مجاهد قال للمتفرّسين ، وأخرج البخاري ، في التاريخ ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن السني ، وأبو نعيم ، وابن مردويه ، والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله ، ثم قرأ { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لِلْمُتَوَسّمِينَ } " وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } يقول لبهلاك . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال لبطريق مقيم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال لبطريق واضح .