Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 78-86)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَإِن كَانَ أَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ } " إن " هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، أي وإن الشأن كان أصحاب الأيكة . والأيكة الغيضة ، وهي جماع الشجر . والجمع الأيك . ويروى أن شجرهم كان دوماً ، وهو المقل ، فالمعنى وإن كان أصحاب الشجر المجتمع . وقيل الأيكة اسم القرية التي كانوا فيها . قال أبو عبيدة الأيكة ، وليكة مدينتهم كمكة وبكة ، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب ، وقد تقدّم خبرهم ، واقتصر الله سبحانه هنا على وصفهم بالظلم ، وقد فصل ذلك الظلم فيما سبق ، والضمير في { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } يرجع إلى مدينة قوم لوط ، ومكان أصحاب الأيكة ، أي وإن المكانين لبطريق واضح . والإمام اسم لما يؤتمّ به ، ومن جملة ذلك الطريق التي تسلك . قال الفراء والزجاج سمي الطريق إماماً ، لأنه يؤتمّ ويتبع . وقال ابن قتيبة لأن المسافر يأتمّ به حتى يصل إلى الموضع الذي يريده . وقيل الضمير للأيكة ومدين ، لأن شعيباً كان ينسب إليهما . ثم إن الله سبحانه ختم القصص بقصة ثمود فقال { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } الحجر اسم لديار ثمود ، قاله الأزهري . وهي ما بين مكة وتبوك . وقال ابن جرير هي أرض بين الحجاز والشام . وقال { المرسلين } ، ولم يرسل إليهم إلاّ صالح لأن من كذب واحداً من الرسل فقد كذب الباقين لكونهم متفقين في الدعوة إلى الله . وقيل كذبوا صالحاً ومن تقدّمه من الأنبياء . وقيل كذبوا صالحاً ، ومن معه من المؤمنين { وَءاتَيْنَـٰهُمْ ءايَـٰتِنَا } أي الآيات المنزلة على نبيهم ، ومن جملتها الناقة . فإن فيها آيات جمة ، كخروجها من الصخرة ، ودنوّ نتاجها عند خروجها وعظمها وكثرة لبنها { فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } أي غير معتبرين ، ولهذا عقروا الناقة وخالفوا ما أمرهم به نبيهم . { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا } النحت في كلام العرب البري والنجر ، نحته ينحته بالكسر نحتاً أي براه ، وفي التنزيل { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } الصافات 95 أي تنجرون . وكانوا يتخذون لأنفسهم من الجبال بيوتاً ، أي يخرقونها في الجبال . وانتصاب { ءامِنِينَ } على الحال . قال الفراء آمنين من أن ينقع عليهم ، وقيل آمنين من الموت . وقيل من العذاب ركوناً منهم على قوّتها ووثاقتها . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } أي داخلين في وقت الصبح . وقد تقدم ذكر الصيحة في الأعراف ، وفي هود ، وتقدم أيضاً قريباً . { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي لم يدفع عنهم شيئاً من عذاب الله ما كانوا يكسبون من الأموال والحصون في الجبال . { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقّ } أي متلبسة بالحق ، وهو ما فيهما من الفوائد والمصالح ، وقيل المراد بالحق مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته كما في قوله سبحانه { وَللَّهِ مَا فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاْرْضِ * لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } النجم 31 . وقيل المراد بالحق الزوال لأنها مخلوقة وكل مخلوق زائل { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } وعند إتيانها ينتقم الله ممن يستحق العذاب ، ويحسن إلى من يستحق الإحسان ، وفيه وعيد للعصاة وتهديد ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يصفح عن قومه ، فقال { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } أي تجاوز عنهم واعف عفواً حسناً . وقيل فأعرض عنهم إعراضاً جميلاً ولا تعجل عليهم ، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم . قيل وهذا منسوخ بآية السيف { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ } أي الخالق للخلق جميعاً ، العليم بأحوالهم وبالصالح والطالح منهم . وقد أخرج ابن مردويه ، وابن عساكر عن ابن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيباً " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس قال أصحاب الأيكة هم قوم شعيب ، والأيكة . ذات آجام وشجر كانوا فيها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأيكة الغيضة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال أصحاب الأيكة أهل مدين ، والأيكة الملتفة من الشجر . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال الأيكة مجمع الشيء . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال في قوله { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } طريق ظاهر . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في أصحاب الحجر قال أصحاب الوادي . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كان أصحاب الحجر ثمود وقوم صالح . وأخرج البخاري ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر " لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلاّ أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم " وأخرج ابن مردويه عنه قال « نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك بالحجر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناس من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، وعجنوا منها ، ونصبوا القدور باللحم ، فأمرهم بإهراق القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا ، فقال " إني أخشى أن يصيبكم مثل الذي أصابهم ، فلا تدخلوا عليهم " . وأخرج ابن مردويه ، عن سبرة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بالحجر لأصحابه " من عمل من هذا الماء شيئاً فليلقه " قال ومنهم من عجن العجين ، ومنهم من حاس الحيس . وأخرج ابن مردويه ، وابن النجار عن عليّ في قوله { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } قال الرضا بغير عتاب . وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد قال هذه الآية قبل القتال . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله .