Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 27-32)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } قيل هم العلماء ، قالوه لأممهم الذين كانوا يعظونهم ، ولا يلتفتون إلى وعظهم ، وكان هذا القول منهم على طريق الشماتة . وقيل هم الأنبياء ، وقيل الملائكة ، والظاهر الأوّل ، لأن ذكرهم بوصف العلم يفيد ذلك وإن كان الأنبياء والملائكة هم من أهل العلم ، بل هم أعرق فيه لكن لهم وصف يذكرون به هو أشرف من هذا الوصف ، وهو كونهم أنبياء أو كونهم ملائكة ، ولا يقدح في هذا جواز الإطلاق ، لأن المراد الاستدلال على الظهور فقط { إِنَّ ٱلْخِزْىَ ٱلْيَوْمَ } أي الذلّ والهوان والفضيحة يوم القيامة { وَٱلْسُّوء } أي العذاب { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } مختص بهم . { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } قد تقدّم تفسيره . والموصول في محل الجر على أنه نعت للكافرين ، أو بدل منه ، أو في محل نصب على الاختصاص ، أو في محل رفع على تقدير مبتدأ ، أي هم الذين تتوفاهم . وانتصاب { ظالمي أنفسهم } على الحال { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } معطوف على { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ } وما بينهما اعتراض أي أقرّوا بالربوبية ، وانقادوا عند الموت ، ومعناه الاستسلام قاله قطرب ، وقيل معناه المسالمة ، أي سالموا وتركوا المشاقة قاله الأخفش وقيل معناه الإسلام ، أي أقرّوا بالإسلام وتركوا ما كانوا فيه من الكفر ، وجملة { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء } يجوز أن تكون تفسيراً للسلم على أن يكون المراد بالسلم الكلام الدال عليه ، ويجوز أن يكون المراد بالسوء هنا الشرك ، ويكون هذا القول منهم على وجه الجحود والكذب ، ومن لم يجوّز الكذب على أهل القيامة حمله على أنهم أرادوا أنهم لم يعملوا سوءاً في اعتقادهم وعلى حسب ظنونهم ، ومثله قولهم { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23فلما قالوا هذا ، أجاب عليهم أهل العلم بقولهم { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي بلى كنتم تعملون السوء . إن الله عليم بالذي كنتم تعملونه ، فمجازيكم عليه ، ولا ينفعكم هذا الكذب شيئاً . { فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } أي يقال لهم ذلك عند الموت . وقد تقدّم ذكر أبواب جهنم ، وأن جهنم درجات بعضها فوق بعض ، و { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة ، لأن خلودهم مستقبل { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ } المخصوص بالذم محذوف ، والتقدير ، لبئس مثوى المتكبرين جهنم ، والمراد بتكبرهم هنا هو تكبرهم عن الإيمان والعبادة كما في قوله { إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } الصافات 35 . ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء ، فقال { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } وهم المؤمنون { مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا } أي أنزل خيراً . قال الثعلبي فإن قيل لم ارتفع الجواب في قوله { أساطير الأوّلين } وانتصب في قوله { خيراً } ؟ فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل ، فكأنهم قالوا الذي يقوله محمد هو أساطير الأوّلين ، والمؤمنون آمنوا بالنزول . فقال أنزل خيراً { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } قيل هذا من كلام الله عزّ وجلّ ، وقيل هو حكاية لكلام الذين اتقوا ، فيكون على هذا بدلاً من { خيراً } ، وعلى الأوّل يكون كلاماً مستأنفاً مسوقاً للمدح للمتقين ، والمعنى للذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا حسنة أي مثوبة حسنة { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } أي مثوبتها { خَيْرٌ } مما أوتوا في الدنيا { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } دار الآخرة ، فحذف المخصوص بالمدح لدلالة ما قبله عليه . وارتفاع { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها ، أو خبر مبتدأ محذوف ، وقيل يجوز أن تكون هي المخصوص بالمدح { يَدْخُلُونَهَا } هو إما خبر المبتدأ ، أو خبر بعد خبر ، وعلى تقدير تنكير { عدن } تكون صفة لجنات ، وكذلك { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ } وقيل يجوز أن تكون الجملتان في محل نصب على الحال على تقدير أن لفظ { عدن } علم ، وقد تقدّم معنى جري الأنهار من تحت الجنات { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ } أي لهم في الجنات ما تقع عليه مشيئتهم صفوا عفوا يحصل لهم بمجرّد ذلك { كَذَلِكَ يَجْزِى ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي مثل ذلك الجزاء يجزيهم ، والمراد بالمتقين . كل من يتقي الشرك وما يوجب النار من المعاصي . والموصول في قوله { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ } في محل نصب نعت للمتقين المذكور قبله ، قرأ الأعمش وحمزة { تتوفاهم } في هذا الموضع ، وفي الموضع الأوّل بالياء التحتية ، وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية . واختار القراءة الأولى أبو عبيد مستدلاً بما روي عن ابن مسعود أنه قال إن قريشاً زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم . و { طيبين } فيه أقوال طاهرين من الشرك ، أو الصالحين ، أو زاكية أفعالهم وأقوالهم ، أو طيبي الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله ، أو طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله ، أو طيبين الوفاة ، أي هي عليهم سهلة ، لا صعوبة فيها ، وجملة { يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } في محل نصب على الحال من الملائكة أي قائلين سلام عليكم . ومعناه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون السلام إنذاراً لهم بالوفاة . الثاني أن يكون تبشيراً لهم بالجنة لأن السلام أمان . وقيل إن الملائكة يقولون السلام عليك وليّ الله إن الله يقرأ عليك السلام { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي بسبب عملكم . قيل يحتمل هذا وجهين الأوّل أن يكون تبشيراً بدخول الجنة عند الموت . الثاني أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة . ولا ينافي هذا دخول الجنة بالتفضل كما في الحديث الصحيح " سدّدوا وقاربوا ، واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله " قيل ولا أنت يا رسول الله ؟ قال " ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمته " وقد قدّمنا البحث عن هذا . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } قال هؤلاء المؤمنون ، يقال لهم { مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ } فيقولون { خَيْرًا } { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أي آمنوا بالله وكتبه ، وأمروا بطاعته ، وحثوا عباد الله على الخير ، ودعوهم إليه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ } قال أحياء وأمواتاً قدّر الله لهم ذلك .