Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 33-40)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { هَلْ يَنظُرُونَ } الآية هذا جواب شبهة أخرى لمنكري النبوّة ، فإنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم ملكاً من السماء يشهد على صدقه في ادّعاء النبوّة فقال { هل ينظرون } في تصديق نبوّتك { إِلا أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } شاهدين بذلك . ويحتمل أن يقال إنهم لما طعنوا في القرآن بأنه أساطير الأوّلين أو عدهم الله بقوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } لقبض أرواحهم { أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ } أي عذابه في الدنيا المستأصل لهم ، أو المراد بأمر الله القيامة . وقرأ الأعمش ، وابن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف " إلا أن يأتيهم الملائكة " بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية . والمراد بكونهم { ينظرون } أي ينتظرون إتيان الملائكة أو إتيان أمر الله على التفسير الآخر أنهم قد فعلوا فعل من وجب عليه العذاب ، وصار منتظراً له ، وليس المراد أنهم ينتظرون ذلك حقيقة ، فإنهم لا يؤمنون بذلك ولا يصدّقونه { كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي مثل فعل هؤلاء من الإصرار على الكفر والتكذيب والاستهزاء فعل الذين خلوا من قبلهم من طوائف الكفار ، فأتاهم أمر الله فهلكوا { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بتدميرهم بالعذاب ، فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بما ارتكبوه من القبائح . وفيه أن ظلمهم مقصور عليهم باعتبار ما إليه يئول . وجملة { فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } معطوفة على { فعل الذين من قبلهم } ، وما بينهما اعتراض . وقيل في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله ، والمعنى فأصابهم جزاء سيئات أعمالهم ، أو جزاء أعمالهم السيئة { وَحَاقَ بِهِم } أي نزل بهم على وجه الإحاطة { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } أي العذاب الذي كانوا به يستهزئون ، أو عقاب استهزائهم . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } هذا نوع آخر من كفرهم الذي حكاه الله عنهم . والمراد بالذين أشركوا هنا . أهل مكة { لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } أي لو شاء عدم عبادتنا لشيء غيره ما عبدنا ذلك { نَّحْنُ وَلا ءابَاؤُنَا } الذين كانوا على ما نحن عليه الآن من دين الكفر والشرك بالله . قال الزجاج إنهم قالوا هذا على جهة الاستهزاء ، ولو قالوه عن اعتقاد لكانوا مؤمنين . وقد مضى الكلام على مثل هذا في سورة الأنعام { وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْء } من السوائب والبحائر ونحوهما ، ومقصودهم بهذا القول المعلق بالمشيئة الطعن في الرسالة ، أي لو كان ما قاله الرسول حقاً من المنع من عبادة غير الله ، والمنع من تحريم ما لم يحرّمه الله حاكياً ذلك عن الله لم يقع منا ما يخالف ما أراده منا فإنه قد شاء ذلك ، وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن ، فلما وقع منا العبادة لغيره وتحريم ما لم يحرمه كان ذلك دليلاً على أن ذلك هو المطابق لمراده والموافق لمشيئته ، مع أنهم في الحقيقة لا يعترفون بذلك ولا يقرّون به لكنهم قصدوا ما ذكرنا من الطعن على الرسل { كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من طوائف الكفر ، فإنهم أشركوا بالله وحرّموا ما لم يحرّمه ، وجادلوا رسله بالباطل واستهزءوا بهم ، ثم قال { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ } الذين يرسلهم الله إلى عباده بما شرعه لهم من شرائعه التي رأسها توحيده ، وترك الشرك به { إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } إلى من أرسلوا إليهم بما أمروا بتبليغه بلاغاً واضحاً يفهمه المرسل إليهم ولا يلتبس عليهم . ثم إنه سبحانه أكد هذا ، وزاده إيضاحاً فقال { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً } كما بعثنا في هؤلاء لإقامة الحجة عليهم { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } الإسراء 15 و « أن » في قوله { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } إما مصدرية أي بعثنا بأن اعبدوا الله ، أو مفسرة لأن في البعث معنى القول { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ } أي اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان ، والكاهن ، والصنم ، وكل من دعا إلى الضلال . { فَمِنْهُمْ } أي من هذه الأمم التي بعث الله إليها رسله { مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ } أي أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته واجتناب الطاغوت { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلَـٰلَةُ } أي وجبت وثبتت ، لإصراره على الكفر والعناد . قال الزجاج أعلم الله أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة ، وهو من وراء الإضلال والهداية . ومثل هذه الآية قوله تعالى { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } الأعراف 30 . وفي هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته ، واجتناب الشيطان ، وكل ما يدعو إلى الضلال ، وأنهم بعد ذلك فريقان فمنهم من هدى ، ومنهم من حقت عليه الضلالة ، فكان في ذلك دليل على أن أمر الله سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ، ولا يريد الهداية إلاّ للبعض ، إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد ، وهذا معنى ما حكيناه عن الزجاج هنا . { فَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } سير معتبرين { فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } من الأمم السابقة عند مشاهدتكم لآثارهم كعاد وثمود ، أي كيف صار آخر أمرهم إلى خراب الديار بعد هلاك الأبدان . بالعذاب ثم خصص الخطاب برسوله صلى الله عليه وسلم مؤكداً لما تقدّم فقال { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } أي تطلب بجهدك ذلك { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } قرأ ابن مسعود وأهل الكوفة { لا يهدي } بفتح حرف المضارعة على أنه فعل مستقبل مسند إلى الله سبحانه ، أي فإن الله لا يرشد من أضله ، و { من } في موضع نصب على المفعولية . وقرأ الباقون " لا يهدي " بضم حرف المضارعة على أنه مبني للمجهول ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم على معنى أنه لا يهديه هادٍ كائناً من كان . و { من } في موضع رفع على أنها نائب الفاعل المحذوف ، فتكون هذه الآية على هذه القراءة كقوله في الآية الأخرى { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } الأعراف 186 . والعائد على القراءتين محذوف ، أي من يضله . وروى أبو عبيد عن الفراء على القراءة الأولى أن معنى { لاَّ يَهِدِّى } لا يهتدي كقوله تعالى { أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } يونس 35 . بمعنى يهتدي . قال أبو عبيد ولا نعلم أحداً روى هذا غير الفراء ، وليس بمتهم فيما يحكيه . قال النحاس حكي عن محمد بن يزيد المبرد ، كأن معنى { لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } من علم ذلك منه ، وسبق له عنده { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } ينصرونهم على الهداية لمن أضله الله ، أو ينصرونهم بدفع العذاب عنهم . ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } مصدر في موضع الحال أي جاهدين { لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } من عباده ، زعموا أن الله سبحانه عاجز عن بعث الأموات ، فردّ الله عليهم ذلك بقوله { بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا } هذا إثبات لما بعد النفي ، أي بلى يبعثهم ، و { وعدا } مصدر مؤكد لما دلّ عليه " بلى " وهو يبعثهم لأن البعث وعد من الله وعد عباده به . والتقدير وعد البعث وعداً عليه حقاً لا خلف فيه ، و { حقاً } صفة لـ { وعد } ، وكذا { عليه } فإنه صفة لـ { وعدا } أي كائناً عليه ، أو نصب حقاً على المصدرية أي حق حقاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أن ذلك يسير عليه سبحانه غير عسير . وقوله { لِيُبَيّنَ لَهُمُ } أي ليظهر لهم ، وهو غاية لما دلّ عليه " بلى " من البعث ، والضمير في { لَهُمْ } راجع إلى من يموت ، والموصول في قوله { ٱلَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } في محل نصب على أنه مفعول ليبين ، أي الأمر الذي وقع الخلاف بينهم فيه ، وبيانه إذ ذاك يكون بما جاءتهم به الرسل ، ونزلت عليهم فيه كتب الله . وقيل إن { ليبين } متعلق بقوله { وَلَقَدْ بَعَثْنَا } أي بعثنا في كل أمة رسولاً ليبين وهو بعيد { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله سبحانه ، وأنكروا البعث { أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰذِبِينَ } في جدالهم وإنكارهم البعث بقولهم { لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } . وجملة { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } مستأنفة لبيان كيفية الإبداء والإعادة بعد بيان سهولة البعث عليه سبحانه . قال الزجاج أعلمهم بسهولة خلق الأشياء عليه فأخبر أنه متى أراد الشيء كان ، وهذا كقوله { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } البقرة 117 . وقرأ ابن عامر ، والكسائي { فيكون } بالنصب عطفاً على { أن نقول } . قال الزجاج يجوز أن يكون نصباً غلى جواب { كن } . وقرأ الباقون بالرفع على معنى فهو يكون . قال ابن الأنباري أوقع لفظ الشيء على المعلوم عند الله تعالى قبل الخلق ، لأنه بمنزلة ما قد وجد وشوهد . وقال الزجاج إن معنى « لشيء » لأجل شيء فجعل اللام سببية . وقيل هي لام التبليع ، كما في قولك قلت له قم فقام ، و { إِنَّمَا قَوْلُنَا } مبتدأ و { َأَنْ نَّقُولَ لَهُ كُنْ } خبره ، وهذا الكلام من باب التمثيل على معنى أنه لا يمتنع عليه شيء ، وأن وجوده عند إرادته كوجود المأمورية عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع ، وليس هناك قول ولا مقول له ، ولا أمر ، ولا مأمور حتى يقال إنه يلزم منه أحد محالين ، إما خطاب المعدوم ، أو تحصيل لحاصل . وقد مضى تفسير ذلك في سورة البقرة مستوفى . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } قال بالموت ، وقال في آية أخرى { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلَـئِكَةُ } الأنفال 50 ، وهو ملك الموت ، وله رسل { أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ } وذاكم يوم القيامة . وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } قال من يضله الله لا يهديه أحد . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا وكذا ، فقال له المشرك إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت ، فأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت ، فأنزل الله { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } الآية . وأخرج ابن العقيلي ، وابن مردويه عن عليّ في قوله { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } قال نزلت فيّ . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر عن أبي هريرة ، قال « قال الله تعالى سبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني ، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني ، أما تكذيبه إياي ، فقال { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } ، وقلت { بلى وعداً عليه حقاً } وأما سبه إياي ، فقال { إن الله ثالث ثلاثة } المائدة 73 ، وقلت { قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } سورة الإخلاص 1 - 4 ، هكذا ذكره أبو هريرة موقوفاً وهو في الصحيحين مرفوعاً بلفظ آخر . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { لِيُبَيّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } يقول للناس عامة .