Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-70)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الظرف في قوله { وَإِذْ قَالَ } متعلق بفعل محذوف هو أذكر . قيل ووجه ذكر هذه القصة في هذه السورة أن اليهود لما سألوا النبيّ عن قصة أصحاب الكهف وقالوا إن أخبركم فهو نبيّ وإلا فلا . ذكر الله قصة موسى والخضر تنبيهاً على أن النبيّ لا يلزمه أن يكون عالماً بجميع القصص والأخبار . وقد اتفق أهل العلم على أن موسى المذكور هو موسى بن عمران النبيّ المرسل إلى فرعون ، وقالت فرقة لا التفات إلى ما تقوله منهم نوف البكالي إنه ليس ابن عمران ، وإنما هو موسى بن ميشى بن يوسف بن يعقوب ، وكان نبياً قبل موسى بن عمران ، وهذا باطل قد ردّه السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم كما في صحيح البخاري وغيره ، والمراد بفتاه هنا هو يوشع بن نون . قال الواحدي أجمعوا على أنه يوشع بن نون ، وقد مضى ذكره في المائدة ، وفي آخر سورة يوسف ، ومن قال إن موسى هو ابن ميشى قال إن هذا الفتى لم يكن هو يوشع بن نون . قال الفراء وإنما سمي فتى موسى لأنه كان ملازماً له يأخذ عنه العلم ويخدمه ، ومعنى { لا أَبْرَحُ } لا أزال ، ومنه قوله { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـٰكِفِينَ } طه 91 . ومنه قول الشاعر @ وأبرح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقاً مجيداً @@ وبرح إذا كان بمعنى زال فهو من الأفعال الناقصة ، وخبره هنا محذوف اعتماداً على دلالة ما بعده وهو { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } قال الزجاج لا أبرح بمعنى لا أزال ، وقد حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه ، ولأن قوله { حَتَّىٰ أَبْلُغَ } غاية مضروبة ، فلا بدّ لها من ذي غاية ، فالمعنى لا أزال أسير إلى أن أبلغ ، ويجوز أن يراد لا يبرح مسيري حتى أبلغ ، وقيل معنى { لا أبرح } لا أفارقك حتى أبلغ مجمع البحرين ، وقيل يجوز أن يكون من برح التام ، بمعنى زال يزال ، ومجمع البحرين ملتقاهما . قيل المراد بالبحرين بحر فارس والروم وقيل بحر الأردن وبحر القلزم ، وقيل مجمع البحرين عند طنجة ، وقيل بإفريقية . وقالت طائفة المراد بالبحرين موسى والخضر ، وهو من الضعف بمكان . وقد حكي عن ابن عباس ولا يصح . { أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً } أي أسير زماناً طويلاً . قال الجوهري الحقب بالضم ثمانون سنة . وقال النحاس الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود ، كما أن رهطاً وقوماً منهم غير محدود ، وجمعه أحقاب . وسبب هذه العزيمة على السير من موسى عليه السلام ما روي أنه سئل موسى من أعلم الناس ؟ فقال أنا ، فأوحى الله إليه إنّ أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين . { فَلَمَّا بَلَغَا } أي موسى وفتاه { مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } أي بين البحرين ، وأضيف مجمع إلى الظرف توسعاً وقيل البين بمعنى الافتراق أي البحران المفترقان يجتمعان هناك ، وقيل الضمير لموسى والخضر ، أي وصلا الموضع الذي فيه اجتماع شملهما ، ويكون البين على هذا بمعنى الوصل ، لأنه من الأضداد ، والأوّل أولى { نَسِيَا حُوتَهُمَا } قال المفسرون إنهما تزوّدا حوتاً مملحاً في زنبيل ، وكانا يصيبان منه عند حاجتهما إلى الطعام ، وكان قد جعل الله فقدانه أمارة لهما على وجدان المطلوب . والمعنى أنهما نسيا بفقد أمره ، وقيل الذي نسي إنما هو فتى موسى ، لأنه وكل أمر الحوت إليه ، وأمره أن يخبره إذا فقده ، فلما انتهيا إلى ساحل البحر وضع فتاه المكتل الذي فيه الحوت فأحياه الله ، فتحرّك واضطرب في المكتل ، ثم انسرب في البحر ، ولهذا قال { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ سَرَباً } انتصاب { سرباً } على أنه المفعول الثاني لاتخذ ، أي اتخذ سبيلاً سرباً ، والسرب النفق الذي يكون في الأرض للضبّ ونحوه من الحيوانات ، وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية الماء على الموضع الذي انسرب فيه الحوت فصار كالطاق ، فشبه مسلك الحوت في البحر مع بقائه وانجياب الماء عنه بالسرب الذي هو الكوّة المحفورة في الأرض . قال الفراء لما وقع في الماء جمد مذهبه في البحر فكان كالسرب ، فلما جاوزا ذلك المكان الذي كانت عنده الصخرة وذهب الحوت فيه انطلقا ، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال ، ولم يجدا النصب حتى جاوزا الموضع الذي فيه الخضر ، ولهذا قال سبحانه { فَلَمَّا جَاوَزَا } أي مجمع البحرين الذي جعل موعداً للملاقاة { قَالَ لِفَتَـٰهُ ءاتِنَا غَدَاءنَا } وهو ما يؤكل بالغداة ، وأراد موسى أن يأتيه بالحوت الذي حملاه معهما { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } أي تعباً وإعياء ، قال المفسرون الإشارة بقوله { سفرنا هذا } إلى السفر الكائن منهما بعد مجاوزة المكان المذكور ، فإنهما لم يجدا النصب إلا في ذلك دون ما قبله { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } أي قال فتى موسى لموسى ، ومعنى الاستفهام تعجيبه لموسى مما وقع له من النسيان هناك مع كون ذلك الأمر مما لا ينسى ، لأنه قد شاهد أمراً عظيماً من قدرة الله الباهرة ، ومفعول { أرأيت } محذوف لدلالة ما ذكره من النسيان عليه ، والتقدير أرأيت ما دهاني ، أو نابني في ذلك الوقت والمكان . وتلك الصخرة كانت عند مجمع البحرين الذي هو الموعد ، وإنما ذكرها دون أن يذكر مجمع البحرين لكونها متضمنة لزيادة تعيين المكان ، لاحتمال أن يكون المجمع مكاناً متسعاً يتناول مكان الصخرة وغيره ، وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذي تقدّم ذكره لبيان أن ذلك الغداء المطلوب هو ذلك الحوت الذي جعلاه زاداً لهما ، وأمارة لوجدان مطلوبهما . ثم ذكر ما يجري مجرى السبب في وقوع ذلك النسيان فقال { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ } بما يقع منه من الوسوسة ، و { أَنْ أَذْكُرَهُ } بدل اشتمال من الضمير في أنسانيه ، وفي مصحف عبد الله وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ عَجَبًا } انتصاب { عجباً } على أنه المفعول الثاني كما مرّ في { سرباً } ، والظرف في محل نصب على الحال ، يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع ، أخبر موسى أن الحوت اتخذ سبيله عجباً للناس ، وموضع التعجب أن يحيا حوت قد مات وأكل شقه ، ثم يثب إلى البحر ويبقى أثر جريته في الماء لا يمحو أثرها جريان ماء البحر ، ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه لبيان طرف آخر من أمر الحوت ، فيكون ما بين الكلامين اعتراضاً . { قَالَ ذٰلِكَ مَا كُنَّا نبغ } أي ، قال موسى لفتاه ذلك الذي ذكرت من فقد الحوت في ذلك الموضع هو الذي كنا نطلبه ، فإن الرجل الذي نريده هو هنالك { فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءاثَارِهِمَا قَصَصًا } أي رجعا على الطريق التي جاءا منها يقصان أثرهما لئلا يخطئا طريقهما ، وانتصاب { قصصاً } على أنه مصدر لفعل محذوف ، أو على الحال ، أي قاصين أو مقتصين ، والقصص في اللغة اتباع الأثر { فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا } هو الخضر في قول جمهور المفسرين ، وعلى ذلك دلت الأحاديث الصحيحة ، وخالف في ذلك من لا يعتدّ بقوله ، فقال ليس هو الخضر بل عالم آخر قيل سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضرّ ما حوله ، قيل واسمه بليا بن ملكان . ثم وصفه الله سبحانه فقال { آتيناه رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا } قيل الرحمة هي النبوّة ، وقيل النعمة التي أنعم الله بها عليه { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } وهو ما علمه الله سبحانه من علم الغيب الذي استأثر به ، وفي قوله { من لدنا } تفخيم لشأن ذلك العلم ، وتعظيم له . قال الزجاج وفيما فعل موسى وهو من جملة الأنبياء من طلب العلم ، والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته ، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه . ثم قصّ الله سبحانه علينا ما دار بين موسى والخضر بعد اجتماعهما فقال { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً } في هذا السؤال ملاطفة ومبالغة في حسن الأدب ، لأنه استأذنه أن يكون تابعاً له على أن يعلمه مما علمه الله من العلم . والرشد الوقوف على الخير وإصابة الصواب ، وانتصابه على أنه مفعول ثانٍ لـ { تعلمني } أي علماً ذا رشد أرشد به ، وقرىء " رشداً " بفتحتين ، وهما لغتان كالبخل والبخل . وفي الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب ، وليس في ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى ، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل وقد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر ، فقد كان علم موسى علم الأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها ، وكان علم الخضر علم بعض الغيب ومعرفة البواطن . { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً } أي قال الخضر لموسى إنك لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي ، لأن الظواهر التي هي علمك لا توافق ذلك ، ثم أكد ذلك مشيراً إلى علة عدم الاستطاعة ، فقال { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } أي كيف تصبر على علم ظاهره منكر ، وأنت لا تعلم ، ومثلك مع كونك صاحب شرع لا يسوغ له السكوت على منكر والإقرار عليه ، و { خبراً } منتصب على التمييز ، أي لم تحط به خبرك ، والخبر العلم بالشيء ، والخبير بالأمور هو العالم بخفاياها ، وبما يحتاج إلى الاختبار منها . { قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ صَابِرًا } أي قال موسى للخضر ستجدني صابراً معك ، ملتزماً طاعتك { وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْراً } فجملة { ولا أعصي } معطوفة على { صابراً } ، فيكون التقييد بقوله { إن شاء الله } شاملاً للصبر ونفي المعصية ، وقيل إن التقييد بالمشيئة مختص بالصبر ، لأنه أمر مستقبل لا يدري كيف يكون حاله فيه ، ونفي المعصية معزوم عليه في الحال ، ويجاب عنه بأن الصبر ، ونفي المعصية متفقان في كون كل واحد منهما معزوم عليه في الحال ، وفي كون كل واحد منهما لا يدري كيف حاله فيه في المستقبل . { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شَىء } مما تشاهده من أفعالي المخالفة لما يقتضيه ظاهر الشرع الذي بعثك الله به { حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } أي حتى أكون أنا المبتدىء لك بذكره ، وبيان وجهه وما يئول إليه ، وهذه الجمل المعنونة بقال وقال مستأنفة ، لأنها جوابات عن سؤالات مقدّرة كل واحدة ينشأ السؤال عنها مما قبلها . وقد أخرج الدارقطني في الإفراد ، وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك ، عن ابن عباس قال الخضر ابن آدم لصلبه ونسيء له في أجله حتى يكذب الدجال . وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء " وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن مجاهد إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى اخضرّ ما حوله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله { لا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } قال حتى أنتهي . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } قال بحر فارس والروم ، وهما نحو المشرق والمغرب . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس مثله . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبيّ بن كعب قال { مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } إفريقية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب قال طنجة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً } قال سبعين خريفاً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه قال دهراً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { نَسِيَا حُوتَهُمَا } قال كان مملوحاً مشقوق البطن . وأخرج ابن المنذر عنه في قوله { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ سَرَباً } قال أثره يابس في البحر كأنه في حجر . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءاثَارِهِمَا قَصَصًا } قال عودهما على بدئهما . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا } قال أعطيناه الهدى والنبوّة . واعلم أنها قد رويت في قصة الخضر مع موسى المذكورة في الكتاب العزيز أحاديث كثيرة ، وأتمها وأكملها ما روي عن ابن عباس ولكنها اختلفت بعض الألفاظ ، وكلها مروية من طريق سعيد بن جبير عنه ، وبعضها في الصحيحين وغيرهما ، وبعضها في أحدهما ، وبعضها خارج عنهما . وقد رويت من طريق العوفي عنه كما أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، ومن طريق هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عنه عند ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والخطيب ، وابن عساكر ، فلنقتصر على الرواية التي هي أتمّ الروايات الثابتة في الصحيحين ، ففي ذلك ما يغني عن غيره ، وهي قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل ، قال ابن عباس كذب عدوّ الله . حدّثنا أبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل . فسئل أيّ الناس أعلم ؟ فقال أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ، فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك ، قال موسى يا رب فكيف لي به ؟ قال تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل . ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه { آتنا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ، فقال له فتاه { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ عَجَبًا } قال فكان للحوت سرباً ، ولموسى وفتاه عجباً ، فقال موسى { ذٰلِكَ مَا كُنَّا فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءاثَارِهِمَا قَصَصًا } » قال سفيان يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش ، قال وكان الحوت قد أكل منه . فلما قطر عليه الماء عاش ، قال فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى ، فقال الخضر وأنيّ بأرضك السلام ؟ قال أنا موسى . قال موسى نبي إسرائيل ؟ قال نعم ، قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً ، قال { إنك لن تستطيع معي صبراً } يا موسى ، إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من الله علمك الله لا أعلمه ، قال موسى { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } فقال له الخضر { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شَىء حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول ، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى قوم ح لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً . قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكانت الأولى من موسى نسياناً " . قال " وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ، فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور الذي وقع على حرف السفينة من هذا البحر . ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله ، فقال موسى { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً } قال وهذه أشدّ من الأولى { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْراً * فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ } قال مائل ، فقال الخضر بيده هكذا فأقامه ، فقال موسى قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وددنا أن موسى كان صبر حتى يقصّ الله علينا من خبرهما » . قال سعيد بن جبير وكان ابن عباس يقرأ " وَكَانَ أمامهم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً " وكان يقرأ " وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ فَكَانَ كافراً وكان أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ " وبقية روايات سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب هي موافقة لهذه الرواية في المعنى وإن تفاوتت الألفاظ في بعضها فلا فائدة في الإطالة بذكرها ، وكذلك روايات غير سعيد عنه .