Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 122-125)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يا بني إسرائيل } إلى قوله { ولا هم ينصرون } قد سبق مثل هذا في صدر السورة ، وتقدم تفسيره ، ووجه التكرار الحثّ على اتباع الرسول النبي الأميّ ، ذكر معناه ابن كثير في تفسيره . وقال البقاعي في تفسيره إنه لما طال المدى في استقصاء تذكيرهم بالنعم ، ثم في بيان عوارهم ، وهتك أستارهم ، وختم ذلك بالترهيب لتضييع أديانهم بأعمالهم ، وأحوالهم ، وأقوالهم ، أعاد ما صدّر به قصتهم من التذكير بالنعم ، والتحذير من حلول النقم يوم تجمع الاْمم ، ويدوم فيه الندم لمن زلت به القدم ، ليعلم أن ذلك ، فذلكة القصة ، والمقصود بالذات الحثّ على انتهاز الفرصة . انتهى . وأقول ليس هذا بشيء ، فإنه لو كان سبب التكرار ما ذكره من طول المدى ، وأنه أعاد ما صدّر به قصتهم لذلك لكان الأولى بالتكرار ، والأحق بإعادة الذكر هو قوله سبحانه { يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ } البقرة 40 فإن هذه الآية مع كونها أوّل الكلام معهم والخطاب لهم في هذه السورة ، هي أولى بأن تعاد ، وتكرر لما فيها من الأمر بذكر النعم ، والوفاء بالعهد ، والرهبة لله سبحانه ، وبهذا تعرف صحة ما قدّمناه لك عند أن شرع الله سبحانه في خطاب بني إسرائيل من هذه السورة فراجعه ، ثم حكى البقاعي بعد كلامه السابق عن الحوالي أنه قال كرّره تعالى إظهاراً لمقصد التئام آخر الخطاب بأوّله ، وليتخذ هذا الإفصاح ، والتعليم أصلاً ، لما يمكن بأن يرد من نحوه في سائر القرآن حتى كان الخطاب إذاً انتهى إلى غاية خاتمه يجب أن يلحظ القلب بذاته تلك الغاية ، فيتلوها ليكون في تلاوته جامعاً لطرفي الثناء ، وفي تفهيمه جامعاً لمعاني طرفي المعنى . انتهى . وأقول لو كان هذا هو سبب التكرار لكان الأولى به ما عرفناك . وأما قوله وليتخذ ذلك أصلاً لما يرد من التكرار في سائر القرآن فمعلوم أن حصول هذا الأمر في الأذهان ، وتقرره في الأفهام ، لا يختص بتكرير آية معينة يكون افتتاح هذا المقصد بها ، فلم تتم حينئذ النكتة في تكرير هاتين الآيتين بخصوصهما ، ولله الحكمة البالغة التي لا تبلغها الأفهام ، ولا تدركها العقول ، فليس في تكلف هذه المناسبات المتعسفة إلا ما عرفناك به هنالك فتذكر . قوله { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ } الابتلاء الامتحان والاختبار ، أي ابتلاه بما أمره به ، و { إِبْرَاهِيمَ } معناه في السريانية أب رحيم ، كذا قال الماوردي ، قال ابن عطية ومعناه في العربية ذلك . قال السهيلي وكثيراً ما يقع الاتفاق بين السرياني ، والعربي . وقد أورد صاحب الكشاف هنا سؤالاً في رجوع الضمير إلى إبراهيم مع كون رتبته التأخير ، وأجاب عنه بأنه قد تقدّم لفظاً ، فرجع إليه ، والأمر في هذا أوضح من أن يشتغل بذكره ، أو ترد في مثله الأسئلة ، أو يسوّد وجه القرطاس بإيضاحه . قوله { بِكَلِمَـٰتِ } قد اختلف العلماء في تعيينها ، فقيل هي شرائع الإسلام ، وقيل ذبح ابنه ، وقيل أداء الرسالة ، وقيل هي خصال الفطرة ، وقيل هي قوله { إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } وقيل بالطهارة كما سيأتي بيانه . قال الزجاج وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن هذا كله مما ابتلى به إبراهيم . انتهى . وظاهر النظم القرآني أن الكلمات هي قوله { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ } وما بعده ، ويكون ذلك بياناً للكلمات ، وسيأتي عن بعض السلف ما يوافق ذلك ، وعن آخرين ما يخالفه . وعلى هذا ، فيكون قوله { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ للناس } مستأنفاً كأنه قيل ماذا قال له . وقال ابن جرير ما حاصله إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ذلك ، وجائز أن يكون بعض ذلك ، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين ، إلا بحديث أو إجماع ، ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ، ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له ، ثم قال فلو قال قائل إن الذي قاله مجاهد ، وأبو صالح ، والربيع بن أنس أولى بالصواب يعني أن الكلمات هي قوله { إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } وقوله { وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ } البقرة 125 وما بعده ، ورجح ابن كثير أنها تشمل جميع ما ذكر ، وسيأتي التصريح بما هو الحق بعد إيراد ما ورد عن السلف الصالح . وقوله { فَأَتَمَّهُنَّ } أي قام بهنّ أتم قيام ، وامتثل أكمل امتثال . والإمام هو ما يؤتم به ، ومنه قيل للطريق إمام ، وللبناء إمام ، لأنه يؤتمّ بذلك ، أي يهتدي به السالك ، والإمام لما كان هو القدوة للناس ، لكونهم يأتمون به ، ويهتدون بهديه ، أطلق عليه هذا اللفظ . وقوله { وَمِن ذُرّيَتِى } يحتمل أن يكون ذلك دعاء من إبراهيم ، أي واجعل من ذريتي أئمة ، ويحتمل أن يكون هذا من إبراهيم بقصد الاستفهام ، وإن لم يكن بصيغته أي ومن ذريتي ماذا يكون يا ربّ ؟ فأخبره أن فيهم عصاة ، وظلمة ، وأنهم لا يصلحون لذلك ، ولا يقومون به ، ولا ينالهم عهد الله سبحانه . والذرية مأخوذة من الذرّ لأن الله أخرج الخلق من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم كالذرّ ، وقيل مأخوذة من ذرأ الله الخلق يذرؤهم إذا خلقهم . وفي الكتاب العزيز { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرّياحُ } الكهف 45 قال في الصحاح ذرت الريح السحاب وغيره تذروه وتذريه ذرواً وذرياً ، أي نسفته ، وقال الخليل إنما سموا ذرية لأن الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر . واختلف في المراد بالعهد ، فقيل الإمامة ، وقيل النبوّة ، وقيل عهد الله أمره . وقيل الأمان من عذاب الآخرة ، ورجّحها الزجاج ، والأوّل أظهر كما يفيده السياق . وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل ، والعمل بالشرع ، كما ورد لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالماً . ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد ، وما تفيده الإضافة من العموم ، فيشمل جميع ذلك اعتباراً بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ، ولا إلى السياق ، فيستدل به على اشتراط السلامة من وصف الظلم في كل من تعلق بالأمور الدينية . وقد اختار ابن جرير أن هذه الآية ، وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالماً ، ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل أنه سيوجد من ذريته من هو ظالم لنفسه . انتهى . ولا يخفاك أنه لا جدوى لكلامه هذا . فالأولى أن يقال إن هذا الخبر في معنى الأمر لعباده أن لا يولوا أمور الشرع ظالماً ، وإنما قلنا إنه في معنى الأمر لأن أخباره تعالى لا يجوز أن تتخلف . وقد علمنا أنه قد نال عهده من الإمامة ، وغيرها كثيراً من الظالمين . قوله { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ } هو الكعبة غلب عليه كما غلب النجم على الثريا ، و { مَثَابَةً } مصدر من ثاب يثوب مثاباً ، ومثابة ، أي مرجعاً يرجع الحجاج إليه بعد تفرقهم عنه ، ومنه قول ورقة بن نوفل في الكعبة @ مَثاب لأفْنَاءِ القبائل كُلَّها تَخُبُّ إلَيها اليَعْمَلاتُ الذَّوابلُ @@ وقرأ الأعمش « مثابات » وقيل المثابة من الثواب ، أي يثابون هنالك . وقال مجاهد المراد أنهم لا يقضون منه أوطارهم ، قال الشاعر @ جُعِل البيْتُ مَثابات لَهُم ليْسَ منه الدهرَ يَقْضُونَ الوَطرْ @@ قال الأخفش ودخلت الهاء لكثرة من يثوب إليه ، فهي كعلامة ونسابة . وقال غيره هي للتأنيث ، وليست للمبالغة . وقوله { وَأَمْناً } هو اسم مكان أي موضع أمن . وقد استدل بذلك جماعة من أهل العلم على أنه لا يقام الحدّ على من لجأ إليه ، ويؤيد ذلك قوله تعالى { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً } آل عمران 97 وقيل إن ذلك منسوخ . وقوله { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلّىً } قرأ نافع ، وابن عامر بفتح الخاء على أنه فعل ماض أي جعلنا البيت مثابة للناس ، وأمناً ، واتخذوه مصلى . وقرأ الباقون على صيغة الأمر عطفاً على { اذكروا } المذكور أوّل الآيات ، أو على " اذكروا " المقدّر عاملاً في قوله { وَإِذْ } ويجوز أن يكون على تقدير القول ، أي وقلنا اتخذوا . والمقام في اللغة موضع القيام ، قال النحاس ، هو من قام يقوم ، يكون مصدراً واسماً للموضع ، ومقام من أقام ، وليس من هذا قول الشاعر @ وَفيِهم مَقَامات حِسانٌ وجوهها وأنديةٌ ينتابُها القولُ والفعلُ @@ لأن معناه أهل مقامات . واختلف في تعيين المقام على أقوال ، أصحها أنه الحجر الذي يعرفه الناس ، ويصلون عنده ركعتي الطواف ، وقيل المقام الحج كله ، روى ذلك عن عطاء ، ومجاهد ، وقيل عرفة ، والمزدلفة ، روي عن عطاء أيضاً ، وقال الشعبي الحرم كله مقام إبراهيم ، وروى عن مجاهد . وقد أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس في قوله { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ } قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد . في الرأس قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس ، وفي الجسد تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وغسل مكان الغائط ، والبول بالماء . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر عنه نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه ، وابن عساكر عنه قال ما ابتلى أحد بهذا الدين ، فقام به كله إلا إبراهيم . وقرأ هذه الآية فقيل له ما الكلمات ؟ قال سهام الإسلام ثلاثون سهماً عشرة في براءة { ٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ } إلى آخر الآية التوبة 112 ، وعشرة في أوّل سورة { قد أفلح } و { سأل سائل } المعارج 1 { وَٱلَّذِينَ يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدّينِ } الآيات المعارج 26 ، وعشرة في الأحزاب { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ } إلى آخر الآية الأحزاب 35 ، فَأَتَمَّهُنَّ كلهنّ فكتب له براءة قال تعالى { وَإِبْرٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰ } النجم 37 . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم عنه قال منهنّ مناسك الحج . وأخرج ابن جرير عنه قال الكلمات { إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } و { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ } والآيات في شأن المناسك ، والمقام الذي جعل لإبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنو البيت ، وبعث محمد في ذريتهما . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { وَإِذَا ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } قال ابتلي بالآيات التي بعدها . وأخرجا أيضاً ، عن الشعبي مثله . وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال الكلمات التي ابتلي بهنّ إبراهيم ، فأتمهنّ فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ، ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه ، من خطر الأمر الذي فيه خلافهم ، وصبره على قذفهم إياه في النار ، ليحرقوه في الله ، والهجرة بعد ذلك من وطنه ، وبلاده حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمره به من الضيافة ، والصبر عليها ، وما ابتلى به من ذبح ولده ، فلما مضى على ذلك كله قَالَ الله له { أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن قال ابتلاه بالكوكب ، فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس ، فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة ، فرضي عنه ، وابتلاه بالختان ، فرضي عنه ، وابتلاه بابنه ، فرضي عنه . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { فَأَتَمَّهُنَّ } قال فأداهُنّ . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فطرة إبراهيم السواك " قلت وهذا على تقدير أن إسناده إلى عطاء صحيح ، فهو مرسل لا تقوم به الحجة ، ولا يحلّ الاعتماد على مثله في تفسيره كلام الله سبحانه ، وهكذا لا يحل الاعتماد على مثل ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد قال من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم ، ومثل ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه قال ست من فطرة إبراهيم قص الشارب ، والسواك ، والفرق ، وقص الأظفار ، والاستنجاء ، وحلق العانة ، قال ثلاثة في الرأس وثلاثة في الجسد . وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح ، وغيره من طريق جماعة من الصحابة مشروعية تلك العشر لهذه الأمة ، ولم يصح عن النبي أنها الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم . وأحسن ما روي عنه ما أخرجه الترمذي ، وحسنه عن ابن عباس قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصّ ، أو يأخذ من شاربه " . قال " وكان خليل الرحمن إبراهيم يفعله " . ولا يخفاك أن فعل الخليل له لا يستلزم أنه من الكلمات التي ابتلى بها ، وإذا لم يصح شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحجة تعيين تلك الكلمات لم يبق لنا إلا أن نقول إنها ما ذكره الله سبحانه في كتابه بقوله { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ } إلى آخر الآيات ، ويكون ذلك بياناً للكلمات ، أو السكوت ، وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه ، وأما ما روي عن ابن عباس ، ونحوه من الصحابة ، ومن بعدهم في تعيينها ، فهو أوّلاً أقوال صحابة لا تقوم بها الحجة فضلاً عن أقوال من بعدهم ، وعلى تقدير أنه لا مجال للاجتهاد في ذلك ، وأن له حكم الرفع ، فقد اختلفوا في التعيين اختلافاً يمتنع معه العمل ببعض ما روى عنهم دون البعض الآخر ، بل اختلفت الروايات عن الواحد منهم كما قدمنا عن ابن عباس ، فكيف يجوز العمل بذلك ؟ وبهذا تعرف ضعف قول من قال إنه يصار إلى العموم ، ويقال تلك الكلمات هي جميع ما ذكر هنا ، فإن هذا يستلزم تفسير كلام الله بالضعيف ، والمتناقض ، وما لا تقوم به الحجة . وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس ، { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } يقتدى بدينك ، وهديك ، وسنتك { قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى } إماماً لغير ذريتي { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } أن يقتدي بدينهم ، وهديهم ، وسنتهم . وأخرج الفريابي ، وابن أبي حاتم ، عنه قال قال الله لإبراهيم { إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى } فأبى أن يفعل ، ثم قال { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة قال هذا عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالم ، فأما في الدنيا ، فقد نالوا عهده ، فوارثوا به المسلمين ، وغازوهم ، وناكحوهم ، فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده ، وكرامته على أوليائه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في تفسير الآية أنه قال لا أجعل إماماً ظالماً يقتدى به ، وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال يخبره أنه إن كان في ذريته ظالم لا ينال عهده ، ولا ينبغي له أن يوليه شيئاً من أمره . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عنه أنه قال ليس لظالم عليك عهد في معصية الله . وقد أخرج وكيع ، وابن مردويه من حديث عليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال " لا طاعة إلا في المعروف " ، وإسناده عند ابن مردويه هكذا قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سعد الأسدي ، حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني ، حدثنا وكيع عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . وأخرج عبد بن حميد ، من حديث عمران بن حصين ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، أنه قال في تفسير الآية ليس للظالم عهد ، وإن عاهدته فانقضه . قال ابن كثير وروى عن مجاهد ، وعطاء ، ومقاتل ، وابن حبان نحو ذلك . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْناً } قال يثوبون إليه ، ثم يرجعون . وأخرج ابن جرير ، عنه أنه قال لا يقضون منه وطراً يأتونه ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، ثم يعودون إليه . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والبيهقي عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَأَمْناً } قال أمناً للناس . وأخرج البخاري ، وغيره من حديث أنس ، عن عمر بن الخطاب قال وافقت ربي في ثلاث ووافقني ربي في ثلاث ، قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهنّ البرّ ، والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة ، فقلت لهنّ { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوٰجاً خَيْراً مّنكُنَّ } التحريم 5 فنزلت كذلك ، وأخرجه مسلم ، وغيره مختصراً من حديث ابن عمر عنه . وأخرج مسلم ، وغيره من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعاً ، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم ، فصلى خلفه ركعتين ، ثم قرأ { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } " وفي مقام إبراهيم عليه السلام أحاديث كثيرة مستوفاة في الأمهات ، وغيرها ، والأحاديث الصحيحة تدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار ، أتاه إسماعيل به ليقوم فوقه ، كما في البخاري من حديث ابن عباس ، وهو الذي كان ملصقاً بجدار الكعبة ، وأوّل من نقله عمر بن الخطاب كما أخرجه عبد الرزاق ، والبيهقي ، بإسناد صحيح ، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق مختلفة . وأخرج ابن أبي حاتم من حديث جابر في وصف حج النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " لما طاف النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له عمر هذا مقام إبراهيم ؟ " قال " نعم " . وأخرج نحوه ابن مردويه .