Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 129-132)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في قوله { وَٱبْعَثْ فِيهِمْ } راجع إلى الأمة المسلمة المذكورة سابقاً . وقرأ أبيّ « وابعث في آخرهم » ويحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى الذرية . وقد أجاب الله لإبراهيم عليه السلام هذه الدعوة ، فبعث في ذريته { رَسُولاً مّنْهُمْ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم . وقد أخبر عن نفسه بأنه دعوة إبراهيم كما سيأتي تخريج ذلك إن شاء الله ، ومراده هذه الدعوة . والرسول هو المرسل . قال ابن الأنباري يشبه أن يكون أصله ناقة مرسال ، ورسلة إذا كانت سهلة السير ماضية أمام النوق . ويقال جاء القوم أرسالاً ، أي بعضهم في أثر بعض ، والمراد بالكتاب القرآن . والمراد بالحكمة المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم للشريعة ، وقوله { يُزَكّيهِمْ } أي يطهرهم من الشرك ، وسائر المعاصي . وقيل إن المراد بالآيات ظاهر الألفاظ ، والكتاب معانيها ، والحكمة الحكم ، وهو مراد الله بالخطاب ، والعزيز الذي لا يعجزه شيء قاله ابن كيسان . وقال الكسائي ٱلْعَزِيزُ الغالب . { وَمَن يَرْغَبُ } في موضع رفع على الابتداء ، والاستفهام للإنكار . وقوله { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } في موضع الخبر . وقيل هو بدل من فاعل يرغب ، والتقدير وما يرغب عن ملة إبراهيم أحد إلا من سفه نفسه . قال الزجاج سفه بمعنى جهل ، أي جهل أمر نفسه ، فلم يفكر فيها . وقال أبو عبيدة المعنى أهلك نفسه . وحكى ثعلب ، والمبرد أن سفه بكسر الفاء يتعدى كسفَّه بفتح الفاء مشدّدة . قال الأخفش { سَفِهَ نَفْسَهُ } أي فعل بها من السفه ما صار به سفيهاً ، وقيل إن نفسه منتصب بنزع الخافض . وقيل هو تمييز ، وهذان ضعيفان جداً ، وأما سفُه بضم الفاء ، فلا يتعدى قاله المبرد ، وثعلب . والاصطفاء الاختيار ، أي اخترناه في الدنيا ، وجعلناه في الآخرة من الصالحين ، فكيف يرغب عن ملته راغب ؟ وقوله { إِذْ قَالَ لَهُ } يحتمل أن يكون متعلقاً بقوله { اصطفيناه } أي اخترناه وقت أمرنا له بالإسلام ، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف هو اذكر . قال في الكشاف كأنه قيل اذكر ذلك الوقت ليعلم أنه المصطفى الصالح الذي لا يرغب عن ملة مثله ، والضمير في قوله { وَوَصَّىٰ بِهَا } راجع إلى الملة أو إلى الكلمة أي أسلمت لربّ العالمين . قال القرطبي وهو أصوب لأنه أقرب مذكور ، أي قولوا أسلمنا . انتهى . والأوّل أرجح لأن المطلوب ممن بعده هو إتباع ملته لا مجرد التكلم بكلمة الإسلام ، فالتوصية بذلك أليق بإبراهيم ، وأولى بهم . ووصى وأوصى بمعنى ، وقرىء بهما ، وفي مصحف عثمان { وأوصى } وهي قراءة أهل الشام ، والمدينة ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود { وَوَصَّىٰ } وهي قراءة الباقين . { وَيَعْقُوبَ } معطوف على إبراهيم أي وأوصى يعقوب بنيه كما أوصى إبراهيم بنيه . وقرأ عمر بن فايد الأسواري ، وإسماعيل ابن عبد الله المكي ، بنصب يعقوب ، فيكون داخلاً فيمن أوصاه إبراهيم . قال القشيري وهو بعيد ، لأن يعقوب لم يدرك جدّه إبراهيم ، وإنما ولد بعد موته . وقوله { يا بني } هو بتقدير " أن " . وقد قرأ أبيّ ، وابن مسعود ، والضحاك بإثباتها . قال الفراء ألغيت " أن " ، لأن التوصية كالقول ، وكل كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول " أن " وجاز فيه إلغاؤها . وقيل إنه على تقدير القول أي قائلاً يا بنيّ . روى ذلك عن البصريين . وقوله { ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدّينَ } أي اختاره لكم ، والمراد ملته التي لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه ، وهي الملة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } فيه إيجاز بليغ . والمراد الزموا الإسلام ، ولا تفارقوه حتى تموتوا . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرٰهِيمَ } قال رغبت اليهود والنصارى عن ملته ، واتخذوا اليهودية ، والنصرانية بدعة ليست من الله تركوا ملة إبراهيم الإسلام ، وبذلك بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله { وَلَقَدِ اصطفياه } قال اخترناه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ } قال وصاهم بالإسلام ، ووصى يعقوب بنيه بمثل ذلك . وأخرج الثعلبي ، عن فضيل بن عياض في قوله { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } أي محسنون بربكم الظنّ .