Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-22)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما فرغ سبحانه من ذكر المؤمنين ، والكافرين ، والمنافقين أقبل عليهم بالخطاب التفاتاً للنكتة السابقة في الفاتحة . و " يا " حرف نداء ، والمنادى " أيّ " وهو اسم مفرد مبني على الضم ، و " ها " حرف تنبيه مقحم بين المنادى ، وصفته . قال سيبويه كأنك كررت « يا » مرتين ، وصار الاسم بينهما كما قالوا ها هو ذا . وقد تقدّم الكلام في تفسير الناس ، والعبادة ، وإنما خص نعمة الخلق ، وامتنّ بها عليهم لأن جميع النعم مترتبة عليها ، وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها ، وأيضاً ، فالكفار مقرُّون بأن الله هو الخالق { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } الزخرف 87 فامتن عليهم بما يعترفون به ، ولا ينكرونه . وفي أصل معنى الخلق ، وجهان أحدهما التقدير ، يقال خلقت الأديم للسقاء إذا قدّرته قبل القطع . قال زهير @ ولأنت تفرى ما خلقت وبعـ ـض القوم يخلق ثم لا يفرى @@ الثاني الإنشاء ، والإختراع ، والإبداع . و " لعل " أصلها الترجي ، والطمع ، والتوقع ، والإشفاق ، وذلك مستحيل على الله سبحانه ، ولكنه لما كانت المخاطبة منه سبحانه للبشر كان بمنزلة قوله لهم افعلوا ذلك على الرجاء منكم ، والطمع ، وبهذا قال جماعة من أئمة العربية منهم سيبويه . وقيل إن العرب استعملت " لعل " مجردة من الشك بمعنى لام " كي " . والمعنى هنا لتتقوا ، وكذلك ما وقع هذا الموقع ، ومنه قول الشاعر @ وَقُلتْمُ لَنَا كُفُّوا الحروبَ لَعلنا نَكُفّ وَوَثَّقْتُم لَنَا كُلَّ مَوثِقِ فَلَمَّا كفَفَنْاَ الحَربَ كانت عُهُودُكمُ كَشَبّه سَرَابٍ في المَلأ مَُتَألقِ @@ أي كفوا عن الحرب لنكف ، ولو كانت " لعل " للشك لم يوثقوا لهم كل موثق ، وبهذا قال جماعة منهم قطرب . وقيل إنها بمعنى التعرّض للشيء كأنه قال متعرّضين للتقوى . و { جعل } هنا بمعنى صيّر لتعدّيه إلى المفعولين ، ومنه قول الشاعر @ وقد جعلت أرى الإثنين أربعة والأربع اثنين لما هدَّني الكبر @@ و { فِرَاشاً } أي وطاء يستقرون عليها . لما قدّم نعمة خلقهم أتبعه بنعمة خلق الأرض فراشاً لهم ، لما كانت الأرض التي هي مسكنهم ، ومحل استقرارهم من أعظم ما تدعو إليه حاجتهم ، ثم أتبع ذلك بنعمة جعل السماء كالقبة المضروبة عليهم ، والسقف للبيت الذي يسكنونه كما قال { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً } الأنبياء 32 . وأصل البناء وضع لبنة على أخرى ، ثم امتنّ عليهم بإنزال الماء من السماء . وأصل ماء موه ، قلبت الواو لتحركها ، وانفتاح ما قبلها ألفاً فصار ماه ، فاجتمع حرفان خفيفان ، فقلبت الهاء همزة . والثمرات جمع ثمرة . والمعنى أخرجنا لكم ألواناً من الثمرات ، وأنواعاً من النبات ، ليكون ذلك متاعاً لكم إلى حين . والأنداد جمع ندّ ، وهو المثل والنظير . وقوله { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية ، والخطاب للكفار ، والمنافقين . فإن قيل كيف وصفهم بالعلم ، وقد نعتهم بخلاف ذلك حيث قال { وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } البقرة 13 { وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } البقرة 12 { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } البقرة 16 { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } البقرة 18 . فيقال إن المراد أن جهلهم ، وعدم شعورهم لا يتناول هذا ، أي كونهم يعلمون أنه المنعم دون غيره من الأنداد ، فإنهم كانوا يعلمون هذا ، ولا ينكرونه كما حكاه الله عنهم في غير آية . وقد يقال المراد ، وأنتم تعلمون ، وحدانيته بالقوّة ، والإمكان لو تدبرتم ، ونظرتم . وفيه دليل على وجوب استعمال الحجج ، وترك التقليد . قال ابن فُورَك المَراد وتجعلون لله أنداداً بعد علمكم الذي هو نفي الجهل بأن الله واحد . انتهى . وحذف مفعول تعلمون للدلالة على عدم اختصاص ما هم عليه من العلم بنوع واحد من الأنواع الموجبة للتوحيد . وقد أخرج البزار ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال ما كان { يا ايها الذين آمنوا } فهو أنزل بالمدينة ، وما كان { يُذْهِبْكُمْ يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } فهو أنزل بمكة . وروى نحو ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم وصححه . وروى نحوه أبو عبيد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر من قول علقمة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، وابن المنذر عن الضحاك مثله . وكذا أخرج أبو عبيد عن ميمون بن مهران . وأخرج نحوه أيضاً ابن أبي شيبة ، وابن مردويه عن عروة ، وعكرمة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } قال هي للفريقين جميعاً من الكفار والمؤمنين . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { لَعَلَّكُمْ } يعني " كي " . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عون بن عبد الله بن عتبة قال لعل من الله واجب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاُرْضَ فِرَاشاً } البقرة 22 أي تمشون عليها وهي المهاد والقرار { وَٱلسَّمَاء بِنَاء } البقرة 22 قال كهيئة القبة وهي سقف الأرض وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن أنه سئل المطر من السماء أم من السحاب ؟ قال من السماء . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن كعب قال السحاب غربال المطر ، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض ، والبذر . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال المطر ماء يخرج من تحت العرش ، فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في سماء الدنيا ، فيجتمع في موضع يقال له الأبزم ، فتجيء السحاب السود ، فتدخله ، فتشربه مثل شرب الإسفنجة ، فيسوقها الله حيث يشاء . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عكرمة قال ينزل الماء من السماء السابعة ، فتقع القطرة منه على السحاب مثل البعير . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن خالد بن يزيد قال المطر منه من السماء ، ومنه ما يستقيه الغيم من البحر ، فَيُعْذبُهُ الرعد والبرق . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن ابن عباس قال إذا جاء القطر من السماء تفتحت له الأصداف ، فكان لؤلؤاً . وأخرج الشافعي في الأم ، وابن أبي الدنيا في كتاب المطر ، وأبو الشيخ في العظمة عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ساعةٍ من ليلٍ ، ولا نهارٍ إلا والسماء تمطر فيها ، يصرفه الله حيث يشاء " وأخرج ابن أبي الدنيا ، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال ما نزل مطر من السماء إلا ومعه البذر ، أما لو أنكم بسطتم نطعاً لرأيتموه . وأخرج ابن أبي الدنيا ، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال المطر . مزاجة من الجنة ، فإذا كثر المزاج عظمت البركة ، وإن قلّ المطر ، وإذا قلّ المزاج قلت البركة ، وإن كثر المطر . وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يصرفه حيث يشاء ، وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة يكتبون حيث يقع ذلك المطر ، ومن يرزقه ، ومن يخرج منه مع كل قطرة . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التي لا تضرّ ، ولا تنفع { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه لا ربّ لكم يرزقكم غيره . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أَندَاداً } قال أشباهاً . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود { أَندَاداً } قال أكفاء من الرجال يطيعونهم في معصية الله . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { أنداداً } قال شركاء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري في الأدب المفرد ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال « قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت ، قال " جعلتني لله ندا ما شاء الله وحده " وأخرج ابن سعد عن قتيلة بنت صيفى قالت « جاء حبر من الأحبار إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون ، قال " وكيف ؟ " قال يقول أحدكم لا والكعبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف ، فليحلف بربّ الكعبة " فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله نداً ، قال " وكيف ذلك " قال يقول أحدكم ما شاء الله وشئت ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فمن قال منكم " ما شاء الله قال ثم شئت " وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والبيهقي عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي ، وابن مردويه عن طفيل بن سخبرة « أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مرّ برهط من اليهود فقال أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيراً ابن الله ، فقالوا وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله ، وشاء محمد . ثم مرّ برهط من النصارى فقال أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله ، قالوا وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد . فلما أصبح أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فخطب ، فقال " إن طفيلاً رأى رؤيا ، وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم ، فلا تقولوها ، ولكن قولوا ما شاء الله وحده لا شريك له " وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفا سوداء في ظلمة الليل ، وهو أن تقول والله حياتك يا فلان وحياتي ، وتقول لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص ، ولولا القط في الدار لأتى اللصوص ، وقول الرجل ما شاء الله وشئت ، وقول الرجل لولا الله وفلان ، هذا كله شرك . وأخرج البخاري ، ومسلم عن ابن مسعود قال « قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ " قال أن تجعل لله ندّاً ، وهو خلقك " الحديث .