Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 23-24)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فِى رَيْبٍ } أي شك { مما نزلنا على عبدنا } أي القرآن أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم . والعبد مأخوذ من التعبد ، وهو التذلل . والتنزيل التدريج ، والتنجيم . وقوله { فَاتُواْ } الفاء جواب الشرط ، وهو أمر معناه التعجيز . لما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ، ويبطل الشرك ، عقبه بما هو الحجة على إثبات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وما يدفع الشبهة في كون القرآن معجزة ، فتحدّاهم بأن يأتوا بسورة من سوره . والسورة الطائفة من القرآن المسماة باسم خاصّ ، سميت بذلك ، لأنها مشتملة على كلماتها كاشتمال سور البلد عليها . و « من » في قوله { مّن مّثْلِهِ } زائدة لقوله { فأتوا بسورة مثله } . والضمير في { مثله } عائد على القرآن عند جمهور أهل العلم . وقيل عائد على التوراة والإنجيل ، لأن المعنى فأتوا بسورة من كتاب مثله فإنها تصدّق ما فيه . وقيل يعود على النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى من بشر مثل محمد أي لا يكتب ، ولا يقرأ . والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر ، أو القائم بالشهادة ، أو المعاون ، والمراد هنا الآلهة . ومعنى { دُونِ } أدنى مكان من الشيء ، واتسع فيه حتى استعمل في تخطي الشيء إلى شيء آخر ، ومنه ما في هذه الآية ، وكذلك قوله تعالى { لا يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } آل عمران 28 وله معان أخر ، منها التقصير عن الغاية ، والحقارة ، يقال هذا الشيء دون أي حقير ، ومنه @ إذا ما علا المرءُ رامَ العُلا وَيقنعُ بالدون من كان دُونا @@ والقرب يقال هذا دون ذاك أي أقرب منه ، ويكون إغراء ، تقول دونك زيداً أي خذه من أدنى مكان { مِن دُونِ ٱللَّهِ } متعلق بادعوا أي ادعوا الذين يشهدون لكم من دون الله إن كنتم صادقين فيما قلتم ، من أنكم تقدرون على المعارضة ، وهذا تعجيز لهم ، وبيان لانقطاعهم . والصدق خلاف الكذب ، وهو مطابقة الخبر للواقع ، أو للاعتقاد أولهما على الخلاف المعروف في علم المعاني { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } يعني فيما مضى { وَلَن تَفْعَلُواْ } أي تطيقوا ذلك ، فيما يأتي ، وتبين لكم عجزكم عن المعارضة { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } بالإيمان بالله ، وكتبه ، ورسله ، والقيام بفرائضه ، واجتناب مناهيه ، وعبر عن الإتيان بالفعل ، لأن الإتيان فعل من الأفعال لقصد الاختصار ، وجملة { لن تفعلوا } لا محل لها من الإعراب ، لأنها اعتراضية ، و " لن " للنفي المؤكد لما دخلت عليه ، وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها لأنها لم تقع المعارضة من أحد من الكفرة في أيام النبوّة ، وفيما بعدها ، وإلى الآن . والوَقُود بالفتح الحطب ، وبالضم التوقد أي المصدر ، وقد جاء فيه الفتح . والمراد بالحجارة الأصنام التي كانوا يعبدونها لأنهم قرنوا أنفسهم بها في الدنيا ، فجعلت وقوداً للنار معهم . ويدل على هذا قوله تعالى { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } الأنبياء 98 أي حطب جهنم . وقيل المراد بها حجارة الكبريت ، وفي هذا من التهويل مالا يقدّر قدره من كون هذه النار تتقد بالناس ، والحجارة ، فأوقدت بنفس ما يراد إحراقه بها . والمراد بقوله { أُعِدَّتْ } جعلت عدّة لعذابهم ، وهيئت لذلك . وقد كرّر الله سبحانه تحدّي الكفار بهذا في مواضع في القرآن ، منها هذا ، ومنها قوله تعالى في سورة القصص { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَـٰبٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } القصص 49 وقال في سورة سبحان { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } الإسراء 88 وقال في سورة هود { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } هود 13 في سورة يونس { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ أَن يُفْتَرِى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } يونس 37 - 38 . وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل وجه الإعجاز في القرآن هو كونه في الرتبة العلية من البلاغة الخارجة عن طوق البشر ، أو كان العجز عن المعارضة للصرفة من الله سبحانه لهم عن أن يعارضوه ، والحق الأول ، والكلام في هذا مبسوط في مواطنه . وقد أخرج أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من نبيّ من الأنبياء إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ } قال هذا قول الله لمن شكّ من الكفار فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ } قال في شك { مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ } قال من مثل القرآن حقاً ، وصدقاً لا باطل فيه ، ولا كذب . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ } قال مثل القرآن { وَٱدْعُواْ شُهَدَاءكُم } قال ناس يشهدون لكم إذا أتيتم بها أنها مثله . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { شُهَدَاءكُمُ } قال أعوانكم على ما أنتم عليه { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } فقد بين لكم الحق . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } يقول لن تقدروا على ذلك ، ولن تطيقوه . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن ، " وقودها " برفع الواو الأولى ، إلا التي في السماء ذات البروج { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } البروج 5 - بنصب الواو - وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الكبير ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إن الحجارة التي ذكرها الله في القرآن في قوله { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } البقرة 24 حجارة من كبريت خلقها الله عنده كيف شاء . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس مثله . وأخرج ابن جرير أيضاً عن عمرو بن ميمون مثله أيضاً . وأخرج ابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } قال " أوقد عليها ألف عام حتى احمرّت ، وألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها " وأخرج ابن أبي شيبة ، والترمذي ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً مثله . وأخرج أحمد ، ومالك ، والبخاري ، ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم ، قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية ؟ قال ، فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهنّ مثل حرّها " وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن ماجه ، والحاكم وصححه عن أنس مرفوعاً ، نحوه أيضاً . وأخرج مالك في الموطأ ، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون ، إنها لأشد سواداً من القار . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } قال أي لمن كان مثل ما أنتم عليه من الكفر .