Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 221-221)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلاَ تَنْكِحُواْ } قرأه الجمهور بفتح التاء ، وقرىء في الشواذ بضمها قيل والمعنى كان المتزوج لها أنكحها من نفسها . وفي هذه الآية النهي عن نكاح المشركات ، فقيل المراد بالمشركات الوثنيات ، وقيل إنها تعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون ، { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 ، وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية ، فقالت طائفة إن الله حرم نكاح المشركات فيها ، والكتابيات من الجملة ، ثم جاءت آية المائدة ، فخصصت الكتابيات من هذا العموم . وهذا محكي عن ابن عباس ، ومالك ، وسفيان بن سعيد ، وعبد الرحمن بن عمر ، والأوزاعي . وذهبت طائفة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة ، وأنه يحرم نكاح الكتابيات ، والمشركات ، وهذا أحد قولي الشافعي ، وبه قال جماعة من أهل العلم . ويجاب عن قولهم أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة بأن سورة البقرة من أوّل ما نزل ، وسورة المائدة من آخر ما نزل . والقول الأوّل هو الراجح . وقد قال به مع من تقدم عثمان بن عفان ، وطلحة ، وجابر ، وحذيفة ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وطاوس ، وعكرمة ، والشعبي ، والضحاك كما حكاه النحاس ، والقرطبي . وقد حكاه ابن المنذر عن المذكورين ، وزاد عمر بن الخطاب وقال لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرّم ذلك . وقال بعض أهل العلم إن لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ رَبُّكُـمْ } البقرة 105 . وقال { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ } البينة 1 وعلى فرض أن لفظ المشركين يعمّ ، فهذا العموم مخصوص بآية المائدة كما قدمنا . قوله { وَلأمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } أي ولرقيقة مؤمنة ، وقيل المراد بالأمة الحرة لأن الناس كلهم عبيد الله ، وإماؤه ، والأول أولى لما سيأتي لأنه الظاهر من اللفظ ولأنه أبلغ ، فإن تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرّة المشركة يستفاد منه تفضيل الحرّة المؤمنة على الحرّة المشركة بالأولى . وقوله { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } أي ولو أعجبتكم المشركة من جهة كونها ذات جمال ، أو مال ، أو شرف ، وهذه الجملة حالية . قوله { وَلاَ تُنكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ } أي لا تزوجوهم بالمؤمنات { حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام ، وأجمع القراء على ضم التاء من تنكحوا . وقوله { وَلَعَبْدٌ } الكلام فيه كالكلام في قوله { وَلأمَةٌ } والترجيح كالترجيح . قوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المشركين ، والمشركات { يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } أي إلى الأعمال الموجبة للنار ، فكان في مصاهرتهم ، ومعاشرتهم ، ومصاحبتهم من الخطر العظيم ما لا يجوز للمؤمنين أن يتعرضوا له ، ويدخلوا فيه { وَٱللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ ٱلْجَنَّةِ } أي إلى الأعمال الموجبة للجنة . وقيل المراد أن أولياء الله هم المؤمنون يدعون إلى الجنة . وقوله { بِإِذْنِهِ } أي بأمره ، قاله الزجاج ، وقيل بتيسيره ، وتوفيقه ، قاله صاحب الكشاف . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، عن مقاتل بن حيان قال نزلت هذه الآية في أبي مَرْثد الغنوي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عَنَاقٍ أن يتزوجها ، وكانت ذات حظ من جمال ، وهي مشركة ، وأبو مرثد يومئذ مسلم ، فقال يا رسول الله إنها تعجبني ، فأنزل الله { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ } قال استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب ، فقال { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } المائدة 5 . وقد روى هذا المعنى عنه من طرق . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير في قوله { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ } يعني أهل الأوثان . وأخرج عبد بن حميد ، والبيهقي عن مجاهد نحوه ، وكذلك أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة نحوه أيضاً . وأخرج عبد بن حميد ، عن النخعي نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب ، وتأوّل { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } . وأخرج البخاري عنه قال حرّم الله نكاح المشركات على المسلمين ، ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى ، أو عبد من عباد الله . وأخرج الواحدي ، وابن عساكر من طريق السدّي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس في قوله تعالى { وَلأمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ ولو أعجبتكم } قال نزلت في عبد الله بن رواحة ، وكانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبرها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له " ما هي يا عبد الله ؟ " قال تصوم ، وتصلي ، وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال " يا عبد الله هذه مؤمنة ، " فقال عبد الله فوالذي بعثك بالحق ، لأعتقنها ، ولأتزوجنها ، ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، وقالوا نكح أمَة ، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين ، وينكحوهم رغبة في أحسابهم ، فأنزل الله فيهم { وَلأمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ } وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن السدي مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان في قوله { وَلأمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } قال بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء ، فأعتقها وتزوجها حذيفة . وأخرج ابن جرير ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال النكاح بولى في كتاب الله ، ثم قرأ { وَلاَ تُنكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } .