Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-223)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ٱلْمَحِيضِ } هو الحيض ، وهو مصدر ، يقال حاضت المرأة حيضاً ، ومحيضاً ، فهي حائض ، وحائضة ، كذا قال الفراء ، وأنشد @ كحائضة تُزْنَي بها غير طاهرة @@ ونساء حُيَّض ، وحوائض ، والحِيضة بالكسر المرة الواحدة وقيل الاسم ، وقيل المحيض عبارة عن الزمان ، والمكان ، وهو مجاز فيهما ، وقال ابن جرير الطبري المحيض اسم الحيض ، ومثله قول رؤبة @ إليك أشكو شدة المعيش @@ أي العيش ، وأصل هذه الكلمة من السيلان ، والانفجار يقال حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ، ومنه الحيض أي الحوض لأن الماء يحوض إليه ، أي يسيل . وقوله { قُلْ هُوَ أَذًى } أي قل هو شيء يتأذى به أي برائحته . والأذى كناية عن القذر ، ويطلق على القول المكروه ، ومنه قوله تعالى { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلاْذَىٰ } البقرة 264 ، ومنه قوله تعالى { وَدَعْ أَذَاهُمْ } الأحزاب 48 وقوله { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنّسَاء فِي ٱلْمَحِيضِ } أي فاجتنبوهنّ في زمان المحيض إن حمل المحيض على المصدر ، أو في محل الحيض إن حمل على الاسم . والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة ، أو الملامسة ، فإن ذلك جائز ، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج ، أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك ، وأما ما يروى عن ابن عباس ، وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت ، فليس ذلك بشيء ، ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض ، وهو معلوم من ضرورة الدين . قوله { ولاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم في رواية حفص عنه بسكون الطاء ، وضم الهاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية أبي بكر « يطَّهرن » بتشديد الطاء ، وفتحها ، وفتح الهاء ، وتشديدها . وفي مصحف أبيّ ، وابن مسعود « ويتطهرن » والطهر انقطاع الحيض ، والتطهر الاغتسال . وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم ، فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها ، حتى تتطهر بالماء . وقال محمد بن كعب القرظي ، ويحيـى بن بكير إذا طهرت الحائض ، وتيمّمت حيث لا ماء حلت لزوجها ، وإن لم تغتسل . وقال مجاهد وعكرمة إن انقطاع الدم يحلها لزوجها ، ولكن تتوضأ . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل ، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل ، أو يدخل عليها ، وقت الصلاة . وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد ، والأولى أن يقال إن الله سبحانه جعل للحلّ غايتين كما تقتضيه القراءتان إحداهما انقطاع الدم ، والأخرى التطهر منه ، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى ، فيجب المصير إليها . وقد دلّ أن الغاية الأخرى هي المعتبرة . قوله تعالى بعد ذلك { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر ، لا مجرد انقطاع الدم . وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين ، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة ، كذلك يجب الجمع بين القراءتين . قوله { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } أي فجامعوهنّ ، وكني عنه بالإتيان ، والمراد أنهم يجامعونهنّ في المأتي الذي أباحه الله ، وهو القُبُل قيل و { مّنْ حَيْثُ } بمعنى في حيث ، كما في قوله تعالى { إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة } الجمعة 9 أي في يوم الجمعة ، وقوله { مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأرْضِ } فاطر 4 أي في الأرض ، وقيل إن المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه أي من غير صوم ، وإحرام ، واعتكاف ، وقيل إن المعنى من قبل الطهر ، لا من قبل الحيض ، وقيل من قبل الحلال ، لا من قبل الزنا . قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهّرِينَ } قيل المراد التوابون من الذنوب ، والمتطهرون من الجنابة ، والأحداث . وقيل التوابون من إتيان النساء في أدبارهنّ . وقيل من إتيانهن في الحيض ، والأول أظهر . قوله { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة إذ هو مزدرع الذرية ، كما أن الحرث مزدرع النبات . فقد شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه ، وهذه الجملة بيان للجملة الأولى ، أعني قوله { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } . وقوله { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } أي من أي جهة شئتم من خلف ، وقدام ، وباركة ، ومستلقية ، ومضطجعة ، إذا كان في موضع الحرث ، وأنشد ثعلب @ إنما الأرحام أرضو ن لنا محترثات فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات @@ وإنما عبر سبحانه بقوله { إِنّى } لكونها أعم في اللغة من كيف ، وأين ، ومتى . وأما سيبويه ، ففسرها ها هنا بـ " كيف " ، وقد ذهب الخلف والسلف ، من الصحابة ، والتابعين ، والأئمة إلى ما ذكرناه من تفسير الآية ، وأن إتيان الزوجة في دبرها حرام ، وروي عن سعيد بن المسيب ، ونافع ، وابن عمر ، ومحمد بن كعب القرظي ، وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك ، حكاه عنهم القرطبي في تفسير قال وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى « كتاب السر » وحذاق أصحاب مالك ، ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سرّ ، ووقع هذا القول في العُتْبِيَّة . وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز ذلك إلى زمرة كبيرة من الصحابة ، والتابعين ، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب « جماع النسوان وأحكام القرآن » وقال الطحاوي روى أصبغ بن الفرج ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، قال ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني شك في أنه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } ثم قال فأي شيء أبين من هذا . وقد روى الحاكم ، والدارقطني ، والخطيب البغدادي ، عن مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك . وفي أسانيدها ضعف . وقد روى الطحاوي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ، ولا تحريمه شيء ، والقياس أنه حلال . وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب . قال ابن الصباغ كان الربيع يحلف بالله الذي لا إلٰه إلا الله هو لقد كذب ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك ، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه . قوله { وَقَدّمُواْ لاِنفُسِكُمْ } أي خيراً كما في قوله تعالى { وَمَا تُقَدّمُواْ لأنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ * تَجِدُواْ * عَندَ ٱللَّهِ } البقرة 110 وقيل ابتغاء الولد . وقيل التزويج بالعفائف . وقيل غير ذلك . وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيه تحذير عن الوقوع في شيء من المحرّمات . وفي قوله { وَٱعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُ } مبالغة في التحذير . وفي قوله { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } تأنيس لمن يفعل الخير ويجتنب الشر . وقد أخرج مسلم ، وأهل السنن ، وغيرهم ، عن أنس « أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جامعوهنّ في البيوت ، واصنعوا كل شيء إلا النكاح " وأخرج النسائي ، والبزار ، عن جابر قال إن اليهود قالوا من أتى المرأة في دبرها كان ولده أحول فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عن ذلك ، وعن إتيان الحائض ، فنزلت . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد قال الأذي الدم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنّسَاء } يقول اعتزلوا نكاح فروجهن . وفي قوله { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } قال من الدم . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد قال حتى ينقطع الدم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } قال بالماء . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة نحوه أيضاً . وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد ، وعطاء أنهما قالا إذا رأت الطهر ، فلا بأس أن تستطيب بالماء ، ويأتيها قبل أن تغتسل . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } قال يعني أن يأتيها طاهراً غير حائض . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } قال من حيث أمركم أن تعتزلوهنّ . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عكرمة مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال من حيث نهاكم أن تأتوهنّ وهنّ حَيض يعني من قبل الفرج . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن الحنفية قال { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } من قبل التزويج . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن عطاء في قوله { يُحِبُّ ٱلتَّوبِينَ } قال من الذنوب { وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهّرِينَ } قال بالماء . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأعمش قال التوبة من الذنوب ، والتطهير من الشرك . وأخرج البخاري ، وأهل السنن ، وغيرهم عن جابر قال كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول ، فنزلت { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } إن شاء محتبية ، وإن شاء غير محتبية ، غير أن ذلك في صمام واحد . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مُرَّة الهمداني نحوه . وقد روى هذا ، عن جماعة من السلف ، وصرحوا أنه السبب ، ومن الراوين لذلك عبد الله بن عمر ، عند ابن عساكر ، وأم سلمة ، عند عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والبيهقي في الشعب . وأخرجه أيضاً ، عنها ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والدارمي ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وحسنه « أنها سألت رسول الله بعض نساء الأنصار عن التحبية ، فتلا عليها الآية ، وقال " صماماً واحداً " والصمام السبيل ، وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، والضياء في المختارة ، وغيرهم ، عن ابن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله هلكت قال " وما أهلكك ؟ " قال حوّلت رحلي الليلة . فلم يردّ عليه شيئاً ، فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } يقول أقبل ، وأدبر ، واتق الدُّبُرَ ، والحيضة . وأخرج أحمد ، عن ابن عباس مرفوعاً أن هذه الآية نزلت في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألوه فقال " ائتها على كل حال إذا كان في الفرج " . وأخرج الدارمي ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عنه قال إن ابن عمر - والله يغفر له - أوهم ، إنما كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن ، مع هذا الحيّ من اليهود ، وهم أهل الكتاب كانوا يرون لهم ، فضلاً عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، وكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا بفعلهم ، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شرحاً ، ويتلذذون منهن مقبلات ، ومدبرات ، ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار . فذهب يفعل بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت إنما كنا نؤتى على حرف ، فاصنع ذلك ، وإلا فاجتنبني ، فسرى أمرهما ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله الآية { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } يقول مقبلات ، ومدبرات بعد أن يكون في الفرج ، وإن كان من قبل دبرها في قبلها ، زاد الطبراني قال ابن عباس قال ابن عمر في دبرها ، فأوهم ، والله يغفر له ، وإنما كان هذا الحديث على هذا . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والدارمي ، والبيهقي ، عن ابن مسعود أنه قال محاشُّ النساء عليكم حرام . وأخرج الشافعي في الأم ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه من طريق خزيمة بن ثابت « أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهنّ ، فقال حلال ، أو لا بأس ، فلما ولى دعاه فقال " كيف قلت ؟ أمن دبرها في قبلها ، فنعم ، أم من دبرها في دبرها فلا ، إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهنّ " وأخرج ابن عدي ، والدارقطني ، عن جابر بن عبد الله نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن حبان عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في الدبر " وأخرج أحمد ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى " وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ملعون من أتى امرأته في دبرها " . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، والبيهقي عنه قال إتيان الرجال ، والنساء في أدبارهن كفر . وقد رواه ابن عدي ، عن أبي هريرة مرفوعاً . قال ابن كثير والموقوف أصح . وقد ورد النهي عن ذلك من طرق منها عند البزار عن عمر مرفوعاً ، وعند النسائي عنه موقوفاً ، وهو أصح . وعند ابن عدي في الكامل ، عن ابن مسعود مرفوعاً ، وعند ابن عدي أيضاً ، عن عقبة بن عامر مرفوعاً ، وعند أحمد عن طلق بن يزيد ، أو يزيد بن طلق مرفوعاً ، وعند ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي وحسنه ، عن علي بن طلق مرفوعاً ، وقد ثبت نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ، والتابعين مرفوعاً ، وموقوفاً ، وأخرج البخاري ، وغيره عن نافع قال قرأت ذات يوم { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } فقال ابن عمر أتدري فيم أنزلت هذه الآية ؟ قلت لا ، قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهنّ . وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه قال { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } قال في الدبر . وقد روى هذا عن ابن عمر من طرق كثيرة ، وفي رواية عند الدارقطني أنه قال له نافع من دبرها في قبلها ؟ فقال لا إلا في دبرها . وأخرج ابن راهويه ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، والطحاوي ، وابن مردويه بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري ، أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس عليه ذلك ، فنزلت الآية . وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال كنْتُ عند محمد بن كعب القرظي ، فجاءه رجل ، فقال ما تقول في إتيان المرأة في دبرها ؟ فقال هذا شيخ من قريش ، فسله ، يعني عبد الله بن علي بن السائب ، فقال قذر ، ولو كان حلالاً . وقد روي القول بحلّ ذلك ، عن محمد بن المنكدر ، عند ابن جرير ، وعن ابن أبي مليكة ، عند ابن جرير أيضاً ، وعن مالك بن أنس عند ابن جرير ، والخطيب ، وغيرهما ، وعن الشافعي عند الطحاوي ، والحاكم والخطيب . وقد قدّمنا مثل هذا . وليس في أقوال هؤلاء حجة البتة ولا يجوز لأحد أن يعمل على أقوالهم ، فإنهم لم يأتوا بدليل يدلّ على الجواز ، فمن زعم منهم أنه فهم ذلك من الآية ، فقد أخطأ في فهمه . وقد فسرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكابر أصحابه بخلاف ما قاله هذا المخطىء في فهمه كائناً من كان ، ومن زعم منهم أن سبب نزول الآية أن رجلاً أتى امرأته في دبرها ، فليس في هذا ما يدل على أن الآية أحلت ذلك ، ومن زعم ذلك ، فقد أخطأ ، بل الذي تدل عليه الآية أن ذلك حرام ، فكون ذلك هو السبب لا يستلزم أن تكون الآية نازلة في تحليله ، فإن الآيات النازلة على أسباب تأتي تارة بتحليل هذا ، وتارة بتحريمه . وقد روي عن ابن عباس أنه فسّر هذه الآية بغير ما تقدّم ، فقال معناها إن شئتم ، فاعزلوا ، وإن شئتم ، فلا تعزلوا ، روى ذلك عنه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والضياء في المختارة . وروى نحو ذلك عن ابن عمر . أخرجه ابن أبي شيبة ، وعن سعيد بن المسيب ، أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن جرير .