Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 224-225)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

العرضة النصبة ، قاله الجوهري . يقال جعلت فلاناً عرضة لكذا أي نصبة . وقيل العرضة من الشدة ، والقوّة ، ومنه قولهم للمرأة عرضة للنكاح إذا صلحت له ، وقويت عليه ، ولفلان عرضة أي قوّة ، ومنه قول كعب بن زهير @ مِنْ كُلَّ نَضَّاحِة الدِّفرى إذا عَرِقَتْ عُرْضَتُها طَامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ @@ ومثله قول أوس بن حجر @ وأدْمَاءُ مِثل العجل يوماً عَرَضتُها لِرَحْلي وفيها هِزَّة وَتَقَاذُفُ @@ ويطلق العرضة على الهمة ، ومنه قول الشاعر @ هم الأنصار عرضتها اللقاء @@ أي همتها ، ويقال فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه ، فعلى المعنى الذي ذكره الجوهري أن العرضة النصبة كالقبضة ، والغرفة يكون ذلك اسماً لما تعرضه دون الشيء ، أي تجعله حاجزاً له ، ومانعاً منه ، أي لا تجعلوا الله حاجزاً ، ومانعاً لما حلفتم عليه ، وذلك لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة رحم ، أو إحسان إلى الغير ، أو إصلاح بين الناس بأن لا يفعل ذلك ، ثم يمتنع من فعله معللاً لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله ، وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية ، ينهاهم الله أن يجعلوه عرضة لأيمانهم ، أي حاجزاً لما حلفوا عليه ، ومانعاً منه ، وسمى المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين ، وعلى هذا يكون قوله { أَن تَبَرُّواْ } عطف بيان { لأيمانكم } أي لا تجعلوا الله مانعاً للأيمان التي هي بركم ، وتقواكم ، وإصلاحكم بين الناس ، ويتعلق قوله { لاِيْمَـٰنِكُمْ } بقوله { لا تجعلوا } أي لا تجعلوا الله لأيمانكم مانعاً ، وحاجزاً ، ويجوز أن يتعلق بعرضة ، أي لا تجعلوه شيئاً معترضاً بينكم ، وبين البرّ ، وما بعده ، وعلى المعنى الثاني ، وهو أن العرضة الشدة ، والقوّة يكون معنى الآية لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم ، وعدّة في الامتناع من الخير ، ولا يصح تفسير الآية على المعنى الثالث ، وهو تفسير العرضة بالهمة ، وأما على المعنى الرابع ، وهو من قولهم فلان لا يزال عرضة للناس ، أي يقعون فيه ، فيكون معنى الآية عليه ولا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم ، فتبتذلونه بكثرة الحلف به ، ومنه { وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ } المائدة 89 وقد ذمّ الله المكثرين للحلف فقال { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } القلم 10 وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان حتى قال قائلهم @ قَلِيلُ الألايَا حَافِظُ ليمينه وإن سبقت منه الألية بَرّت @@ وعلى هذا ، فيكون قوله { أَن تَبَرُّواْ } علة للنهي ، أي لا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم إرادة أن تبروا ، وتتقوا ، وتصلحوا لأن من يكثر الحلف بالله يجتريء على الحنث ، ويفجر في يمينه . وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها ، فمن ذلك قول الزجاج معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه الفعل الذي فيه خير اعتلّ بالله ، فقال عليَّ يمين ، وهو لم يحلف . وقيل معناها لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البرّ ، والتقوى ، والإصلاح . وقيل معناها إذا حلفتم على أن لا تصلوا أرحامكم ، ولا تتصدقوا ، ولا تصلحوا ، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر ، فكفروا عن اليمين ، وقد قيل إن قوله { أَن تَبَرُّواْ } مبتدأ خبره محذوف أي البرّ ، والتقوى ، والإصلاح أولى . قاله الزجاج ، وقيل إنه منصوب أي لا تمنعكم اليمين بالله البرّ ، والتقوى ، والإصلاح . وروى ذلك عن الزجاج أيضاً . وقيل معناه أن لا تبروا ، فحذف لا ، كقوله { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } النساء 176 أي لا تضلوا . قاله ابن جرير الطبري . وقيل هو في موضع جرّ على قول الخليل ، والكسائي ، والتقدير في { أَن تَبَرُّواْ } وقوله { سَمِيعُ } أي لأقوال العباد { عَلِيمٌ } بما يصدر منهم . واللغو مصدر لغا يلغو لغواً ، ولغى يلغي لغياً إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام ، أو بما لا خير فيه ، وهو الساقط الذي لا يعتدّ به ، فاللغو من اليمين هو الساقط الذي لا يعتدّ به ، ومنه اللغو في الدية ، وهو الساقط الذي لا يعتد به من أولاد الإبل ، قال جرير @ ويذهب بينها المرى لغوا كما ألغيت في الدية الحوارا @@ وقال آخر @ وَرَب أسْرَاب حَجيجٍ كُظَّم عَنِ اللَّغا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ @@ أي لا يتكلمن بالساقط والرفث ، ومعنى الآية لا يعاقبكم الله بالساقط من أيمانكم ، ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم ، أي اقترفته بالقصد إليه ، وهي اليمين المعقودة ، ومثله قوله تعالى { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأيْمَـٰنَ } المائدة 89 ومثله قول الشاعر @ ولستَ بمأخوذ بِلَغوِ يقولُه إذا لم تَعَمدَّ عاقداتِ العزائِمِ @@ وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو ، فذهب ابن عباس ، وعائشة ، وجمهور العلماء أيضاً أنه قول الرجل لا والله ، وبلى والله في حديثه ، وكلامه ، غير معتقد لليمين ، ولا مريد لها . قال المروزي هذا معنى لغو اليمين الذي اتفق عليه عامة العلماء . وقال أبو هريرة ، وجماعة من السلف هو أن يحلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه فإذا ليس هو ما ظنه ، وإلى هذا ذهبت الحنفية ، والزيدية ، وبه قال مالك في الموطأ . وروي عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف ، وأنت غضبان ، وبه قال طاوس ، ومكحول . وروى عن مالك ، وقيل إن اللغو هو يمين المعصية ، قاله سعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن الزبير ، وأخوه عروة كالذي يقسم ليشربنَّ الخمر ، أو ليقطعنَّ الرحم ، وقيل لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه ، كأن يقول أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله ، هو يهودي ، هو مشرك . قاله زيد بن أسلم . وقال مجاهد لغو اليمين أن يتبايع الرجلان ، فيقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر والله لا أشتريه بكذا . وقال الضحاك لغو اليمين هي المكفرة . أي إذا كفرت سقطت ، وصارت لغواً . والراجح القول الأول لمطابقته للمعنى اللغوي ، ولدلالة الأدلة عليه كما سيأتي . وقوله { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي حيث لم يؤاخذكم بما تقولونه بألسنتكم من دون عمد أو قصد ، وآخذكم بما تعمدته قلوبكم ، وتكلمت به ألسنتكم ، وتلك هي اليمين المعقودة المقصودة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَـٰنِكُمْ } يقول لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك ، واصنع الخير . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عنه هو أن يحلف الرجل أن لا يكلِّم قرابته أولا يتصدق ، ويكون بين رجلين مغاضبة ، فيحلف لا يصلح بينهما ، ويقول قد حلفت ، قال يكفر عن يمينه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء قال جاء رجل إلى عائشة ، فقال إني نذرت إن كلمت فلاناً ، فإن كل مملوك لي عتيق ، وكل مال لي ستر للبيت ، فقالت لا تجعل مملوكيك عتقاء ، ولا تجعل مالك ستراً للبيت ، فإن الله يقول { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَـٰنِكُمْ } فكفر عن يمينك ، وقد ورد أن هذه الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح . رواه ابن جرير ، عن ابن جريج ، والقصة مشهورة ، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين ، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها ، فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه " وثبت أيضاً في الصحيحين ، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير ، وكفَّرتُ عن يميني " وأخرج ابن ماجه ، وابن جرير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين قطيعة رحم ، أو معصية ، فبرُّه أن يحنث فيها ، ويرجع عن يمينه " وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نذَر ، ولا يمينَ ، فيما لا يملك ابن آدم ، ولا في معصية الله ، ولا في قطيعة رحم " وأخرج أبو داود ، والحاكم ، وصححه عن عمر مرفوعاً مثله . وأخرج النسائي ، وابن ماجه ، عن مالك الجُشَمي قال قلت يا رسول الله يأتيني ابن عمي ، فأحلف أن لا أعطيه ، ولا أصله ، فقال " كفر عن يمينك " . وأخرج مالك في الموطأ ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وغيرهم عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ } في قول الرجل لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله . وأخرج أبو داود ، وابن جرير ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن اللغو في اليمين ، فقال قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " هو كلام الرجل في بيته كلا والله ، وبلى والله " وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن عائشة ، أنها قالت في تفسيره الآية إن اللغو هو القوم يتدارؤون في الأمر يقول هذا لا والله ، ويقول هذا كلا والله ، يتدارون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عائشة أنها قالت هو اللغو في المزاحة والهزل ، وهو قول الرجل لا والله ، وبلى والله ، فذاك لا كفارة فيه ، وإنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ، ثم لا يفعله . وأخرج ابن جرير ، عن الحسن قال مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم ، فقال أصبت والله ، وأخطأت والله ، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم حنث الرجل يا رسول الله ، فقال " كلا ، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ، ولا عقوبة " . وقد روى أبو الشيخ عن عائشة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن عمرو أن اللغو لا والله ، وبلى والله . أخرجه سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف ، وأنت غضبان . وأخرج ابن جرير ، عن أبي هريرة قال لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه ، فإذا هو غير ذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي عن عائشة نحوه . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنها أن يحلف الرجل على تحريم ما أحلّ الله له . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال هو الرجل يحلف على المعصية ، وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن النخعي هو أن يحلف الرجل على الشيء ثم ينسى . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } يعني إذ تجاوز عن اليمين التي حلف عليها { حَلِيمٌ } إذ لم يجعل فيها الكفارة .