Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 226-227)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { يُؤْلُونَ } أي يحلفون والمصدر إيلاء ، وألية ، وألوة ، وقرأ ابن عباس « الذين آلوا » يقال آلى يؤالي إيلاً ، ويأتلي بالتاء ائتلاء أي حلف ، ومنه { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } النور 22 ومنه قليل الألايا حافظ ليمينه البيت . وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء ، فقال الجمهور إن الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أشهر ، فما دونها لم يكن مولياً ، وكانت عندهم يميناً محضاً ، وبهذا قال مالك والشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور . وقال الثوري ، والكوفيون الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعداً ، وهو قول عطاء . وروي عن ابن عباس أنه لا يكون مولياً حتى يحلف أن لا يمسها أبداً . وقالت طائفة إذا حلف أن لا يقرب امرأته يوماً ، أو أقل ، أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء . وبه قال ابن مسعود ، والنخعي ، وابن أبي ليلى ، والحكم ، وحماد بن أبي سليمان ، وقتادة ، وإسحاق . قال ابن المنذر وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم . قوله { مِن نّسَائِهِمْ } يشمل الحرائر ، والإماء ، إذا كنّ زوجات ، وكذلك يدخل تحت قوله { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } العبد إذا حلف من زوجته ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور قالوا وإيلاؤه كالحر وقال مالك ، والزهري ، وعطاء ، وأبو حنيفة ، وإسحاق إن أجله شهران . وقال الشعبي إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة . والتربص التأني والتأخر ، قال الشاعر @ تَرَبَّصْ بِها رَيْبَ المنُون لَعَلَّها تطلَّق يَوْماً أو يموتُ حَلِيلُها @@ وقت الله سبحانه بهذه المدة دفعاً للضرار عن الزوجة ، وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة ، والسنتين ، وأكثر من ذلك ، يقصدون بذلك ضرار النساء ، وقد قيل إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها . قوله { فَإِن فَآءوا } أي رجعوا ومنه { حَتَّىٰ تَفِىء إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } الحجرات 9 أي ترجع ، ومنه قيل للظل بعد الزوال فيء لأنه رجع عن جانب المشرق إلى جانب المغرب ، يقال فاء يفيء فيئة ، وفيوءاً ، وإنه لسريع الفيئة أي الرجعة ، ومنه قول الشاعر @ فَفاءَت وَلَمَ تقض الَّذي أقبلَتْ له وَمِن حَاجَة الإنسان مَا لَيس قَاضِيا @@ قال ابن المنذر وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له ، فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي امرأته ، فإذا زال العذر فأبى الوطء فرّق بينهما إن كانت المدة قد انقضت ، قاله مالك وقالت طائفة إذا أشهد على فيئته بقلبه في حال العذر أجزأه . وبه قال الحسن ، وعكرمة ، والنخعي ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل . وقد أوجب الجمهور على المولى إذا فاء بجماع امرأته الكفارة . وقال الحسن ، والنخعي لا كفارة عليه . قوله { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلَـٰقَ } العزم العقد على الشيء ويقال عزم يعزم عزماً وعزيمة وعزماناً واعتزم اعتزاماً ، فمعنى عزموا الطلاق عقدوا عليه قلوبهم . والطلاق من طلقت المرأة تطلق - كنصر ينصر طلاقاً فهي طالق وطالقة أيضاً ، ويجوز طلقت بضم اللام ، مثل عظم يعظم ، وأنكره الأخفش . والطلاق حلّ عقد النكاح ، وفي ذلك دليل على أنها لا تطلق بمضيّ أربعة أشهر كما قال مالك ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة ، وأيضاً ، فإنه قال { سَمِيعُ } ، وسميع يقتضي مسموعاً بعد المضيّ . وقال أبو حنيفة { سَمِيعُ } لإيلائه { عَلِيمٌ } بعزمه الذي دل عليه مضيّ أربعة أشهر . واعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم ، وتكلفوا بما لم يدل عليه اللفظ ، ولا دليل آخر ، ومعناها ظاهر واضح ، وهو أن الله جعل الأجل لمن يوليَ - أي يحلف من امرأته أربعة أشهر . ثم قال مخبراً لعباده بحكم هذا المُولى بعد هذه المدّة { فَإِن فَآءوا } رجعوا إلى بقاء الزوجية ، واستدامة النكاح { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لا يؤاخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ، ويرحمهم { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلَـٰقَ } أي وقع العزم منهم عليه ، والقصد له { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لذلك منهم { عَلِيمٌ } به ، فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ، ولا شبهة ، فمن حلف أن لا يطأ امرأته ، ولم يقيد بمدّة ، أو قيد بزيادة على أربعة أشهر كان علينا إمهاله أربعة أشهر ، فإذا مضت ، فهو بالخيار ، إما رجع إلى نكاح امرأته ، وكانت زوجته بعد مضيّ المدة كما كانت زوجته قبلها ، أو طلقها ، وكان له حكم المطلق لامرأته ابتداء ، وأما إذا وقت بدون أربعة أشهر ، فإن أراد أن يبرّ في يمينه اعتزل امرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آلى من نسائه شهراً ، فإنه اعتزلهنّ حتى مضى الشهر ، وإن أراد أن يطأ امرأته قبل مضي تلك المدّة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ، ولزمته الكفارة ، وكان ممتثلاً لما صح عنه من قوله " من حلف على شيء ، فرأى غيره خيراً منه فليأت الذي هو خير منه ، وليكفر عن يمينه " وقد أخرج الشافعي ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال الإيلاء أن يحلف أنه لا يجامعها أبداً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عنه في قوله { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ } قال هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها ، فتتربص أربعة أشهر ، فإن هو نكحها كفَّر عن يمينه ، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيَّره السلطان إما أن يفىء ، وإما أن يعزم ، فيطلق كما قال الله سبحانه . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والطبراني ، والبيهقي عنه قال كان إيلاء الجاهلية السنة ، والسنتين ، وأكثر من ذلك ، فوقت الله لهم أربعة أشهر ، فإن كان إيلاؤه أقلّ من أربعة أشهر ، فليس بإيلاء . وأخرج عبد بن حميد ، عن علي قال الإيلاء إيلاءان إيلاء في الغضب ، وإيلاء في الرضا ، فأما الإيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر ، فقد بانت منه ، وأما ما كان في الرضا ، فلا يؤاخذ به ، وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال لا إيلاء إلا بغضب . وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وابن المنذر عن أبيّ بن كعب أنه قرأ « فإن فاءوا فيهنّ فإن الله غفور رحيم » . وأخرج عبد بن حميد ، عن علي قال الفيء الجماع . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه من طرق ، عن ابن عباس مثله . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن مسعود مثله . وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ، قال الفيء الإشهاد ، وأخرج عبد الرزاق عنه قال الفيء الجماع ، فإن كان له عذر أجزأه أن يفيء بلسانه . أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود قال إذا حال بينه ، وبينها مرض ، أو سفر ، أو حبس ، أو شيء يعذر به ، فإشهاده فيء . وللسلف في الفيء أقوال مختلفة ، فينبغي الرجوع إلى معنى الفيء لغة ، وقد بيناه . وأخرج ابن جرير ، عن عمر بن الخطاب أنه قال في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر لا شيء عليه حتى يوقف ، فيطلق ، أو يمسك . وأخرج الشافعي ، وابن جرير ، والبيهقي ، عن عثمان بن عفان نحوه . وأخرج مالك ، والشافعي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والبيهقي عن عليّ نحوه . وأخرج البخاري ، وعبد بن حميد ، عن ابن عمر نحوه أيضاً . وأخرج ابن جرير ، والبيهقي ، عن عائشة نحوه . وأخرج ابن جرير ، والدارقطني ، والبيهقي من طرق سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه قال سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يولي من امرأته ، فكلهم يقول ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة الأشهر ، فتوقف ، فإن فاء ، وإلا طلق . وأخرج البيهقي ، عن ثابت بن عبيدة مولى زيد بن ثابت ، عن اثني عشر رجلاً من الصحابة نحوه . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن عمر ، وعثمان ، وعليّ ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس قالوا الإيلاء تطليقة بائنة إذا مرت أربعة أشهر ، قيل أن يفيء ، فهي أملك بنفسها ، وللصحابة ، والتابعين في هذا أقوال مختلفة متناقضة ، والمتعين الرجوع إلى ما في الآية الكريمة ، وهو ما عرفناك ، فاشدد عليه يديك . وأخرج عبد الرزاق عن عمر قال إيلاء العبد شهران . وأخرج مالك عن ابن شهاب قال إيلاء العبد نحو إيلاء الحرّ .