Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 25-25)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب ، والترهيب ، والوعد ، والوعيد كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز ، لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته ، وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه . والتبشير الإخبار بما يظهر أثره على البشرة ، وهي الجلدة الظاهرة ، من البشر ، والسرور . قال القرطبي أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال مَن بشرني مِن عبيدي ، فهو حرّ ، فبشره واحد من عبيده ، فأكثر ، فإن أوّلهم يكون حرّاً دون الثاني ، واختلفوا إذا قال مَنْ أخبرني مِن عبيدي بكذا ، فهو حرّ ، فقال أصحاب الشافعي يعمّ لأن كل واحد منهم مخبر ، وقال علماؤنا لا لأن المكلف إنما قصد خبراً يكون بشارة ، وذلك مختص بالأول . انتهى . والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعاً ، وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول ، فالخلاف لفظي . والمأمور بالتبشير قيل هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل هو كل أحد كما في قوله صلى الله عليه وسلم " بشر المشائين " وهذه الجمل ، وإن كانت مصدرة بالإنشاء ، فلا يقدح ذلك في عطفها على ما قبلها ، لأن المراد عطف جملة وصف ثواب المطيعين على جملة ، وصف عقاب العاصين من دون نظر إلى ما اشتمل عليه الوصفان من الأفراد المتخالفة خبراً ، وأنشاء . وقيل إن قوله { وَبَشّرِ } معطوف على قوله { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } البقرة 24 ، وليس هذا بجيد . و { ٱلصَّـٰلِحَاتِ } الأعمال المستقيمة . والمراد هنا الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم ، وفيه ردّ على من يقول إن الإيمان بمجرده يكفي ، فالجنة تنال بالإيمان ، والعمل الصالح . والجنات البساتين ، وإنما سميت جنات لأنها تجنّ من فيها أي تستره بشجرها ، وهو اسم لدار الثواب كلها ، وهي مشتملة على جنات كثيرة . والأنهار جمع نهر ، وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ، والمراد الماء الذي يجري فيها ، وأسند الجري إليها مجازاً ، والجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } يوسف 82 أي أهلها وكما قال الشاعر @ ونبئت أن النّارَ بَعْدَكَ أوقِدَتْ واستب بَعدَكَ يا كُليبُ المْجلِسُ @@ والضمير في قوله { مِن تَحْتِهَا } عائد إلى الجنات لاشتمالها على الأشجار ، أي من تحت أشجارها . وقوله { كُلَّمَا رُزِقُواْ } وصف آخر للجنات ، أو هو جملة مستأنفة كأن سائلاً قال كيف تمارها . و { مِن ثَمَرَةٍ } في معنى من أي ثمرة أي نوع من أنواع الثمرات ؟ والمراد بقوله { هَـٰذَا ٱلَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } أنه شبيهه ، ونظيره ، لا أنه هو ، لأن ذات الحاضر لا تكون عين ذات الغائب لاختلافهما ، وذلك أن اللون ، يشبه اللون ، وإن كان الحجم ، والطعم ، والرائحة ، والماوية مختلفة . والضمير في " به " عائد إلى الرزق ، وقيل المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابهاً ، فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره ، فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل ، فإذا أكلوا وجدوا له طعماً غير طعم الأول . و { مُّتَشَـٰبِهاً } منصوب على الحال . والمراد بتطهير الأزواج أنه لا يصيبهن ما يصيب النساء من قذر الحيض ، والنفاس ، وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا . والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع ، وقد يستعمل مجازاً فيما يطول ، والمراد هنا الأوّل . وقد أخرج ابن ماجه ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، والبزار ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والبيهقي ، وابن مردويه ، عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا هل مشمر للجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها ، هي وربّ الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة خضراء " الحديث . والأحاديث في وصف الجنة كثيرة جداً ثابتة في الصحيحين ، وغيرهما . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك " وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن حبان ، والبيهقي في البعث وصححه عن ابن مسعود نحوه ، موقوفاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلانْهَـٰرُ } قال يعني المساكن تجري أسفلها أنهارها . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً } قال أتوا بالثمرة في الجنة ، فنظروا إليها { قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } في الدنيا { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَـٰبِهاً } في اللون والمرأى ، وليس يشبه الطعم . وأخرج عبد بن حميد ، عن علي بن زيد ، وقتادة نحوه . وأخرج مسدد في مسنده ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم ، عن ابن عباس قال ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء . وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال قولهم { مِن قَبْلُ } معناه هذا مثل الذي كان بالأمس . وأخرج ابن جرير عن يحـي بن أبي كثير ، نحوه . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد قال { مُّتَشَـٰبِهاً } في اللون مختلفاً في الطعم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الحسن في قوله { مُّتَشَـٰبِهاً } قال خيار كله يشبه بعضه بعضاً لا رذل فيه ، ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة مثله . وأخرج الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ " قال " من الحيض ، والغائط ، والبزاق ، والنخامة " . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال من القذر ، والأذى . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود قال لا يحضن ، ولا يحدثن ، ولا يتنخمن . وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفات أهل الجنة في الصحيحين ، وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة أن أهل الجنة لا يبصقون ، ولا يتمخطون ، ولا يتغوطون . وثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة في الصحيحين ، وغيرهما من صفات نساء أهل الجنة مالا يتسع المقام لبسطه ، فلينظر في دواوين الإسلام ، وغيرها . وأخرج ابن جرير ، وابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَهُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } أي خالدون أبداً ، يخبرهم أن الثواب بالخير ، والشرّ مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { وَهُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } يعني لا يموتون . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت ، ويا أهل الجنة لا موت ، كل هو خالد فيما هو فيه " وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة نحوه . وأخرج الطبراني ، والحاكم وصححه من حديث معاذ نحوه . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ، ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ، ولكن جعل لهم الأبد " .