Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 256-257)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد اختلف أهل العلم في قوله { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } على أقوال الأوّل أنها منسوخة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام ، وقاتلهم ، ولم يرض منهم إلا بالإسلام ، والناسخ لها قوله تعالى { ٱ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } التوبة 73 ، التحريم 9 وقال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } التوبة 123 وقال { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَـٰتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } الفتح 16 ، وقد ذهب إلى هذا كثير من المفسرين . القول الثاني أنها ليست بمنسوخة ، وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة ، وأنهم لا يُكْرَهون على الإسلام إذا أدّوا الجزية ، بل الذين يُكْرَهون هم أهل الأوثان ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام ، أو السيف ، وإلى هذا ذهب الشعبي ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك . القول الثالث أن هذه الآية في الأنصار خاصة ، وسيأتي بيان ما ورد في ذلك . القول الرابع أن معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف إنه مكره ، فلا إكراه في الدين . القول الخامس أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام . وقال ابن كثير في تفسيره أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام ، فإنه بيِّن واضح جليُّ دلائله ، وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام ، وشرح صدره ، ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه ، وختم على سمعه ، وبصره ، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً ، وهذا يصلح أن يكون قولاً سادساً . وقال في الكشاف في تفسيره هذه الآية أي لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار ، والقسر ، ولكن على التمكين ، والاختيار ، ونحوه قوله { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } يونس 99 أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ، ولكن لم يفعل ، وبني الأمر على الاختيار ، وهذا يصلح أن يكون قولاً سابعاً . والذي ينبغي اعتماده ، ويتعين الوقوف عنده أنها في السبب الذي نزلت لأجله محكمة غير منسوخة ، وهو أن المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد ، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوِّده ، فلما أجليت يهود بني نضير كان فيهم من أبناء الأنصار ، فقالوا لا ندع أبناءنا ، فنزلت ، أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي في السنن ، والضياء في المختارة عن ابن عباس . وقد وردت هذه القصة من وجوه ، حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات تتضمن أن الأنصار قالوا إنما جعلناهم على دينهم أي دين اليهود ، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا ، وأن الله جاء بالإسلام ، فلنكرههم فلما نزلت خيرّ الأبناءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكرههم على الإسلام ، وهذا يقتضي أن أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم ، وأدّوا الجزية . وأما أهل الحرب ، فالآية وإن كانت تعمهم لأن النكرة في سياق النفي ، وتعريف الدين يفيدان ذلك ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات في إكراه أهل الحرب من الكفار على الإسلام . قوله { قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيّ } الرشد هنا الإيمان ، والغيّ الكفر أي قد تميز أحدهما من الآخر . وهذا استئناف يتضمن التعليل لما قبله . والطاغوت فعلوت من طغى يطغي ، ويطغو إذا جاوز الحدّ . قال سيبويه هو اسم مذكر مفرد أي اسم جنس يشمل القليل ، والكثير ، وقال أبو علي الفارسي إنه مصدر كرهبوت ، وجبروت يوصف به الواحد ، والجمع ، وقلبت لامه إلى موضع العين ، وعينه إلى موضع اللام كجبذ ، وجذب ، ثم تقلب الواو ألفاً لتحركها ، وتحرك ما قبلها ، فقيل طاغوت ، واختار هذا القول النحاس ، وقيل أصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق ، كما قيل لآلىء من اللؤلؤ . وقال المبرد هو جمع . قال ابن عطية وذلك مردود . قال الجوهري والطاغوت الكاهن ، والشيطان ، وكل رأس في الضلال ، وقد يكون واحداً . قال الله تعالى { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } النساء 60 وقد يكون جمعاً . قال الله تعالى { أَوْلِيَاؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ } والجمع الطواغيت أي فمن يكفر بالشيطان ، أو الأصنام ، أو أهل الكهانة ، ورءوس الضلالة ، أو بالجميع { وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ } عزّ وجلّ بعد ما تميز له الرشد من الغيّ ، فقد فاز ، وتمسك بالحبل الوثيق أي المحكم . والوثقى فعلى من الوثاقة ، وجمعها وُثَق مثل الفضلى ، والفُضَل . وقد اختلف المفسرون في تفسير العروة الوثقى بعد اتفاقهم على أن ذلك من باب التشبيه ، والتمثيل لما هو معلوم بالدليل بما هو مدرك بالحاسة ، فقيل المراد بالعروة الإيمان . وقيل الإسلام . وقيل لا إله إلا الله ، ولا مانع من الحمل على الجميع . والانفصام الانكسار من غير بينونة . قال الجوهري فصم الشيء كسره من غير أن يبين . وأما القصم بالقاف ، فهو الكسر مع البينونة ، وفسر صاحب الكشاف الانفصام بالانقطاع . قوله { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الوليّ فعيل بمعنى فاعل ، وهو الناصر . وقوله { يُخْرِجُهُم } تفسير للولاية ، أو حال من الضمير في وليّ ، وهذا يدل على أن المراد بقوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الذين أرادوا الإيمان لأن من قد وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور إلا أن يراد بالإخراج إخراجهم من الشبه التي تعرض للإيمان ، فلا يحتاج إلى تقدير الإرادة ، والمراد بالنور في قوله { يُخْرِجُونَهُم مّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ } ما جاء به أنبياء الله من الدعوة إلى الدين ، فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر ، أي قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الله من الأنبياء . وقيل المراد بالذين كفروا هنا الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم يخرجهم أولياؤهم من الشياطين ، ورؤوس الضلال من النور الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى ظلمات الكفر التي وقعوا فيها بسبب ذلك الإخراج . وقد أخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن سعيد بن جبير نحو ما تقدّم ، عن ابن عباس من ذكر سبب نزول قوله تعالى { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خيَّر الأبناء . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الشعبي نحوه أيضاً ، وقال فلحق بهم أي ببني النضير من لم يسلم ، وبقي من أسلم . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة ، فثبتوا على دينهم ، فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام ، فنزلت . وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } قال نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين ، كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو رجلاً مسلماً ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ألا أستكرههما ، فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فنزلت . وأخرج عبد بن حميد ، عن عبد الله بن عبيدة نحوه . وكذلك أخرج أبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن السديّ نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه ، وابن جرير عن قتادة قال كانت العرب ليس لها دين ، فأكرهوا على الدين بالسيف . قال ولا تكرهوا اليهود ، ولا النصارى ، والمجوس إذا أعطوا الجزية . وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن نحوه . وأخرج البخاري عن أسلم سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية أسلمي تسلمي ، فأبت ، فقال اللهم اشهد ، ثم تلا { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } وروى عنه سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم أنه قال لزنبق الرومي غلامه لو أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين فأبى ، فقال { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سليمان بن موسى في قوله { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } قال نسختها { جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } التوبة 73 . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال الطاغوت الشيطان . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال الطاغوت الكاهن ، وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال الطاغوت الساحر . وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال الطاغوت ما يعبد من دون الله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال العروة الوثقى لا إله إلا الله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك أنها القرآن . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد أنها الإيمان ، وعن سفيان أنها كلمة الإخلاص . وقد ثبت في الصحيحين تفسير العروة الوثقى في غير هذه الآية بالإسلام مرفوعاً في تعبيره صلى الله عليه وسلم لرؤيا عبد الله بن سلام . وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، فإنهما حبل الله الممدود ، فمن تمسك بهما ، فقد تمسك بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها " وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس قال إذا وحد الله وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاذ أنه سئل عن قوله { لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } قال لا انقطاع لها دون دخول الجنة . وأخرج ابن المنذر ، والطبراني عن ابن عباس في قوله { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الآية ، قال هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم { وٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ } الآية ، قال هم قوم آمنوا بعيسى ، فلما بعث محمد كفروا به . وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال الظلمات الكفر . والنور الإيمان . وأخرج أبو الشيخ عن السدي مثله .