Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 258-258)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في هذه الآية استشهاد على ما تقدم ذكره ، من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت ، وهمزة الاستفهام لإنكار النفي ، والتقرير المنفي ، أي ألم ينته علمك ، أو نظرك إلى هذا الذي صدرت منه هذه المحاجة ؟ قال الفراء { ألم تر } بمعنى هل رأيت أي هل رأيت الذي حاجّ إبراهيم ، وهو النمروذ بن كوس بن كنعان بن سلم بن نوح ، وقيل إنه النمروذ بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام . وقوله { أَنْ آتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } أي لأن آتاه الله ، أو من أجل أن آتاه الله ، على معنى أن إيتاء الملك أبطره ، وأورثه الكبر ، والعتو ، فحاج لذلك ، أو على أنه وضع المحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه من الشكر ، كما يقال عاديتني لأني أحسنت إليك ، أو وقت أن آتاه الله الملك . وقوله { إِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ } هو ظرف لحاج . وقيل بدل من قوله { أَنْ آتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } على الوجه الأخير ، وهو بعيد . قوله { رَبّى * ٱلَّذِى يُحْيىِ وَيُمِيتُ } بفتح ياء ربي ، وقرىء بحذفها . وقوله { أَنَاْ أحيى } قرأ جمهور القراء { أنا أحيى } بطرح الألف التي بعد النون من أنا في الوصل ، وأثبتها نافع ، وابن أبي أويس ، كما في قول الشاعر @ أنَا شَيْخُ العَشيرة فَاعْرِفُوني حُمْيداً قد تَذَرَّبْتُ السَّنامَا @@ أراد إبراهيم عليه السلام أن الله هو الذي يخلق الحياة ، والموت في الأجساد ، وأراد الكافر أنه يقدر أن يعفو عن القتل ، فيكون ذلك إحياء ، وعلى أن يقتل ، فيكون ذلك إماتة ، فكان هذا جواباً أحمق لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم لأنه أراد غير ما أراده الكفار ، فلو قال له ربه الذي يخلق الحياة ، والموت في الأجساد ، فهل تقدر على ذلك ؟ لبهت الذي كفر باديء بدء ، وفي أوّل ، وهلة ، ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيساً لخناقه ، وإرسالاً لعنان المناظرة فقال { إِبْرٰهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ } لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة ، ولا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ، ومشاغبة . قوله { فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ } بُهِتَ الرجل ، وبَهُتَ ، وبَهِتَ إذا انقطع ، وسكت متحيراً . قال ابن جرير وحكى عن بعض العرب في هذا المعنى بهت بفتح الباء ، والهاء . قال ابن جني قرأ أبو حيوة ، " فَبَهُتَ " بفتح الباء ، وضم الهاء ، وهي لغة في بهت بكسر الهاء قال وقرأ ابن السميفع ، " فبهت " بفتح الباء ، والهاء على معنى ، فبهت إبراهيم الذي كفر ، فالذي في موضع نصب ، قال وقد يجوز أن يكون بهت بفتحهما لغة في بهت . وحكى أبو الحسن الأخفش قراءة « فبهت » بكسر الهاء ، قال والأكثر بالفتح في الهاء . قال ابن عطية وقد تأوّل قومٌ في قراءة من قرأ ، " فبهت " بفتحهما أنه بمعنى سبَّ ، وقذف ، وأن النمروذ ، هو الذي سبّ حين انقطع ، ولم يكن له حيلة . انتهى . وقال سبحانه { فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ } ولم يقل ، فبهت الذي حاجّ ، إشعاراً بأن تلك المحاجة كفر . وقوله { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } تذييل مقرر لمضمون الجملة التي قبله . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن علي بن أبي طالب أن الذي حاجّ إبراهيم في ربه هو نمروذ بن كنعان . وأخرجه ابن جرير ، عن مجاهد ، وقتادة ، والربيع ، والسديّ . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم أن أول جبار كان في الأرض نمروذ ، وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام ، فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار ، فإذا مرَّ به ناس قال من ربكم ؟ قالوا أنت ، حتى مرّ به إبراهيم ، فقال من ربك ؟ قال الذي يحيي ويميت ، قال أن أحيي وأميت ، قال فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر ، فردّه بغير طعام . فرجع إبراهيم إلى أهله ، فمرّ على كثيب من رمل أصفر فقال ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي ، فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم ، فأخذ منه فأتى أهله ، فوضع متاعه ، ثم نام ، فقامت امرأته إلى متاعه ، ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه آخذ ، فصنعت له منه ، فقرّبته إليه ، وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام ، فقال من أين هذا ؟ قالت من الطعام الذي جئت به ، فعرف أن الله رزقه ، فحمد الله ، ثم بعث الله إلى الجبار ملكاً أن آمن وأتركك على ملكك . قال فهل ربّ غيري ؟ فجاءه الثانية ، فقال له ذلك فأبى عليه ، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه ، فقال له الملك فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام ، فجمع الجبار جموعه ، فأمر الله الملَك ، ففتح عليه باباً من البعوض ، وطلعت الشمس ، فلم يروها من كثرتها ، فبعثها الله عليهم ، فأكلت شحومهم ، وشربت دماءهم ، فلم يبق إلا العظام ، والملك كما هو لا يصيبه من ذلك شيء ، فبعث الله عليه بعوضة ، فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، وأرحم الناس به من جمع يديه ، ثم ضرب بهما رأسه ، وكان جباراً أربعمائة سنة ، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ، ثم أماته الله ، وهو الذي كان بنى صرحاً إلى السماء ، { فأتى الله بنيانه من القواعد } النحل26 . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في الآية ، قال هو نمروذ بن كنعان ، يزعمون أنه أوّل من ملك في الأرض أتى برجلين قتل أحدهما ، وترك الآخر ، فقال { أنا أحيي وأميت } . وأخرج أبو الشيخ ، عن السدي { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال إلى الإيمان .