Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 259-259)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَوْ كَٱلَّذِى } " أو " للعطف حملاً على المعنى ، والتقدير هل رأيت كالذي حاجّ ، أو كالذي مرّ على قرية ؟ قاله الكسائي ، والفراء . وقال المبرد إن المعنى ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه ؟ ألم تر من هو كالذي مرّ على قرية ، فحذف قوله من هو . وقد اختار جماعة أن الكاف زائدة ، واختار آخرون أنها إسمية . والمشهور أن القرية هي بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها ، وقيل المراد بالقرية أهلها . وقوله { خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي ساقطة على عروشها ، أي سقط السقف ، ثم سقطت الحيطان عليه ، قاله السُّدِّيُ ، واختاره ابن جرير ، وقيل معناه خالية من الناس ، والبيوت قائمة ، وأصل الخواء الخلوّ ، يقال خوت الدار وخويت تخوى خواء - ممدود - وخوياً ، وخويا أقفرت ، والخواء أيضاً الجوع لخلوّ البطن عن الغذاء ، والظاهر القول الأوّل بدلالة قوله { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } من خوى البيت إذا سقط ، أو من خوت الأرض إذا تهدمت ، وهذه الجملة حالية أي من حال كونها كذلك . وقوله { أنّى يُحْيِي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ } أي متى يحيي ، أو كيف يحيي ، وهو استبعاد لإحيائها ، وهي على تلك الحالة المشابهة لحالة الأموات المباينة لحالة الأحياء ، وتقديم المفعول لكون الاستبعاد ناشئاً من جهته لا من جهة الفاعل . فلما قال المارُّ هذه المقالة مستبعداً لإحياء القرية المذكورة بالعمارة لها ، والسكون فيها ضرب الله له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال كان هذا القول شكاً في قدرة الله على الإحياء ، فلذلك ضرب له المثل في نفسه . قال ابن عطية ليس يدخل شكّ في قدرة الله سبحانه على إحياء قرية بجلب العمارة إليها ، وإنما يتصور الشك إذا كان سؤاله ، عن إحياء موتاها . وقوله { مِاْئَةَ عَامٍ } منصوب على الظرفية . والعام السنة أصله مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان . وقوله { بَعَثَهُ } معناه أحياه . قوله { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } هو استئناف كأنّ سائلاً سأله ماذا قال له بعد بعثه ؟ واختلف في فاعل قال فقيل هو الله عزّ وجل ، وقيل ناداه بذلك ملك من السماء ، قيل هو جبريل ، وقيل غيره ، وقيل إنه نبيّ من الأنبياء . قيل رجل من المؤمنين من قومه شاهده عند أنْ أماته الله ، وعمر إلى عند بعثه . والأول أولى لقوله فيما بعد { وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا } وقرأ ابن عامر ، وأهل الكوفة إلا عاصماً { كَمْ لبثت } بإدغام الثاء في التاء لتقاربهما في المخرج . وقرأ غيرهم بالإظهار ، وهو أحسن لبعد مخرج الثاء من مخرج التاء . و « كم » في موضع نصب على الظرفية ، وإنما قال { يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } بناء على ما عنده ، وفي ظنه ، فلا يكون كاذباً ، ومثله قول أصحاب الكهف { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } الكهف 19 ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين " لم تَقُصر ولم أنس " وهذا ما يؤيد قول من قال إن الصدق ما طابق الاعتقاد ، والكذب ما خالفه . وقوله { قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } هو استئناف أيضاً كما سلف أي ما لبثت يوماً ، أو بعض يوم بل لبثت مائة عام . وقوله { فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } أمره سبحانه أن ينظر إلى هذا الأثر العظيم من آثار القدرة ، وهو عدم تغير طعامه ، وشرابه مع طول تلك المدّة . وقرأ ابن مسعود « وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه » وقرأ طلحة ابن مصرِّف « وانظر لطعامك وشرابك لمائة سنة » . وروى عن طلحة أيضاً أنه قرأ « لم يسَّن » بإدغام التاء في السين ، وحذف الهاء . وقرأه الجمهور بإثبات الهاء في الوصل ، والتسنه مأخوذ من السنة أي لم تغيره السنون ، وأصلها سنهة ، أو سنوة من سنهت النخلة ، وتسنهت إذا أتت عليها السنون ، ونخلة سنا أي تحمل سنة ، ولا تحمل أخرى ، وأسنهت عند بني فلان أقمت عندهم ، وأصله يتسنا سقطت الألف للجزم ، والهاء للسكت . وقيل هو من أسن الماء إذا تغيَّر ، وكان يجب على هذا أن يقال يتأسن من قوله { حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } الحجر 26 ، 33 قاله أبو عمرو الشيباني . وقال الزجاج ليس كذلك لأن قوله { مَّسْنُونٍ } ليس معناه متغير ، وإنما معناه مصبوب على سنَّه الأرض . وقوله { وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } اختلف المفسرون في معناه ، فذهب الأكثر إلى أن معناه انظر إليه كيف تفرّقت أجزاؤه ، ونخرت عظامه ، ثم أحياه الله ، وعاد كما كان . وقال الضحاك ، ووهب بن منبه انظر إلى حمارك قائماً في مربطه لم يصبه شيء بعد أن مضت عليه مائة عام ، ويؤيد القول الأول قوله تعالى { وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ ننشزها } ويؤيد القول الثاني مناسبته لقوله { فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } وإنما ذكر سبحانه عدم تغير طعامه ، وشرابه ، بعد إخباره أنه لبث مائة عام ، مع أن عدم تغير ذلك الطعام ، والشراب لا يصلح أن يكون دليلاً على تلك المدة الطويلة ، بل على ما قاله من لبثه يوماً ، أو بعض يوم لزيادة استعظام ذلك الذي أماته الله تلك المدة ، فإنه إذا رأى طعامه ، وشرابه لم يتغير مع كونه قد ظنّ أنه لم يلبث إلا يوماً ، أو بعض يوم زادت الحيرة ، وقويت عليه الشبهة ، فإذا نظر إلى حماره عظاماً نخرة تقرّر لديه أن ذلك صنع من تأتي قدرته بما لا تحيط به العقول ، فإن الطعام ، والشراب سريع التغير . وقد بقي هذه المدّة الطويلة غير متغير ، والحمار يعيش المدة الطويلة . وقد صار كذلك { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } المؤمنون 14 . قوله { وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً لِلنَّاسِ } قال الفراء إنه أدخل الواو في قوله { وَلِنَجْعَلَكَ } دلالةً على أنها شرط لفعل بعدها معناه ولنجعلك آية للناس ، ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك . وإن شئت جعلت الواو مقحمة زائدة . قال الأعمش موضع كونه آية هو أنه جاء شباباً على حاله يوم مات ، فوجد الأبناء ، والحفدة شيوخاً . قوله وانظر إلى العظام كيف ننشزها » قرأ الكوفيون ، وابن عامر بالزاي ، والباقون بالراء . وروى أبان عن عاصم « نَنْشُرها » بفتح النون الأولى ، وسكون الثانية ، وضم الشين ، والراء . وقد أخرج الحاكم وصححه ، عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرأ « كيف ننشزها » بالزاي . فمعنى القراءة بالزاي نرفعها ، ومنه النشر وهو المرتفع من الأرض أي يرفع بعضها إلى بعض . وأما معنى القراءة بالراء المهملة ، فواضحة من أنشر الله الموتى أي أحياهم ، وقوله { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } أي نسترها به كما نستر الجسد باللباس ، فاستعار اللباس لذلك ، كما استعاره النابغة للإسلام ، فقال @ فَالْحَمْدُ للهِ إِذ لَمْ يَأتِنِي أَجَلي حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الإِسْلاَمِ سِرْبَالاَ @@ قوله { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أي ما تقدّم ذكره من الآيات التي أراه الله سبحانه ، وأمره بالنظر إليها ، والتفكر فيها { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } لا يستعصي عليه شيءٌ من الأشياء . قال ابن جرير المعنى في قوله { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أي لما اتضح له عياناً ما كان مستنكراً في قدرة الله عنده قبل عيانه . { قَالَ أَعْلَمُ } وقال أبو علي الفارسي معناه أعلم أن هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته . وقرأ حمزة ، والكسائي " قَالَ أَعْلَمُ " على لفظ الأمر خطاباً لنفسه على طريق التجريد . وقد أخرج عبد بن حيمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن عليّ في قوله { أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } قال خرج عزير نبيّ الله من مدينته ، وهو شاب ، فمرّ على قرية خَرِبة ، وهي خاوية على عروشها ، فقال { أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه } فأوّل ما خلق الله عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحماً ، ثم نفخ فيه الروح ، فقيل له { كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } فأتى مدينته . وقد ترك جاراً له إسكافاً شاباً ، فجاء ، وهو شيخ كبير . وقد روي عن جماعة من السلف أن الذي أماته الله عزير ، منهم ابن عباس عند ابن جرير ، وابن عساكر ، ومنهم عبد الله بن سلام عند الخطيب ، وابن عساكر ، ومنهم عكرمة ، وقتادة ، وسليمان ، وبريدة ، والضحاك ، والسديّ عند ابن جرير ، وورود عن جماعة آخرين أن الذي أماته الله هو نبيّ اسمه أرمياء ، فمنهم عبد الله بن عبيد بن عمير ، عند عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، ومنهم وهب بن منبه ، عند عبد الرزاق ، وابن جرير ، وأبي الشيخ . وأخرج ابن إسحاق عنه أيضاً أنه الخضر . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن رجل من أهل الشام أنه حزقيل . وروى ابن كثير ، عن مجاهد أنه رجل من بني إسرائيل . والمشهور القول الأوّل ، وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { خَاوِيَةٍ } قال خراب . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة قال { خَاوِيَةٍ } ليس فيها أحد . وأخرج أيضاً عن الضحاك قال { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } سقوفها . وأخرج ابن جرير ، عن السديّ قال ساقطة على سقوفها . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال { لَبِثْتُ يَوْمًا } ثم التفت فرأى الشمس ، فقال { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } . وأخرج عنه أيضاً قال كان طعامه الذي معه سلة من تين ، وشرابه زقّ من عصير . وأخرج أيضاً عن مجاهد نحوه . وأخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لَمْ يَتَسَنَّهْ } قال لم يتغير . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير قال { لَمْ يَتَسَنَّهْ } لم ينتن . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود في قوله { وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً لِلنَّاسِ } مثل ما تقدّم عن الأعمش ، وكذلك أخرج مثله أيضاً عن عكرمة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { كَيْفَ نُنشِزُهَا } قال نخرجها . وأخرج ابن جرير ، عن زيد بن ثابت قال نحييها .