Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 272-274)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } أي ليس بواجب عليك أن تجعلهم مهديين قابلين لما أمروا به ونهوا عنه { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } هداية توصله إلى المطلوب ، وهذه الجملة معترضة ، وفيها الالتفات ، وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله ، والمراد بقوله { مّنْ خَيْرٍ } كل ما يصدق عليه اسم الخير كائناً ما كان ، وهو متعلق بمحذوف ، أي أيّ شيء تنفقون كائناً من خير ، ثم بين أن النفقة المعتدّ بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله سبحانه ، أي لابتغاء وجه الله . وقوله { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } أي أجره ، وثوابه على الوجه الذي تقدّم ذكره من التضعيف . قوله { لِلْفُقَرَاء } متعلق بقوله { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } أو بمحذوف أي اجعلوا ذلك للفقراء ، أو خبر مبتدأ محذوف أي إنفاقكم للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله بالغزو ، أو الجهاد ، وقيل منعوا عن التكسب لما هم فيه من الضعف { ٱلَّذِينَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلأرْضِ } للتكسب بالتجارة ، والزراعة ، ونحو ذلك بسبب ضعفهم . قيل هم فقراء الصفة . وقيل كل من يتصف بالفقر ، وما ذكر معه . ثم ذكر سبحانه من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحُنُوّ عليهم ، والشفقة بهم ، وهو كونهم متعففين عن المسئلة ، وإظهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء . والتعفف تفعل ، وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه ، وتنزّه عن طلبه ، وفي « يحسبهم » لغتان فتح السين ، وكسرها . قال أبو عليّ الفارسيّ والفتح أقيس لأن العين من الماضي مكسورة ، فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة . فالقراءة بالكسر على هذا حسنة ، وإن كانت شاذة . و « من » في قوله « من التعفف » لابتداء الغاية ، وقيل لبيان الجنس . قوله { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } أي برثاثة ثيابهم ، وضعف أبدانهم ، وكل ما يشعر بالفقر ، والحاجة . والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح للمخاطبة ، والسيما مقصورة العلامة ، وقد تمد . والإلحاف الإلحاح في المسئلة ، وهو مشتق من اللحاف ، سمي بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسئلة ، كاشتمال اللحاف على التغطية . ومعنى قوله { لا يسألون الناس إلحافاً } أنهم لا يسألونهم ألبتة ، لا سؤال إلحاح ، ولا سؤال غير إلحاح . وبه قال الطبري ، والزجاج ، وإليه ذهب جمهور المفسرين ، ووجهه أن التعَفُّفَّ صفةٌ ثابتة لهم لا تفارقهم ، ومجرد السؤال ينافيها . وقيل المراد أنهم إذا سألوا سألوا بتلطف ، ولا يلحفون في سؤالهم ، وهذا ، وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد ، لكن صفة التعفف تنافيه ، وأيضاً كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال ألبتة . وقوله { بالليل والنهار } يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق ، وشدّة حرصهم عليه حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلاً ، ولا نهاراً ، ويفعلونه سرّاً وجهراً عند أن تنزل بهم حاجة المحتاجين ، ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال . ودخول الفاء في خبر الموصول أعني قوله { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ } للدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها ، وقيل هي للعطف ، والخبر للموصول محذوف ، أي ومنهم الذين ينفقون . وقد أخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، والبزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، والضياء في المختارة ، عن ابن عباس ، قال كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين ، فنزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } إلى قوله { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } فرخص لهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والضياء عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدّق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير ، نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن الحنفية ، نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال كان أناس من الأنصار لهم نسب ، وقرابة من قريظة ، والنضير ، وكان يتقون أن لا يتصدّقوا عليهم ، ويريدونهم أن يسلموا ، فنزلت { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } الآية . وأخرج ابن المنذر ، عن عمرو الهلالي قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتصدّق على فقراء أهل الكتاب ؟ فأنزل الله { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء الخراساني قال في قوله { وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ ٱللَّهِ } قال إذا أعطيت لوجه الله ، فلا عليك ما كان عمله . وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال هم أصحاب الصفة . وأخرج ابن سعد ، عن محمد بن كعب القرظي ، نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم أمروا بالصدقة عليهم . وأخرج ابن جرير ، عن الربيع في قوله { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو فلا يستطيعون تجارة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال هم قوم أصابتهم ، الجراحات في سبيل الله ، فصاروا زمني ، فجعل لهم في أموال المسلمين حقاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن رجاء بن حيوة في قوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلاْرْضِ } قال لا يستطيعون تجارة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ ، نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَاء } قال دلّ الله المؤمنين عليهم ، وجعل نفقاتهم لهم ، وأمرهم أن يضعوا نفقاتهم فيهم ، ورضي عنهم . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } قال التخشع . وأخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الربيع أن معناه تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة . وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } قال رثاثة ثيابهم ، وثبت في الصحيحين ، وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين الذي تردّه التمرة ، والتمرتان ، واللقمة ، واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، واقرءوا إن شئتم { لا يسألون الناس إلحافاً } " وقد ورد في تحريم المسئلة أحاديث كثيرة إلا لذي سلطان ، أو في الأمر لا يجد منه بدّاً . وأخرج ابن سعد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عديّ ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، عن يزيد بن عبد الله بن عَرِيب المليكي ، عن أبيه ، عن جدّه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " أنزلت هذه الآية { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } في أصحاب الخيل " وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر ، عن أبي أمامة الباهلي نحوه قال فيمن لا يربطها خيلاء ، ولا رياء ، ولا سمعة . وأخرج ابن جرير ، عن أبي الدرداء نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن حنش الصنعاني أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه عن ابن عباس في هذه الآية قال نزلت في عليّ بن أبي طالب كانت له أربعة دراهم ، فأنفق بالليل درهماً ، وبالنهار درهماً ، ودرهماً سرّاً ، ودرهماً علانية . وعبد الوهاب ضعيف ، ولكن قد رواه ابن مردويه من وجه آخر ، عن ابن عباس . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في هذه الآية قال هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله الذي افترض عليهم في غير سَرَفٍ ، ولا إِمْلاقٍ ، ولا تبذير ، ولا فساد . وأخرج ابن المنذر ، عن سعيد بن المسيب قال نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة .