Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 278-281)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي قوا أنفسكم من عقابه ، واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا ، وظاهره أنه أبطل من الربا ما لم يكن مقبوضاً . قوله { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } قيل هو شرط مجازي على جهة المبالغة ، وقيل إنَّ « إنّ » في هذه الآية بمعنى " إذ " . قال ابن عطية وهو مردود لا يعرف في اللغة ، والظاهر أن المعنى إن كنتم مؤمنين على الحقيقة ، فإن ذلك يستلزم امتثال أوامر الله ونواهيه . قوله { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } يعني ما أمرتم به من الاتقاء ، وترك ما بقي من الربا { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي فاعلموا بها ، من أذن بالشيء إذا علم به ، قيل هو من الإذن بالشيء ، وهو الاستماع ، لأنه من طرق العلم . وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة { فأذنوا } على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم ، وقد دلت هذه على أن أكل الربا ، والعمل به من الكبائر ، ولا خلاف في ذلك ، وتنكير الحرب للتعظيم ، وزادها تعظيماً نسبتها إلى اسم الله الأعظم ، وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته . قوله { فَإِن تُبْتُمْ } أي من الربا { فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوٰلِكُمْ } تأخذونها { لاَ تَظِلَمُونَ } غرماءكم بأخذ الزيادة { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أنتم من قبلهم بالمطل ، والنقص ، والجملة حالية ، أو استئنافية . وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة ، ونحوهم ممن ينوب عنهم . قوله { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } لما حَكَم سبحانه لأهل الربا برءوس أموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظرة إلى يسار ، والعسرة ضيق الحال من جهة عدم المال ، ومنه جيش العسرة . والنظرة التأخير ، والميسرة مصدر بمعنى اليسر ، وارتفع { ذو } بكان التامة التي بمعنى وجد ، وهذا قول سيبويه ، وأبي عليّ الفارسي ، وغيرهما . وأنشد سيبويه @ فِدىً لبني ذُهْلِ بن شَيْبَان يا فتى إذا كان يومٌ ذو كواكب أَشْهَبُ @@ وفي مصحف أبيّ « وإن كان ذا عسرة » على معنى وإن كان المطلوب ذا عسرة . وقرأ الأعمش « وإن كان معسراً » . قال أبو عمرو الداني ، عن أحمد بن موسى ، وكذلك في مصحف أبيّ بن كعب . وروى المعتمر ، عن حجاج الوراق ، قال في مصحف عثمان { وَإِن كَانَ ذَاعُسْرَةٍ } قال النحاس ، ومكي ، والنقاش وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا ، وعلى من قرأ « ذو » فهي عامة في جميع مَنْ عليه دين ، وإليه ذهب الجمهور . وقرأ الجماعة { فَنَظِرَةٌ } بكسر الظاء . وقرأ مجاهد ، وأبو رجاء ، والحسن بسكونها ، وهي لغة تميم . وقرأ نافع ، وحده { مَيْسَرَةٍ } بضم السين ، والجمهور بفتحها ، وهي اليسار . قوله { وَأَن تَصَدَّقُواْ } بحذف إحدى التاءين ، وقريء بتشديد الصاد ، أي وأن تصدقوا على معسري غرمائكم بالإبراء خير لكم ، وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر ، وجعل ذلك خيراً من إنظاره ، قاله السدي ، وابن زيد ، والضحاك . قال الطبري وقال آخرون معنى الآية وأن تصدقوا على الغنيّ ، والفقير خير لكم . والصحيح الأوّل ، وليس في الآية مدخل للغنيّ . قوله { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } جوابه محذوف ، أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به . قوله { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا } هو يوم القيامة ، وتنكيره للتهويل ، وهو منصوب على أنه مفعول به لا ظرف . وقوله { تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } وصف له . وقرأ أبو عمر ، وبفتح التاء ، وكسر الجيم ، والباقون بضم التاء ، وفتح الجيم ، وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هو يوم الموت . وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة ، كما تقدّم . وقوله { إِلَى ٱللَّهِ } فيه مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ } من النفوس المكلفة { مَّا كَسَبَتْ } أي جزاء ما عملت من خير ، أو شرّ ، وجملة { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } حالية ، وجمع الضمير لأنه أنسب بحال الجزاء ، كما أن الإفراد أنسب بحال الكسب ، وهذ الآية فيها الموعظة الحسنة لجميع الناس . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ } قال نزلت في العباس بن عبد المطلب ، ورجل من بني المغيرة ، كانا شريكين في الجاهلية يسلفان الربا إلى ناس من ثقيف ، فجاء الإسلام ، ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله هذه الآية . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج ، قال كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس ، وما كان للناس عليهم من ربا ، فهو موضوع ، فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة ، وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ، ولهم عليهم مال كثير ، فأتاهم بنو عمرو ، يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ } فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتَّاب ، وقال " إن رضوا ، وإلا فأذنهم بحرب " . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } قال من كان مقيماً على الربا لا ينزع منه ، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع ، وإلا ضرب عنقه . وأخرجوا أيضاً عنه في قوله { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } قال استيقنوا بحرب ، وأخرج أهل السنن ، وغيرهم عن عمرو بن الأحوص ، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال " ألا إنّ كل ربا في الجاهلية موضوع ، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ، ولا تظلمون ، وأول ربا موضوع ربا العباس " وأخرج ابن منده ، عن ابن عباس ، قال نزلت هذه الآية في ربيعة بن عمرو ، وأصحابه { وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوٰلِكُمْ } . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } قال نزلت في الربا . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، عن شريح ، نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الضحاك في الآية ، قال وكذلك كل ديْنٍ على مسلم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، نحوه . وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين ، وغيرهما في الترغيب لمن له دين على معسر أن ينظره . وأخرج أبو عبيد ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال آخر آية نزلت من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } وأخرج ابن أبي شيبة ، عن السدي ، وعطية العُوفي مثله . وأخرج ابن الأنباري ، عن أبي صالح ، وسعيد بن جبير ، مثله أيضاً وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس أنها آخر آية نزلت ، وكان بين نزولها ، وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم إحدى وثمانون يوماً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير أنه عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ، ثم مات .