Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 31-33)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ آدم } أصله أأدم بهمزتين ، إلا أنهم ليَّنُوا الثانية ، وإذا حركت قلبت واو ، كما قالوا في الجمع أوادم ، قاله الأخفش . واختلف في اشتقاقه فقيل من أديم الأرض ، وهو وجهها . وقيل من الأدمة ، وهي السمرة . قال في الكشاف وما آدم إلا اسم عجميّ ، وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر ، وعازر ، وعابر ، وشالخ ، وفالغ ، وأشباه ذلك . و { ٱلأسْمَاء } هي العبارات ، والمراد أسماء المسميات ، قال بذلك أكثر العلماء ، وهو المعنى الحقيقي للاسم . والتأكيد بقوله { كُلَّهَا } يفيد أنه علمه جميع الأسماء ، ولم يخرج عن هذا شيء منها كائناً ما كان . وقال ابن جرير إنها أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم ، ثم رجع هذا ، وهو غير راجح . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أسماء الذرية . وقال الربيع بن خيثم أسماء الملائكة . واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات ، أو الأسماء ؟ والظاهر الأوّل لأن عرض نفس الأسماء غير واضح . وعرض الشيء إظهاره ، ومنه عرض الشيء للبيع . وإنما ذكر ضمير المعروضين تغليباً للعقلاء على غيرهم . وقرأ ابن مسعود « عَرضهنّ » وقرأ أبَي « عرضها » وإنما رجع ضمير " عرضهم " إلى مسميات مع عدم تقدم ذكرها لأنه قد تقدّم ما يدل عليها ، وهو أسماؤها . قال ابن عطية والذي يظهر أن الله علَّم آدم الأسماء ، وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصاً ، ثم عرض تلك على الملائكة ، وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم ، فقال لهم آدم هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا . قال الماوردي فكان الأصح توجه العرض إلى المسمين . ثم في زمن عرضهم قولان أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم . الثاني أنه صوّرهم لقلوب الملائكة ، ثم عرضهم . وأما أمره سبحانه للملائكة بقوله { أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } فهذا منه تعالى لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك . والمراد { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبؤني ، كذا قال المبرد ، . وقال أبو عبيد ، وابن جرير إن بعض المفسرين قال معنى { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } إذ كنتم ، قالا وهذا خطأ . ومعنى { أنبئوني } أخبروني . فلما قال لهم ذلك اعترفوا بالعجز ، والقصور { سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } . وسبحان منصوب على المصدرية عند الخليل وسيبويه ، وقال الكسائي هو منصوب على أنه منادى مضاف ، وهذا ضعيف جداً . والعليم للمبالغة والدلالة على كثرة المعلومات . والحكيم صيغة مبالغة في إثبات الحكمة له . ثم أمر الله سبحانه آدم أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة فعجزوا ، واعترفوا بالقصور ، ولهذا قال سبحانه { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ } الآية . قال فيما تقدم { أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30 ثم قال هنا { أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } تدرّجاً من المجمل إلى ما هو مبين بعض بيان ، ومبسوط بعض بسط ، وفي اختصاصه بعلم غيب السموات ، والأرض ردّ لما يتكلفه كثير من العباد من الإطلاع على شيء من علم الغيب كالمنجمين ، والكهان ، وأهل الرمل ، والسحر ، والشعوذة . والمراد بما يبدون ، وما يكتمون ما يظهرون ، ويسرّون كما يفيده معنى ذلك عند العرب ، ومن فسره بشيء خاص فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل . وقد أخرج الفريابي ، وابن سعد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس ، قال إنما سمي آدم ، لأنه خلق من أديم الأرض . وأخرج نحوه عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن سعيد بن جبير . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَعَلَّمَ ءادَمَ ٱلاسْمَاء كُلَّهَا } قال علمه اسم الصحفة ، والقدر ، وكل شيء . وأخرج ابن جرير ، عنه نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عنه في تفسير الآية قال عرض عليه أسماء ولده إنساناً إنساناً ، والدواب ، فقيل هذا الجمل ، هذا الحمار ، هذا الفرس . وأخرج الحاكم في تاريخه ، وابن عساكر ، والديلمي عن عطية بن بُشر مرفوعاً في قوله { وَعَلَّمَ ءادَمَ ٱلأسْمَاء كُلَّهَا } قال علم الله آدم في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف ، وقال له قل لأولادك ، ولذريتك إن لم تصبروا عن الدّنيا ، فاطلبوها بهذه الحرف ، ولا تطلبوها بالدين ، فإن الدين لي وحدي خالصاً ، ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له . وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثلت لي أمتي في الماء والطين ، وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها " وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في تفسير الآية قال أسماء ذريته أجمعين { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } قال أخذهم من ظهره . وأخرج عن الربيع بن أنس قال أسماء الملائكة . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف الخلق . { فَقَالَ أَنبِئُونِى } يقول أخبروني { بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة { قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ } تنزيها الله من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره تبنا إليك { لاَ عِلْمَ لَنَا } تبرؤا منهم من علم الغيب { إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } كما علمت آدم . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد قال عرض أصحاب الأسماء على الملائكة . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } قال العليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمه . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أن بني آدم يفسدون في الأرض ، ويسفكون الدماء { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } قال قولهم { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } ، { وَمَا كُنْتَم تَكْتُمُونَ } يعني ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال { مَا تُبْدُونَ } ما تظهرون { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } يقول أعلم السرّ كما أعلم العلانية .